راج من جديد في بعض المنابر الإعلامية بالمغرب، الحديث عن العنف ضد المرأة في زمن الجائحة أو بسببها، الأمر الذي اضطر بعض الجمعيات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة في المغرب إلى دقّ ناقوس الخطر وتوجيه اهتمام المسؤولين إلى خطورة هذا الموضوع اجتماعيا، وضرورة توسيع حماية العمل لفائدة النساء المتعرضات للعنف الأسري بسبب التدابير الاحترازية المصاحبة للحجر الصحي وما يترتب عنها من أعمال عنف ضد المرأة وضد الأسرة بوصف عام.
لقد كان من المتوقع أن يكون الحجر الصحي بالمنازل فرصة للتقارب العائلي وتعزيز الروابط العائلية وتحقيق التقارب داخل الأسر وخلق ظروف أكثر مودة وحميمية ، بحكم وجود معظم أفراد العائلة، تحت سقف واحد، ولمدد طويلة. إلا أن الوضع انقلب، وتحول الود والوئام والألفة إلى تنافر وتنابذ ومشاكسة وشقاق،
وإضافة إلى أسباب العنف “المألوفة” ضد المرأة ، كانت للجائحة تأثيرات خطيرة على علاقات الأزواج، والأسر، بسبب ما حملته من أزمات اقتصادية، و ضغط نفسي نتيجة التعثر المادي للأزواج المعيلين والظروف الاقتصادية الصعبة التي تجتازها الأسر، وفق تقرير حديث للمنظمة العالمية للصحة بناء على تحقيقات ميدانية أخذت بعين الاعتبار مكالمات الاستغاثة التي تجريها نساء معنفاتٌ مع منظمات نسائية مختصة، حيث خلقت جائحة كورونا ظروفا مناسبة لسيطرة مشاعر الخوف والغضب والإحباط ، بسبب مشاكل اقتصادية ونفسية طارئة، تدفع النساء ثمنَها باعتبار أنهن يشكلن الحلقة الضعيفة داخل الأسرة. ولا ينجو الأطفال من تبعات هذه الحالة حيث يكونوا، هم أيضا، ضحايا التعنيف داخل الأسر المضطربة.
ويعزو الخبراء الاجتماعيون هذه الحالات إلى الإغلاق المصاحب لتدابير مقاوم الجائحة، ولفترات طويلة، في الظروف التي تعيشها الأسر والإكراهات المتنوعة ، خاصة الاقتصادية التي تواجهها ، وأيضا إلى ضعف آليات الإغاثة والدعم للنساء المعنفات وأطفالهن،
ومعلوم أن العنف ضد المرأة، في تعريف منظمة الأمم المتحدة، هو “كل فعلعنيف تدفع إليه عصبية الشريك، ويترتب عليه، أو يرجّح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحيـــــة الجسمانيــــــة أو النفسية أو الجنسية ،
منظمة الأمم المتحدة، سجلت أنه ومنذ اندلاع جائحة “كوفيد 19″، أظهرت البيانات والتقارير المستجدة زيادة في جميع أنواع العنف ضد المرأة والفتاة وبخاصة العنف المنزلي. واعتبرت المنظمة أن العنف ضد النساء، هو الجائحة الخفية التي تتنامى في ظل أزمة “كوفيد 19″، مما يؤكد الحاجة إلى جهد عالمي لمواجهة هذه الوضعية الشاذة.
ولم تنج المرأة في المغرب من هذه الوضعية الشاذة، حيث طغت على السطح أخبارُ عنف قوي ضد المرأة، كان موضوع بيانات للجمعيات المناضلة من أجل الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية للمرأة، كما كان موضوع مداخلة ممثلة فيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب، في الدورة الأخيرة للمنتدى الاجتماعي العالمي حول “الهشاشة والعنف ضد المرأة خلال جائحة كورونا“، حيث كشفت المتدخلة عن تأزم وضع النساء المعنفات بالمغرب خلال فترة الحجر الصحي وصعوبة التواصل والتبليغ. وتأخر البث في الشكاوى، ومشكل الإيواء فضلا عن تمكن المنظمات النسائية من الوقوف على ثغرات قانون مناهضة العنف ضد النساء وعلى آليات تطبيق هذا القانون .
تجدر الإشارة إلى تقرير لوزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، كشف أن أزيد من نصف النساء في المغرب يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف ، خاصة العنف النفسي والعنف الاقتصادي والجسدي والجنسي، حيث تشكل النساء المتزوجات نسبة عالية منهن بالرغم من وجود عزوف من الضحايا عن التبليغ بالعنف الذي يتعرضن له.
ورصد تقرير الوزارة المغربية أشكالا مختلفة للانتهاكات التي تتعرضن لها النساء بالمغرب، ومنها الاغتصاب والاعتداءات الجسدية والمنع من الدراسة والطرد من العمل والتمييز في الأجر والحرمان من الإرث، سواء بالمدن أو القرى.
إن العنف “الذكوري” ضدّ المرأة آفة “بنيوية” في المغرب، ناتجٌ عن “ثقافة ذكورية” لا زالت تقول بأفضلية جنس الرجل على جنس المرأة، بسبب
مفهوم “القوامة” الذي “تجاوزته” المرأة في تحد مستفزّ للرجل حين تخطت بعلمها وعملها وضع “العالة على الرجل” الذي وضعوها فيه والذي كان السبب في تحكم الزوج فيها، وإذلالها وإهانتها وفرض إرادته عليها. وضعٌ تمكنت المرأة من التخلص منه حين تحصلت على استقلالها الاقتصادي، وهو ما يجب أن تعمل المجتمعات على تعميمه بين النساء.
سمية أمغار