يا بشرانا، نحن مغاربةَ ما بعد الثامن من شتنبر !
ها نحن على بُعد خطوات ضوئية من المغرب الذي كنا نرجو ونتمنى، والذي وُعدنا به فوق نصف قرن، دون أن تتحقق وعودهم وأحلامنا !
وها هي “موائدُ الحواريين” قد نزلت من السماء، بها كل ما نشتهيه من “وعود” و“التزامات” و“إجراءات” و“تدابير“، سوف تضعنا، بكل تأكيد، على أبواب مغرب جديد، نكاد ألا نصدق بوجوده، طالما أنه يمنحنا فوق ما كنا نطالب به ونتوقعه ونشتهيه، ويضفي على حياتنا سعادة غامرة وآمالا طاغية. !
برامج الأحزاب السياسية، بما حملت من تدابير وإجراءات وحلول لمشاكلنا، جعلتنا ننظر بإعجاب إلى قدرة هذه الأحزاب على اختزال “جميع” قضايانا الحياتية ، في برامج من بضعة سطور، تتخللها “شعارات” من قبيل “تستاهل أكثر” و“الإنصاف الآن” و “التزام من أجل المغرب“، و“المغرب أولا: تناوب جديد بأفق اجتماعي ديمقراطي” و“دائما مع قضايا الوطن والشعب“، و “ديما معك بالمعقول” إضافة إلى لازمة ” أغراس – أغراس” ! التي صارت عنوانا آخر للمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة، بمفهوم شعبي بسيط ومؤثر، بعد ما كانت مدخلا للتمويه من أجل دغدغة العواطف !…
موائد الأحزاب حملت إلينا أطباقا جيدة، تتشابه في بعضها، وتختلف. ولكن “الأطباق الرئيسية” تكاد تكون صنعت من نفس العجينة داخل نفس الوعاء، الأمرُ الذي قد يفيد أن “القلوب على خاطرة واحدة” وأن الرؤى موحدة وأن الأمر لا يحتاج إلى فراسة معاوية بن أبي سفيان أو دهاء عمرو بن العاص، للوصول إلى الداء، ما دام أن أدواء المغاربة معلومة، مزمنة، ومستعصية على من كل همهم كراسي ومصالح ومنافع ومراتب و “رواتب” “يدورون بها ناعورتهم، التي ما أن تتوقف عند نهاية ولاية حتى “تتحرك” بداية َ ولاية جديدة، باسم الحق في ” تجديد النخب“، و “تشبيب “الهياكل البشرية“، وتحسين أداء ومردودية “الدكاكين الحزبية“، و “ضمان التنزيل الصحيح للنموذج التنموي الجديد، على غرار النموذج القديم الذي لم “يتسوق له أحد ” قبل أن يعتبر “لاغيا” وغير قابل للحياة !
إلا أن أصحاب الشعارات والرموز و“المربعات الحائطية” “برعوا” هذه المرة، وككل مرة، في “إغرائنا” بـ “برامج” من “جيل جديد“، ركزوا فيها على قضايا اجتماعية بوجه خاص، يعلمون أنها تقع في صلب أولويات ملحة للشعب، بعد “الجوائح” الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي “ضربتنا” واستنفذت مواردنا المتواضعة جدا وصبرنا واصطبارنا، إلى جانب الجائحة الصحية التي قضت على البقية الباقية من حماسنا وصمودنا وتفاؤلنا وثقتنا التي يحاولون، عبثا، استرجاعها !
ولعلّ “تفنن” أصحاب البرامج، هذه المرة، في “إتقان الغرزة“، وهم يصيغون برامجهم ويختارون معسكراتهم بإتقان، جعلنا نتخيل، للحظات، رؤية الضوء في نهاية النفق، ونتوهم أننا دخلنا، فعلا، مغربا جديدا فاق جمال وروعة “شعب بوان” (بكسر الشين وتشديده)” وهو من جنان الدنيا الأربعة“، مغربا “يحتفي” بأهله، و يكرمهم ويحقق “جميع” رغباتهم وما يحبون ويرجون في بلدهم، ولبلدهم، حيث التعويضات العائلية مكفولة لسبعة ملايين طفل، والاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل مكفولة أيضا، وحيث التغطية الصحية شاملة تسعُ كل أفراد الشعب، ، ومدخول “الكرامة” مضمون لكل من أدركته الشيخوخة والفقر دون أن يدركه من يسعفه وما يتعيش به، والقدرة الشرائية مدعمة، والثروة موزعة بإنصاف بين كافة أفراد الشعب، والطفولة محمية وأوضاع النساء مزدهرة، حيث العلاج مجاني خلال فترة الحمل والوضع، وكذا الشأن بالنسبة للأطفال ولكبار السن وذوي الإعاقات.
كما أن مغرب “برامج الأحزاب الانتخابية” يعيش وضعا مزدهرا فيما يخص التشغيل، حيث مليون منصب شغل قار في انتظار العاطلين، ومشاريع مغرية تنتظر الشباب العاطل ، ومليون أسرة تستعد للخروج من الفقر والهشاشة،، ما يمثل خمسة ملايين من المواطنين، في الحد الأدنى، وحيث الاستثمار يحظى بمخططات تحفيزية والقدرة الشرائية للمواطنين مدعمة، والتحكم في التوازنات الاقتصادية الكبرى وفي عجز الميزانية العمومية والتضخم، أمر بديهي في الممارسات الحكومية الهادفة التي جعلت من بين أبرز أهدافها في المجال الاقتصادي انخراط الاقتصاد الوطني في اقتصاد المعرفة وتطوير صناعة وطنية حديثة قادرة على المنافسة الدولية وتقوية الطبقة الوسطى.
ومن أفضال “مغرب البرامج الانتخابية” تعميمُ التعليم الأولي بنسبة مائة بالمائة، وتقوية التعليم الجامعي والبحث العلمي والقضاء على عقدة “تعاقد” المتعاقدين في التعليم، وتوظيف خمسة آلاف أستاذ لتعليم الأمازيغية، وتحقيق الإدماج الاجتماعي الشامل ومراجعة قانون الوظيفة العمومية والقضاء على الفساد واقتصاد الريع إلى جانب الجهود المبذولة من أجل تطوير الفلاحة وتنمية العالم القروي، وتوفير خدمات على درجة عالية من الجودة في مجالات الصحة والتعليم والسكن والتشغيل. وتعميم ثقافة تكافؤ الفرص من أجل “مواطنة كاملة لجميع المغاربة تحت شعار “الإنصاف أولا” ، وإصلاحات دستورية الشعب فيها مصدر السيادة والسلطة !,,,
تلك بعض مما تفتقت عنه عبقرية الأحزاب السياسية “المغامرة” ببرامج ومشاريع وإجراءات وتدابير مغرية، فضلا عن “تمجيد” مترشحيها ووصفهم بأنهم “مثقفون“، قلوبهم سليمة، وسرائرهم طيبة ونواياهم صافية صادقة، وأياديهم نظيفة، ومؤهلون، و ملمون بأسرار تدبير الشأن العام” ، وما علينا، نحن القطيع” سوى أن “نضرب” ورقة التصويت بعلامة ضرب واحدة، وندسها، بلطف، في الصندوق الذي ستخرج منه الحكومة المقبلة بالمواصفات الجديدة والرهانات الخفية و المعلنة، والذي سيضخ في حسابات الوزراء والبرلمانيين والمنتخبين المحليين والجهويين، الملايين التي تعلمون أعدادها وسلاليمها والكرم الحاتمي للساهرين على تحديد مبالغ هذه “التعويضات” المليونية للهيئات المنتخبة و أعضاء المؤسسات الاستشارية وغيرها، الذين لا يطلب منهم أي مؤهل علمي، بينما الأجور في القطاعية العام والخاص تتحرك بدراهم معدودة، وفق آماد محددة ! ….
لا، لا تستكثروا على منتخبينا الأنجاد هذه التعويضات الهزيلة، التي لا تساوي في الواقع “زوج فرنك ونص” بحساب الجميلة شرفات، الوزيرة السابقة. فلا أحدا في هذا البلد، من “خدام الدولة” فقيرا كان أو فاحش الغنى، يقبل أن يشتغل “بيليكيا” أو “ديبيشخيا“!…. ولمَ يفعل، والخيرُ موجود،ٌ والذين “يغرفون” من خزائنه لا يمسهم شرّ إلا نادرا جدا، والنادرُ لا حكم له، كما يقول الفقهاء، رغم “جدبات” حبيبنا ادريس جطو، بالبرلمان، منددا بما كان يعتبره “تعتيما” برلمانيا على “تقاريره” وتقارير قضاته.
هل تنجح الأحزاب السياسية في أن تجعلنا “نحلم” بمغرب جديد بالمواصفات التي أعلنوا عنها، وبالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية “المتفائلة” جدا، والتي “صاغوها” لمغرب ما بعد شتنبر2021، والتي يبدو أنهم “اكتشفوها” بعد ممارسة الحكم والمعارضة لنصف قرن.
وهل ما “تحقق” بالمغرب، عبر الانتخابات التشريعية العشرة الماضية، منذ 1963، يجعلنا نتفاءل، حقا، بالوعود المقدمة لنا اليوم، ونحن على مشارف استحقاقات 2021 و يقنعنا بأنها “ستنفرج” بعد أن تشتدّ، أم إن التشاؤم قد يغلبنا فلا نرى في تلك الوعود ما يطمئننا ويدفعنا إلى التفاؤل بمغرب ما بعد شتنبر 2021 . ؟…..
عزيز كنوني