جميع المداولات التي واكبها مجلس الأمن حول مستقبل التسوية الأممية لنزاع الصحراء المغربي، أكدت على الدور المركزي لأزمة العلاقات المغربية الجزائرية في استمرار حالة الغموض الذي يلف مستقبل هذه التسوية.. وهذه الأزمة كانت دوما من الأسباب في إفشال كل الجهود المبذولة على مستوى عقد القمم السابقة من أجل التسوية، وكلها تحيل على أن دراسة العلاقات المغربية الجزائرية هي بمثابة المفتاح لفهم مختلف المشاكل التي يعرفها الوضع المغاربي، سواء على مستوى العلاقات بين الدول أو على مستوى المشكل القائم حول الصحراء، وكذا مسلسل الإندماج العربي المعطل أو على مستوى التفاعل مع السياسات الأوروبية والأمريكية الموجهة لدول شمال إفريقيا.
ورغم مرور العلاقات بين البلدين بفترات من التعاون والهدوء، فإن السمة الغالبية لها منذ حصول الجزائر على الاستقلال سنة 1962 تؤول إلى التوتر والاحتراب، الشيء الذي يتبين معه عمق الأسباب المنتجة لهذه الأزمة وتعقد الملفات المطروحة على البلدين، وقد اقتربا حاليا من حافة المواجهة العسكرية المفتوحة، كما سبق أن خاضا في بداية الستينيات حربا عرفت بحرب الرمال بسبب المشاكل المثارة بينهما حول الحدود.
غير أن العوامل الأساسية في تدهور العلاقات بين المغرب والجزائر، تكمن في كون المغرب اعتبر أن طبيعة النظام الذي اختاره هي التي تقلق الجزائر التي اعتبرت من جهتها أن الاشتراكية التي انتهجت في نضامها هي التي تقلق المغرب.
لكن، الوضع العام للعلاقات المغربية الجزائرية يتجلى في التناقض الحاد بين البلدين إزاء قضية الصحراء ، وتعود لعدة أسباب تاريخية وجغرافية وإيديولوجية، فضلا عن أسباب أخرى دولية، وهي أسباب وعوامل شكلت طوال عقود من الزمن يمكن تلخيصها مع المستوى التاريخي والإيديولوجي والذي يعود إلى اختلاف التطور التاريخي للبلدين، فالمغرب له رصيد تاريخي حافل بالاستقلال السياسي والهوية الواحدة أي أنه مصدر السلطات والامبراطوريات ونقطة تجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال إفريقيا، ويتمتع ببنية داخلية تجمعها حاجية استعادة وحدة ماضيه، ويحتل موقعا جغرافيا استراتيجيا في القارة الإفريقية، وفي مقابل ذلك فإن الجزائر كوحدة سياسية تسعى للنهوض بنفسها والتخلص من غموض تاريخي وإيجاد هوية قومية بدونها تنتهي الثورة إلى مأزق حاد؛ وهو ما شغل عقيرة الجزائر بإيجاد حل له وهو الذوبان في وحدة المغرب العربي، وقد تبلور ذلك بوضوح في التمايز بين النظامين المغربي والجزائري، نظام ملكي في المغرب وآخر جمهوري في الجزائر، وما استتبع ذلك من خوف مغربي من المد الجزائري للهيمنة عليه، لا سيما في ظل الحضور المتعاظم عربيا وإفريقيا ودوليا للجزائر، وقد ظهر ذلك بوضوح من خلال الحرب الإعلامية الإيديولوجية بين البلدين مباشرة، وكانت من الأسباب التي أدت إلى الدعم الجزائر لبعض فصائل المعارضة المغربية، أضف إلى ذلك الخلاف الحدودي، وهو الخلاف الذي تدافع عنه الجزائر وتتمسك به كما تركه الاستعمار الفرنسي، في مقابل ذلك، فإن المغرب يطالب بحدوده كما كانت قبل مجيء الاستعمار والتي تمثل معاهدة للامغنية الموقعة في مارس 1845، وهي المعاهدة التي رفعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمته في معركة إيسلي بتاريخ 14 غشت 1844 بسبب دعمه لثورة الأمير عبد القادر الجزائري، وقد تم النص في تلك المعاهدة على استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب وتركيا لتصبح هي الحدورد بين المغرب والجزائر، إلا أن الاتفاقية لم تتطرق لمنطقة تندوف فبقيت في وضعية غامضة، وقد أعقبتها عدة اتفاقيات أخرى في سنة 1901 و1902 غير أنها كانت مرتبطة بدرجة التوغل الاستعماري الفرنسي في المغرب وسعيه لتثبيت وجوده في الجزائر وسعيه الحثيث للانتقاص التدريجي من التراب المغربي، ومنذ حصول المغرب على الاستقلال ومشكلة الحدود مطروحة مع الجزائر، وكانت تؤجل بإيعاز من المغرب تفاديا للطعن في الثورة الجزائرية إلى أن حصلت الجزائر على استقلالها في يوليوز 1962 ويتجدد طرح المشكل وقد نتج عن هذا الخلاف الحدودي مواجهة عسكرية بين البلدين عرفت بحرب الرمال في شهر أكتوبر 1963، حيث تغلغل الجيش المغربي نحو منطقة تيندوف.
وبعد ذلك تدخلت دول عربية وإفريقية وثم احتواء النزاع، ثم عالج لقاء القمة العربية بالقاهرة سنة 1964 بعض أسباب النزاع، غير أن المشكل المتعلق بالصحراء الشرقية ظل مغلقا، خصوصا بعد اكتشاف مناجم معدنية كالحديد والرصاص والفضة والزنك، وجدد المغرب مطالبه بتسوية مشكل المنطقة ليكتسب النزاع بُعدا دوليا، حيث تزامن مع صراعات الحرب الباردة، فاتجه المغرب إلى مصاف الدول الغربية، وانحازت الجزائر إلى جهة الاتحاد السوفياتي، وما غذى النزاع بقوة هو صعوبة استغلال الحديد والمعادن الأخرى المكتشفة إلا إذا تم نقلها عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي مع ضرورة العبور على الأراضي المغربية نظرا للكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تيندوف إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال، الشيء الذي جر الطرفين للدخول في مفارضات تتيح الاستغلال المشترك لمناجم الحديد والمعادن في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تيندوف بعد مفاوضات متتالية كانت آخرها مفاوضات 15 يونيو 1972 التي انبثقت عنها معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية، نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تنيندوف على أساس أن يبقى المغرب مشاركا في إنتاج وتسويق حديد تنيدوف في مقابل دعم الجزائر لمغربية الصحراء، وتلا ذلك تصريحات جزائرية مؤيدة للحق المغربي في الصحراء، ولا سيما تصريح الرئيس بومديان في مؤتمر القمة العربي بالرباط في أكتوبر 1974 بأن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريطانيا، وأن موقف الجزائر هو دعم الدولتين والتأييد المطلق لتحرير كل شبر في الأرض لا النفط في الصحراء الغربية بل أيضا في سبتة ومليلية وكل الجزر التي تحت يد الاحتلال الإسباني.
غير أن النزاع المثار بين المغرب وإسبانيا حول الصحراء واقتراب المغرب من حسم النزاع لصالحه وهو ما يعني خروج الجزائر بدون مكاسب، وفي نفس الوقت أخذت الجزائر بتقوية علاقاتها مع إسبانيا وظهور جبهة البوليزاريو المدعمة من ليبيا والجزائر واحتمال تجاوز الممر المغربي لتسويق المعادن من خلال دعم مشروع دولة صحراوية توفر هذا الممر بدون كلفة، أدى إلى حصول تحول جذري في المواقف الجزائرية، فانحازت لصالح أطروحة تقرير المصير وقيام دولة صحراوية.
وتجدر الإشارة أن سياسة القوى الدولية في شمال إفريقيا ارتكزت على التحكم في العلاقات المغربية الجزائرية والموازنة بين طرفي هذه العلاقات سواء أثناء الحرب الباردة أو ما بعدها حسب مصالحها المحددة من طرف الدول الكبرى والتي ترى في المنطقة موارد نفطية مهمة بالنسبة للجزائر وموقعا استراتيجيا بالنسبة للمغرب فضلا عن كونها سوقا لترويج الأسلحة، وهي اعتبارات فرضها الماضي الاستعماري لفرنسا التي كانت تعتبر المنطقة مجال نفوذ تقليدي لها، ورغم انهيار الاتحاد السوفياتي فإن رياح الحرب الباردة ظلت تهب على المنطقة المغاربية، حيث حافظت الجزائر على علاقتها العسكرية مع روسيا واستمرت هذه الأخيرة في تبني الأطروحة الجزائرية بخصوص نزاع الصحراء داخل مجلس الأمن، وفي المقابل نجد الولايات المتحدة أكثر مراعاة للمطالب المغربية بخصوص نزاع الصحراء والداعمة الأساسية لها.
ونستخلص من هذا كله، أن المغرب يرى الجزائر هي التي أنشأت البوليزاريو وساندته ماديا وعسكريا ل///// المغرب عن المطالبة بمنطقة تيندوف، وأن إسبانيا اختارت موقفا معاديا للمغرب بمساندتها لجبهة البوليزاريو حتى لا يتحرك المغرب للمطالبة بتحرير سبتة ومليلية والجزر المحتلة من طرف إسبانيا.
وفي الآونة الأخيرة، وأمام تصاعد الأزمة بين المغرب والجزائر والتوتر على الحدود، أصدرت أكثر من مائتي شخصية مغربية وجزائرية من المجتمع المدني نداء بوقف التصعيد بين الدولتين الشقيقتين في عريضة نشرت يوم السبت الماضي تناشد الطرفين إلى الاحتكام إلى العقل ونبذ الصراع وتوطيد أواصر المحبة والتعاون ودك الدعوات للمواجهة والعداء وبناء الغد المشترك الواعد للشعبين المغربي والجزائري.
ذ. محمد الخراز