ما كاد يحل حتى رحل: سوق الديمقراطية الذي اشتعل !….والذي انتظرناه خمس سنوات بآمال عريضة وأحلام متفائلة، وقلق غامر أن يخلف وعده أو أن يتحلل من عهوده.
ولكنه حلّ ليحل عقدة من ألسنتنا، فقلنا ما كان يجب أن يقال، ورفعنا أصواتنا عاليا، وقلنا “ارحل” لمن كان عليه أن يرحل قبل أن “يترحل“، ولمن لم يفهم، قبل فوات الأوان، أن السلطة تنخر وتقهر وتسخر، وتخرب العظم والهيكل وأنها “سيف دو حدين ” لابد منه الحذر…. كل الحذر !….
حل السوق وارتحل، وأخذنا منه العبر، أن لا نعمة تدوم وأن كل نعم الدنيا إلى زوال… وأن الأيام دول بين الناس.
لعل هذه المقدمة تمهد لما جرى يوم ثامن شتمبر، بعد الاستشارة الشعبية التي تمخضت عن نتائج حقا مزعجة، ولكن متوقعة، اعتبارا لسلسلة من الوقائع التي أثرت، بشكل واضح، على المزاج العام، والتي أفقدت “العدالة والتنمية” الكثير من شعبيته ودفعته إلى خسارته الحتمية.
وقد كنا نود أن نقدم لكم نتائج “رسمية” للانتخابات العامة، نستقيها بتفاصيلها الكاملة مباشرة من وزارة الداخلية، كما جرت بذلك العادة، لنضطر، في النهاية إلى جمع معلومات متقطعة ومتقاطعة، من هنا وهناك، ونقدمها لكم، حتى لا نخالف القاعدة.
وكما تعلمون، فإن الانتخابات العامة ليوم ثامن شتمبر كانت كارثية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي سجل سقوطا مدويا سارعت عناصر قيادية لهذا الحزب إلى الاعتراف به بل ومحاولة تبريره، طبعا، خارج ما سمي بالاستعمال الفاحش للمال وخروقات التدبير و مسألة المحاضر، وهي أمور نفتها الجهات الرسمية كما اعترض عليها مجلس حقوق الانسان. ويبقى للحزب المتضرر، التوجه إلى القضاء في حال توفره على ما يدعم دفوعاته.
من الجانب الآخر، حقق حزب التجمع الوطني للأحرار “قفزة” كبرى على مستوى “المواقع“، ليحتل الرتبة الأولى من بين حوالي ثلاثين حزبا سياسيا مشاركا في المنافسة الانتخابية، ويتأهل لتسلم “المشعل” الذي كان يطمح إليه، ومن زمان !
ويبقى السؤال: هل فوز “الأحرار” جاء نتيجة برنامجه الانتخابي الذي فتح باب التفاؤل على مصراعيه في “خمسية” ازدهار اقتصادي واجتماعي وسياسي وتنموي يقطع مع ضبابية العشرية الماضية، أم إنه كان ردة فعل شعب غاضب من تدبير حكومي متقلب، منسوب إلى المرجعية “الإسلامية” السياسية، يطبعه الارتجال والعجز وقصر النظر، وانعدام “التجانس الفكري والإيديولوجي ” داخل أحزاب الائتلاف التي لم تكن تتوفر، منذ البداية، على قاعدة تفاهم ولو في حده الأدنى !.
الجواب سوف يأتي من طريقة تدبير حزب التجمع الوطني للأحرار، للمرحلة المقبلة، حين يكلف، وفقا لمقتضيات الدستور، بتشكيل الحكومة المقبلة. لن يكون الأمر سهلا، بطبيعة الحال، لأن “التوجهات والرؤى قد تختلف وتتباين وتتنازع، إلا أن الأمل كبير في أن أحزاب التجمع والأصالة والاستقلال، لو تآلفت، فإنها قادرة على تحقيق “معجزة” التفاهم، ولو في حده الأدني، بسبب ما راكمته قيادات هذه الأحزاب من “خبرات” ، وأيضا لتوفرها على “تجربة” حديثة فاشلة، تجربة البيجيدي وائتلافه الحكومي !
“العدالة والتنمية” لم يكن حظه سعيدا بسبب قيادته في الولاية الأولى التي كانت “شعبوية” بامتياز، وكانت “قصيرة اليد والذكاء والخبرة في الولاية الثانية، وأيضا بسبب ثقة في النفس لا متناهية، وغرور مستفز، خاصة في مواجهة بعض وزرائه للنواب والمستشارين، تحت قبة البرلمان، وأيضا بسبب ضعف أدائه سواء على مستوى التدبير أو التجديد أو الابتكار، حيث كانت نقطة قوته في الاقتراض الفاحش وأيضا في اعتماده طريقة “كوبي–كولي” (انسخ والصق) لحل العديد من القضايا الشائكة، ومنها بلية الجائحة.
فهل ينجح “الأحرار” في تخطي هذه العقبات وتجاوز هذه المعيقات، والتعاطي مع ملفات التدبير بأسلوب جديد، وعقلية مختلفة، ووسائل متجددة، مقنعة، في التعامل مع التحديات الكثيرة التي تواجه البلاد والتي لا تخرج عن دائرة تحقيق أمل المواطنين في الحقوق الأساس التي وردت في صدر البرنامج الانتخابي للحزب ولجميع الأحزاب التي تنافست على مقاعد البرلمان أو بمجالس البلديات والجهات.، وأهمها الحق في العيش الكريم وفي الحصول على خدمات جيدة في التعليم والصحة والسكن وتوفير الكرامة “الإنسانية” للمواطن، وضمان الشغل للمعطلين، (ولعل المليون منصب شغل جديد الذي وعد حزب “الأحرار” بتوفيره، لو تحقق، كفيلٌ بأن يطمئن المواطنين إلى جدية قيادة هذا الحزب.
ولكن، مع من سوفُ يتحالف أخنوش لتشكيل الحكومة المقبلة، ما دام أنه لا يملك الأغلبية التي تمكنه من الحكم بمفرده؟
في حالة التوافق، يمكنه أن يتحالف مع الأصالة والمعاصرة الذي يتوفر على 87 مقعدا ومع الاستقلال بمجموع مقاعده الـ 81 ليحقق أغلبية مريحة. هذا في حالة ما إذا اقتصر على أغلبية للحكم المريح،
ولكن لا يوجد ما يمنعه من تشكيل حكومة موسعة شرط عدم السقوط في “متاهات” ائتلافي البيجيدي الذي أضعف الحكومة وضعضع أداءها.ا.
للتذكير، فقد حصلت الأحزاب الأولى ، حسب بيانات التليفزيون دائما، على النتائج التالية:
التجمع الوطني: 102 مقاعد – الأصالة والمعاصرة: 87 – الاستقلال: 81- الأتحاد الاشتراكي: 34- الحركة الشعبية: 28- التقدم والاشتراكية: 22- الاتحاد الدستوري 18- والعدالة والتنمية: 13 . وما تبقى من المقاعد الخالية، تقاسمتها أحزاب الأقلية.
عزيز كنوني