إجمالا، لا يختلف موقع النساء في نتائج الانتخابات الأخيرة عن موقعهن في الانتخابات السابقة إلى ما أقررنا بوجود تراجع خفيف سواء بالنسبة للنتائج السابقة أو بما كان مؤملا في انتخابات 8 شتنبر، بعد أن لاحظنا نوعا من التعبئة داخل أحزاب سياسية “روجت” للمساواة بين الجنسين خارج “الكوطا“.
إلا أن النتائج المعلن عنها أظهرت بما لا يدع مجالا للشك، أن “العقلية الذكورية” لا زالت قابضة بيد من حديد على زمام الأمر، وأنها لا تتساهل إطلاقا فيما يخص احتمال “اختراق المرأة المغربية للبرلمان“، بوجه خاص.
ذلك فإن معظم المترشحين باسم الأحزاب السياسية سواء على المستوى المحلي أو الوطني، كانوا ذكورا وكان من الطبيعي أن يطلع من هذه الانتخابات فائزون من جنس الذكور، حتى أن النساء اللائي تمكنّ من النجاح بالاقتراع المباشر في تشريعيات 8 شتنبر لم يزد عددهن عن عدد أصابيع اليد الواحدة.
ولولا “الكوطا” التي أنشأتها الدولة، في إطار سعيها إلى إلحاق المرأة بالعملية الديمقراطية والتنموية، لكانت نتيجة الانتخابات الأخيرة كارثية بالنسبة لتمثيلية النساء. ومعلومٌ أن هذه الكوطا خصصت تسعين مقعدا للنساء من بين 350 مقعدا لمجموع أعضاء مجلس النواب، مع أن النساء وضعن 2329 ترشحا من مجموع 6815 شملتها اللوائح الانتخابية، وأن قضية تمتيع المرأة المغربية بإمكانات أوسع لاقتحام مجال التمثيل النيابي، احتلت حيزا هاما من النقاش على مستويات عدة، مكن المغربيات من تحقيق مكاسب واضحة على طريق بناء ديمقراطية الدولة الحديثة.
ومعلوم أن دستور 2011 نصّ على مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية وعلى ضرورة أن يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وفقا لأحكام الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. إلا أن العقلية الذكورية المهيمنة على المجتمع المغربي لا زالت تتمنع في التفاعل الإيجابي مع مجتمع الحداثة حيث تسمو مفاهيم الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، .
الأمر لا يتعلق بالبرلمان فقط، بل وأيضا بمجالس الجماعات والجهات حيث لا تزال المناصفة في ترشيح وانتخاب رؤساء هذه الهيئات بعيدة المنال. وفي هذا الصدد، لاحظت “الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة“،أن نسبة المترشحات للانتخابات الجماعية لم تتعد 29,87 بالمائة بينما المترشحات لمجالس لجهة لم تتجاوز 39,79 بالمائة، وأن بعض النساء الأطر يتعرضن إلى ضغوطات من أجل التخلي عن مشروع الترشح للانتخابات، ما يمكن تأويله بكون المرأة المغربية لا زالت تواجه صعوبات بسبب الثقافة الحزبية التي لا زالت تهمش المرأة ولا تفسح أمامها مجالات الحقوق السياسية التي يخولها لها الدستور.
ومع ذلك، فقد استطاعت وجوه نسائية سياسية أن تخترق ، إلى الآن، رئاسة مجلس الدار البيضاء ومراكش والمحبس، وذلك بفضل التحالف الحزبي الثلاثي بين الأحرار والأصالة والاستقلال، وكان هذا التحالف قد رشح أسماء اغلالو لعمودية الرباط.
أما السيدات الثلاث اللائي ظفرن برئاسة جماعات الدار البيضاء ومراكش والمحبس، فهن:
الدكتورة نبيلة الرميلي (الدار البيضاء) ، طبيبة وعضو بالمكتب السياسي لحزب الأحرار ، اشتغلت في السابق نائبة لعمدة الدار البيضاء. كما سبق لها أن شغلت منصب مديرة إقليمية للوزارة ذاتها في كل من عمالتي بن امسيك وآنفا، كانت عضوة بمجلس مقاطعة سباتة لولايتين سابقتين
وفاطمة الزهراء المنصوري(مراكش)رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، وهي شخصية بارزة في هذا الحزب منذ نشأته، وتعتبر مستشارة وهبي في كل ما يتعلق بمسار الحزب,
وفتيحة الحمامي (المحبس) الحدودية وهي مناضلة في “حزب الوحدة والديمقراطية” ، تمكنت من الظفر برئاسة جماعة المحبس التابعة لإقليم أسا الزاك، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب على مستوى هذا الإقليم.
والأمل كبير أن يكون وصول السيدات الرميلي والمنصوري والحمامي إلى عموديات ثلاث مدن هامة، فتحا مبينا وفاتحة عهد جديد ترقي فيه المرأة المغربية إلى مختلف مراتب العمل السياسي بعد أن سجلت كفاءتها وقدراتها بل وتفوقها في شتى المسؤوليات الإدارية، مدنية وعسكرية، التي تحملتها وتتحملها بجدارة.
سمية أمغار