المرأة المغربية استطاعت، بإرادتها، وعصاميتها، وإلحاحها أن تقتحم جانبا من الحياة السياسية كان موقوفا على الرجل، من باب أن مراكز المسؤلية هي، كالإمامة“، من اختصاص الذكور،وأن “للرجال عليهن درجة” إلا أن رجال العقول المتحجرة، جعلوا من “الدرجة” درجات، إرضاء لعجرفتهم ومكرهم وغريزة التحكم في الحرائر، بدون شرع ولا سلطان.
فقد طلعت وسائل الإعلام بخبر سار بالنسبة للحركة النسائية المغربية، مفاده أن الأحزاب الكبرى الفائزة في انتخابات 8 ستنبر، وصلت إلى “تفاهمات” تمكن ثلاثة وجوه نسائية بارزة، من الوصول إلى منصب العمدة لثلاث مدن كبرى بالمغرب هي العاصمة الرباط، والدار البيضاء ومراكش.
يتعلق الأمر بالسيدات:
*أسماء غلالو، برلمانية باسم حزب التجمع الوطني للأحرار، عمدة لمدينة الرباط.
*نبيلة الرميقي عمدة لمدينة الدار البيضاء، باسم حزب التجمع الوطني للأحرار، وهي دكتورة ومديرة جهوية للصحة بجهة الدار البيضاء سطات*
*فاطمة الزهراء المنصوري، عمدةً لمدينة مراكش، بإسم حزب الأصالة والمعاصرة’، وهي برلمانية وقيادية بهذا الحزب، منذ نشأته، وسبق لها أن تقلدت منصب العمدة بنفس المدينة حيث كانت أول سيدة تتولى هذا المنصب على المستوى الوطني.
وبرأي المتتبعين لمسيرة نضال نساء المغرب من أجل المساواة، فإن وصول ثلاثة وجوه نسائية إلى منصب العمدة، لثلاث مدن كبرى، منها عاصمة المملكة، أمرٌ يعتبر سابقة في تاريخ المغرب ومؤشرا على أن مسألة القيادة النسائية بدأت تشق طريقها داخل بعض الأدمغة الرافضة لتبوإ المرأة مراكز القرار، وأيضا، داخل قيادات بعض الأحزاب المغربية، ، التي كانت ترفض أن “تجازف بمقاعد انتخابية ترشح لها نساء، مخافة ضياعها، بسبب الشك في إمكانية قبولها من الناخبين، ذكورا ونساء.
تلك وضعيات قد خلت، و “تبخرت” اليوم، بفضل الجهاد الذي خاضته المرأة المغربية، منذ الاستقلال، دفاعا عن حقوقها المشروعة، والذي انتهى بإقناع الإرادة السياسية بالبلاد، ودفعها إلى اتخاذ العديد من الإجراءات القانونية تسير في اتجاه إنصاف المرأة المغربية. ونصوص قانونية أخرى ذات طابع مدني، وأيضا حمائي وفق التزامات المغرب على المستوى الدولي بشأن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص.
واغتنمت حركة “المناصفة الآن” الانفتاح الحصل على المرأة نسبيا، داخل الأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية، وأيضا على مستوى الحكومة، لترفع شعارها في وجه الجميع، وتطالب القائمين على التحالفات الحزبية، نتيجة الانتخابات الأخيرة، بترشيح النساء إسوة بالرجال، لجميع المجالس المنتخبة، تطبيقا لمقتضيات الدستوروالمواثيق الدولية التي أصبح المغرب طرفا فيها.
وللتذكير، فإن الفصل 19 من دستور 2011، العزيز على نساء المغرب، ينص على أن الرجل والمرأة يتمتعان، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية.
وفي هذا الإطار اتخذت الدولة عددا من التدابير القانونية بغاية التحقيق التدريجي لمبدإ المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، خاصة عبر إحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز؛ إلا أن المناصفة في المجال السياسي، لا تزال “مطلبا” من مطالب الحركات النسائية المغربية، لاصطدامه بعقليات ذكورية لا ترغب في أن تتمتع المرأة بحقوقها كاملة في هذا المجال أيضا، بعد ما أثبتت كفاءتها العلمية وقدرتها المهنية، لولوج كافة المجالات التدبيرية الأخرى للحياة العامة بالبلاد.
ومعلوم أن حركة “المناصفة الآن” أنجزت ، منذ أربع سنوات، دراسة سلطت الضوء على أسباب ضعف إشراك الأحزاب للمرأة في الحياة السياسية، وخلُصت إلى أن تلك الأسباب تتوزع بين الثقافي والمجتمعي، فضلا عن غياب إرادة حقيقية لدى الأحزاب من أجل تعزيز المشاركة السياسية للنساء لأسباب متعددة، تنظيمية ومادية بدليل ضعف تفاعل الأحزاب مع مطلب المناصفة في المجال السياسي. وترى الحركة أنه لولا الإجراءات التي اتخذتها الدولة لكانت وضعية المرأة أسوأ مما هي عليه الآن.
ذلك أن الآليات التي وضعتها الدولة هي التي مكنت من وصول تسعين امرأة إلى البرلمان، عن طريق اللوائح المخصصة لهن وطنيا وجهويا،
وقد علم أن ائتلاف “المناصفة الآن” يستعد لخوض “معركة” أخرى للمطالبة بوضع قانون يعجل بتفعيل مبدأ المناصفة ، وكان الائتلاف قد تقدم بعريضة إلى رئيس مجلس النواب حظيت بالقبول، ويَنتظر تشكيل أجهزة مجلس النواب المنبثق عن انتخابات 8 شتنبر، وتشكيل الحكومة الجديدة، للمطالبة بتفعيل توصيات هذه العريضة.
سمية أمغار