بعد القرار المتخذ من الجزائر بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، سيتحول المغرب العربي الكبير من منطقة ذات استقرار إلى فوهة بركان، ومن غير الواضح حتى الآن كيف سيؤول التوتر المتصاعد بين المغرب والجزائر، وقد تطال تبعاته المنطقة بأكملها.
وقد بات واضحا أن البلدين يتنافسان من أجل الهيمنة الإقليمية منذ عقود ويزيد الخلاف بينهما برفع منسوب التوتر، في المنطقة التي تشهد أيضا أزمة سياسية داخلية في تونس وحالة الحرب في ليبيا، إضافة إلى الانهيار الأمني في منطقة الساحل الإفريقي.
ورغم البيان الصادر عن الرئاسة الجزائرية الذي قدم عددا من المبررات والأسباب لقرار قطع العلاقات، إلا أن المراقبين يعتقدون أن هناك أسباب أخرى للصراع القائم بين البلدين.
ويرى الجزائر أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على الصحراء خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب غيّر الوضع الراهن للصراع وهو أمر أضاف إلى التطبيع بين المغرب وإسرائيل وقود النيران العلاقات المتضاربة تاريخيا، كما أن هناك تصور واسع بأن انعدام الأفق الداخلي غير متكافئ كما هو الحال الآن، يبدو المغرب أقوى داخليا من الجزائر، حيث العلاقات تميل إلى التدهور والأزمات، وأن التوتر المتصاعد بين الرباط والجزائر لا يحمل أنباء طيبة للمغرب الكبير وسيكون له تأثير لا محالة على إسبانيا وسيمتد للاتحاد الأوروبي ويضيفون أن منطقة المغرب الكبير تواجه العديد من الأزمات التي تتطلب استجابات منسقة، لكن ذلك سيكون أصعب بكثير عندما تغيب علاقات دبلوماسية بين بلدين كالمغرب والجزائر، وفي نطاق هذه المواجهة يخشى أن تؤدي الأزمة والتوتر إلى مواجهة عنيفة خاصة وأنه حتى الآن قد تم تسجيل بالفعل تحركات للقوات على الحدود.
ويشير هؤلاء الخبراء أن المغرب والجزائر قد انخرطا لسنوات في سباق نحو التسلح المكلف، وخلال السنوات الخمس الماضية كانت حيازتهما للأسلحة تمثل ٪70 من جميع صفقات إفريقيا.
ومع تصاعد حدة التصريحات من مسؤولي البلدين، دخلت وسائل الإعلام الدولية في تحليلها وقراءاتها لسيناريوهات محتملة لما قد تؤول إليه القطيعة بين المغرب والجزائر مع عودة الحديث عن سباق التسلح المستمر منذ عقود للبلدين واحتمال أن يتطور الوضع على الأرض إلى اشتباكات عسكرية بين الجيشين المرابطين على الحدود.
ومن خبث المقارنة العسكرية فقد أوردت مؤسسة «نجلو بال فايرباور» تصنيفا لقوة الجيوش الخاص لسنة 2021 بأن الجيش الجزائري يحتل المرتبة الثانية بين أقوى الجيوش الإفريقية بعد الجيش المصري، فيما يحتل الجيش المغربي المرتبة الخامسة في نفس التصنيف.
أما تصنيفهما على المستوى الدولي، فالجيش الجزائري يحتل المرتبة 27 بين أقوى 140 جيشا في العالم بينما الجيش المغربي يحتل المرتبة 53 في الترتيب العالمي.
ومن حيث الأسلحة، يمتلك الجيش الجزائري 2024 دبابة و7000 عربة مدرعة و324 مدفعا ذاتي الدفع و396 مدفعا ميدانيا و300 قاذفة صواريخ، كما يتملك الأسطول العسكري الجزائري 201 وحدة بحرية، بما في ذلك 8 فرقاطات و10 طرادات و8 غواصات و65 زورق دوريات وكاسحتي ألغام بحريتين.
أما بخصوص المغرب، فيمتلك قوة عسكرية قوامها 510 آلاف جندي، منهم 150 ألف جندي من قوات الاحتياط، وحسب موسسة «غلوبال فاير» تمتلك القوات الجوية المغربية 249 طائرة مقاتلة، بما في ذلك 83 مقاتلة اعتراضية و29 طائرة نقل عسكرية، و67 طائرة تدريب و4 طائرات مهمة خاصة، وطائرتي إعادة تزويد بالوقود الجوي و64 طائرة هيلوكوبتر.
ويملك الجيش المغربي قوة برية قوامها 3033 دبابة و8000 عربة مدرعة و510 مدفع ذاتي الدفع و156 مدفعا ميدانيا و144 قاذفة صواريخ، ويتألف الأسطول العسكري المغربي من 121 وحدة بحرية، بما في ذلك 6 فرقاطات وقارب كورفيت، و22 زورق دورية.
وفيما يتعلق بسيناريو الحرب، تخشى الدول الأوربية من أن يتطور التراشق بين مسؤولي المغرب والجزائر إلى مناوشات عسكرية بينهما، بشكل قد يحمل تداعيات كبيرة على المنطقة بأكملها، وتصل نيرانها إلى أوربا، مما يهدد مصالحها بشكل مباشر.
وأوضحت وسائل الإعلام الدولية أنه في واقع الأمر، فإن التوتر قد خيم على العلاقات بين الجزائر والمغرب منذ مدة طويلة وأي مصالحة في رأي المراقبين السياسيين للبلدين مستحيلة حتى تتم تسوية قضية الصحراء المغربية، وهي منطقة متنازع عليها يطالب المغرب سيادته عليها وتطالب الجزائر بتقرير المصير مع دعم حركة الاستقلال لجبهة البوليساريو، غير أن التدهور في العلاقات بدأت بشكل كبير في شهر نونبر 2020 بعد التدخل العسكري المغربي في المنطقة الحدودية للكركرات وهي منطقجة عازلة بين الصحراء المغربية وموريطانيا وكذلك ردا على توغل ميلشيات تابعة لجبهة البوليساريو وهو عمل واعتبره الصحراويون والجزائريون انتهاكا لوقف إطلاق النار الموقع في شتنبر 1991 برعاية الأمم المتحدة.
ومنذ انطلاق عملية الكركرات، استمرت التوترات في تزايد مستمر، وأصبحت كل عملية أقدم عليها المغرب وكأنها بمثابة ثورة لإحياء التوتر مع تعزيز كبير للمتصيدين الذين أطلقوا العنان على المواقع الاجتماعية لإثارة العداوة من كلا الجانبين خصوصا بعد تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء، حيث أثيرت سلسلة من ردود الفعل من الجزائر، فنددت السلطات بوصول الكيان الصهيوني إلى المنطقة المغاربية، وبعد ذلك أعطيت تعليمات رئاسية للعديد من الشركات الجزائرية بإنهاء عقودها مع الشركات الأجنبية ومن بينها الشركات المغربية، ثم توالت الأعمال العدائية ضد المغرب باتهام الممثل الدبلوماسي المغربي في الأمم المتحدة حيث يجري جزء مهم من الحرب حول الصحراء بتوزيع مذكرة رسمية تعبر عن الدعم العلني بحق تقرير المصير لشعب القبائل وتم استدعاء السفير الجزائري في الرباط للتشاور ولم يعد بعد ذلك للرباط.
وفي سياق الموقف العدائي ضد المغرب، صرح وزير الخارجية الجزائري أن المغرب أصبح القاعدة الخلفية للتخطيط لسلسلة من الهجمات على الجزائر، وآخرها الاتهامات الباطلة التي أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي ضد الجزائر أثناء زيارته للمغرب في شهر غشت الجاري، فأعرب عن قلقه إزاء الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران والحملة التي تشنها ضد قبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي.
واعتبرت إسرائيل أن الاتهامات الجزائرية الموجهة لها على خلفية التوتر القائم بينها وبين المغرب لا أساس له من الصحة، داعية الجزائر إلى التركيز على مشاكلها الاقتصادية، وأن ما يهم هو العلاقة الجيدة والتعاون بين البلدين لما فيه مصلحة مواطنيهما والمنطقة بأسرها.
وذكرت وكالة الأنباء الموريطانية أن وزير الخارجية إسماعيل ولد الشيخ أحمد بحث مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة والمغربي نصار بوريطة القضايا المغاربية وصرح وزير الخارجية الموريطاني يوم الخميس الماضي بأن موريطانيا تطمح إلى تجاوز الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر وإعادة بناء اتحاد المغرب العربي الكبير الذي أصبح مشلولا حاليا بسبب الأزمة بين الجزائر والرباط.
وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد كمنطقة إقليمية تأسست عام 1989 بمدينة مراكش، ويتألف من 5 دول تقع بالجزء الغربي من العالم العربي، وهي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريطانيا، وأكد وزير الخارجية الموريطاني أن بلاده منشغلة بالوضع الحالي ولا تريد أن يتأزم أكثر وأن كل ما يمس شعوب المغرب العربي يمس موريطانيا، ومهما بلغ التصعيد بين الشقيقين حول الأزمة الراهنة فسيوجد خلالها.
وأثناء مؤتمر لجنة 24 بالكاريبي، أكد الدبلوماسي عمر هلال في قوله أحبت الجزائر أم كرهت فقد تمت تصفية الاستعمار في الصحراء المغربية كليا، فالصحراء المغربية عادت بشكل نهائي إلى المغرب واسترجاعها تم عن طريق القانون الدولي والمفاوضات وبفضل اتفاقية مدريد التي أخذت الجمعية للأمم المتحدة علما بها في قرارها الصادر في ديسمبر 1975.
تلك هي الحقيقة التي أكدها الدبلوماسي المغربي عمر هلال على التصريح غير الموفق والمليء بالأكاذيب للممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة سفيان ميموني خلال أشغال الندوة الإقليمية للجنة 24 بمنطقة الكاريبي المنعقدة بدومينيكا، في الفترة من 25 إلى 27 غشت الفارط، واستعرض السفير المغربي الدائم لدى الأمم المتحدة بأدلة مقنعة عن المسؤولية التاريخية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية للجزائر في خلق وإطالة أمد النزاع المصطنع حول الصحراء المغربية، وأن الجزائر لم تكن أبدا مجرد مراقب في قضية الصحراء بل كانت منذ البداية طرفا رئيسيا في النزاع بدليل أن السفير الجزائري الأسبق لدى الأمم المتحدة بعث برسالة بتاريخ 19 نونبر 1975 إلى الأمين العام للأمم المتحدة فأحيلت على مجلس الأمن ورد فيها بشكل واضح أنه بالإضافة إلى إسبانيا بصفتها سلطة إدارية، فإن الأطراف المعنية والمهتمة بقضية الصحراء هي الجزائر والمغرب وموريطانيا، ولا وجود آنذاك لما يسمى بالبوليساريو، الأمر الذي يتبين معه أن الجزائر هي من أنشأت البوليساريو وما يسمى بالجمهورية الصحراوية الوهمية أعلنت عنها في فندق جزائري وأصبحت هي التي تحتضن وتمول وتسلح، وتجهز البوليساريو بالصواريخ والدبابات وغيرها من الآليات العسكرية وهي التي تورطت بشكل مباشر بجيشها في الهجمات على المغرب دعما للبوليساريو سنة 1976 في معركة أمغالا، أسرت خلالها القوات المسلحة الملكية مئات الضباط والجنود الجزائريين وسلمتهم بعد ذلك إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهكذا يبدو واضحا، سواء بالنسبة للمغرب أو بالنسبة للأمم المتحدة، أن الجزائر هي الطرف الرئيسي في نزاع الصحراء وستبقى كذلك، ومع الجزائر سيتم حل كل المشاكل العالقة في المنطقة..
ذ. محمد الخراز