من حرب إلى حرب، تلك هي الديمقراطية التي قيل عنها إنها أسوأ نظام حكم باستثناء جميع الأنظمة الأخرى. وما كادت أن تنتهي معارك الترشيحات والتزكيات التي لم تكن لتمرّ دون أن تحدث “هزات” خطيرة في هياكل الأحزاب، وتحرك ألية “الترحال” ، حتى اندلع صراع “البرامج الانتخابية” التي تبارى السياسيون في تحميلها كل ما لا ، ولن تقو أبدا، أن تتحمل من وعود وأماني هي، في معظمها ، من صنع خيال أصحابها الذين يؤكدون لكل من يريد الإصغاء إليهم، أنها برامجُ “واقعية” وأن لديهم “الكوادر” (جمع كلمة “كادر” الفرنسة وليس “كيدار” المغربية) القادرة على تنزيل مضامينه تنزيلا كاملا على أرض الواقع، قبل نهاية الولاية التشريعية الجديدة !.
وللغرابة أن الناخبين يصدقون ويسارعون إلى التصويت لوعود يعلمون أنها “خيالية” أو “متمنيات تقية” كما يقول المثل الفرنسي المأثور !
هذا التساؤل، طرحه للنقاش العمومي صحافي فرنسي من جريدة“لو فيغارو“Alexanlre Vatimbella : كيف أن الناخبين في جميع أنحاء العالم يدركون أن الوعود السياسية غالبًا ما تكون أكاذيب أو ” رغبات تقية” ، وأنهم يهاجمون صانعيها ولكنهم يسارعون إلى التصويت لصالح المعسكر الذي يناضلون بداخله، حتى وهم يعتبرون أن جميع الأحزاب على“ملة واحدة” وأنه “ليس بين القنافذ أملس” !
وبرأي الكاتب أن تضمين البرامج الانتخابية “كتابات” غير صحيحة، يعتبر “خداعا ديمقراطيا” يحول الناخب إلى مستهلك لإعلانات “كاذبة” أو على الأقل، انحرافا عن الديمقراطية للمواطن الذي هو صاحب السيادة. والذي يعلم، يقينا، أن الكثير من الوعود الانتخابية غير مجدية وأنها هراءٌ في هراء، ومع ذلك فإنه يسارع إلى وضع ورقته في الصندوق، ما يمكن اعتباره “تواطؤا” ضمنيا بين المرسل والمستقبل للوعود الانتخابية و“تفسيرا لما لا يمكن تفسيره” !.
أكيد أن رأي هذا الصحافي الفرنسي لا ينطبق على جميع الحالات، ولكنه يعالج منطق الوعود الانتخابية بالنسبة لمختلف ديمقراطيات العالم حيث يوجد نوع من التفاهم الضمني بين الحزب ومناضليه الذين يعلمون مدى قدرة الحزب الذي ينتمون إليه، أو الأحزاب الأخرى على تنفيذ برامجها والبر بوعودها الانتخابية.
في المغرب، مثلا، شاهدنا كيف أن الأحزاب السياسية تبارت في تضمين برامجها الانتخابية، قضايا تعتبر “أولوية” في مطالب الشعب، في مجالات أساسية كالصحة والتعليم والسكن والشغل إلى جانب قضايا تتصل بالحقوق الأساسية كالحق في التعبير والمساواة وتكافؤ الفرص، والكرامة ، حتى أن حزب التجمع الوطني للأحرار أفرد لـ “الكرامة” فقرة من برنامجه تضمنت مدخول ألف درهم في الشهر والتامين الصحي المجاني للمعوزين البالغين من العمر 65 سنة فما فوق، خارج نطاق نظام المساعدة الطبية “راميد“، فضلا عن برنامج صحي عالي الجودة لفائدة الحوامل والأمهات والأطفال.
وإضافة إلى الحماية الاجتماعية يشمل برنامج “الأحرار” تدابير في مجالات الصحة العمومية والتشغيل (خاصة إنشاء مليون منصب شغل) والتعليم والإدارة وغيرها. قدر الحزب تكلفتها ب 275 مليار درهم بوتيرة 55 مليار كل سنة، ، إضافة إلى ميزانيات برامج الدولة في القطاعات الأخرى. وهي، كما تلاحظون تقديرات واقعية تتلاءم وقدرات المغرب المالية، كما يراها “كوادر” هذا الحزب الذي تصدر المشهد ويتصدر الحكومة خلال الولاية التشريعية المقبلة، ولربما ما بعدها، إذا نجح الحزب في تنفيذ برنامجه الانتخابي التنفيذ الأمثل.
ننتظر، لنرى !……
عزيز كنوني