انتهى موسم الانتخابات العامة عشية الثامن من شتمبر 2021 وتم الإعلان عن النتائج النهائية التي حملتها صناديق الاقتراع في ليلة تنبأ لها من تنبأ.. وتحسر لنتائجها من تحسر.. لم تكن ليلة ظلماء، ففي «الليلة الظلماء يفتقد البدر»، بل شوهد فيها البدر مستضيئا يغمر النور كامل وجهه.. لكن على الجانب الآخر غير المضاء، مرّ ليل أشد سوادا من كل الليالي.. ليلة بطيئة مرهقة وعصيبة، واكبنا مراحلها لحظة بلحظة إلى ما بعد الهزيع الأخير من الليل قبل أن تلوح في الأفق ملامح خريطة سياسية جديدة حملت إلى المغاربة مؤشرات الأمل والتفاؤل، عكست الإرادة الشعبية الحقيقية بالقطع مع عشر سنوات من التصريحات والوعود والخطابات الفارغة التي لم تنتج شيئا ملموسا على أرض الواقع.. خطط وبرامج وتوجهات لم تستجب لتطلعات وآمال وطموحات المواطنين، ولم يكن لها أثر إيجابي على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمغاربة..! فيما كان البعض ليلة الحصاد الانتخابي شاردا متوترا متواريا إلى الخلف، لايقوى على سماع وتحمل نتائج مزعجة وغير مرغوب فيها.. ليلة استغرقت ساعات طوال، خيمت عليها أجواء من القلق والترقب وضغط نفسي في أقصى درجاته قد يؤدي بهذا البعض إلى أيام وشهور من التفكير والتخمين وضرب «أخماس لأسداس» لما آل إليه الوضع «غير المفهوم»، المؤكد أنها ليلة ليست أكثر من امتحان عسير وضعت فيه مصداقية الأحزاب السياسية على المحك، «فعند الامتحان يعز الحزب أو يهان»، وكذلك كان الأمر..
مأساة وخيبة وانتكاسة لم تكن متوقعة الحسبان من خصوم متفوقين أعدوا لهم ما استطاعوا من قوة، أجبرتهم على التراجع خطوات إلى الوراء قد لاينفع معها علاج في الوقت الراهن ولاترميم ولاتصحيح حتى..! لابد من الإشارة أيضا، وهذه مسألة مهمة إلى أن الانتخابات الأخيرة مرت في ظروف استثنائية اتسمت بالكثير من التحديات، أبرزها مايرتبط بجائحة كورونا، وفي ظل حالة طوارئ صحية مع مافرضه الأمر من قيود صارمة لم يتمكن المواطنون بسببها من الاطلاع على برامج الأحزاب المختزلة في شعارات ووعود وكلام لايبتعد كثيرا عن مشهد «من ينام في العسل» هذا ما عودتنا عليه بعض الأحزاب على الأقل في المواسم الانتخابية السابقة، ونحن هنا لانعمم بوضع الأحزاب جميعها في سلة واحدة.. لكن دعوني أقول لكم أن هناك من الشعارات الحزبية المبهمة ماهو عصي على الفهم، ولايفيد مضمونها في شيء على الإطلاق.. مايدل أيضا على أن بعض الأحزاب غير مقتنعة اقتناعا ذاتيا وراسخا بما تقول وتصرح حين تملأ الفضاء ضجيجا بوعود وإطلاق برامج فضفاضة غير قابلة للتنفيذ العملي، وأمامنا فشل تجربتين حكوميتين سابقتين «شفويتين» بامتياز وبصيغة أكثر وضوحا، عشر سنوات بالتمام والكمال من حكم حزب العدالة والتنمية انتهت أخيرا إلى غرفة العناية المركزة، وقال فيها الناخبون كلمتهم الفصل ورحل الجمل بما حمل وانتهت الحكاية..
لابد من التأكيد أن الانتخابات التي نظمت في الثامن من شتمبر كان عنوانها الابرز «النكسة الكبيرة» والخسارة التي مابعدها خسارة لحزب العدالة والتنمية الذي كان يعتقد أن عودته نحو الإمساك بزمام السلطة وتصدر المشهد السياسي وحصد النتائج والانتصار الباهر والمرور نحو الولاية الثالثة ستدفع ببعض الأحزاب المتلهفة للمشاركة في الحكومة إلى الاستجداء وتوسل المناصب وهي في حالة من الانكسار والانهزام والاستسلام.. فلا أحد من هذه الأحزاب أصبح يرغب في ممارسة دور المعارضة.. هذا جانب من سيناريو عشعش في مخيلة حزب العدالة والتنمية بعد أن استجوفه غرور السلطة والامتيازات والخدم والحشم كحزب قيادي لاينازعه أحد فيما وصل إليه بفعل ثقة جماهيره وقواعده والمتعاطفين معه، وهذا بالضبط ماكانت تعكسه تصريحات بعض القياديين من الحزب المذكور خلال المعركة الانتخابية لم يكن فيها الحزب بأطره وقيادييه منسجما مع نفسه في الوقت الذي كان عليه أن يخجل من الحديث عن تصدر المشهد السياسي والانتصارات الدونكيشوطية الوهمية.. وسرعان ما انقلب السحر على الساحر!! والسحر الذي نقصده من كلامنا هو السيطرة على عقول واهتمامات الناس في دوامة استنزفت الكثير من الوقت وأهدار الفرص والاستمرار في نهج نفس الأسلوب ونفس الخطاب ونفس الممارسات ورفض الانتقادات والملاحظات ونصائح كان يتلقاها الحزب سماعا وقراة ومشاهدة..
إدريس كردود