الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
معاشر القراء: هل علينا في هذه الأيام شهر جديد، ونزل ضيفا كريماً علينا، ألا وهو شهر صفر، الثاني بعد المحرم، أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية، قال تعالى:(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَبِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَات وَالارْضَ*مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ*ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)؛ وسمي صفرا: لإصفار(لخلو) مكة من أهلها إذا سافروا، وقيل:”سموا الشهر صفرا؛ لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل، فيتركون من لقوا صفرا من المتاع” أي؛ (يسلبونه متاعه)، ولقد كان للعرب في جاهليتهم وقبل الإسلام في شهر صفر منكران:
الأول: التلاعب فيه تقديماً وتأخيراً، حيث كانوا قد أحدثوا قبل الإسلام بمدة تحليل المحرم وتأخيره إلى صفر، فيحلون الشهر الحرام، ويحرمون الشهر الحلال بحسب هواهم، ليواطئوا وينتهكوا عدة الأشهر الأربعة، حتى لا تحول الأزمنة الفاضلة بينهم وبين ما يشتهون، وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم العرب ونبههم في حجة الوداع بقوله: (أيها الناس، إنما النسي زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما، ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله).
أما المنكر الثاني الذي يرتكبه العرب في هذا الشهر فهو: التشاؤم فيه؛ حيث يعتقدون أنه شهر حلول المكاره ونزول المصائب، وقد كان المشركون يتشاءمون منه؛ لأنهم يعودون فيه إلى السلب والنهب والغزو والقتل، بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، حتى أنه لا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر؛ لاعتقاده أن لا يوفق، ومن أراد تجارة، فإنه لا يمضي صفقته خشية ألا يربح، وربما ينهى عن السفر وزيارة المريض فيه، ويتطيرون منه، ولاشك أن التشاؤم بصفر أو بيوم من أيامه؛ إنما هو من جنس الطيرة المنهي عنها.
ولم يكن التشاؤم حادثًا عند العرب في جاهليتهم، بل كان موجودًا في الأمم السابقة، فقوم صالحٍ عليه السلام تشاءموا منه وقالوا:﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ ﴾، وأصحاب القرية تشاءموا بالمرسلين إليهم:﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾يس:18، وآل فرعون تشاءموا بموسى ومن آمن معه، كما أخبر الله عنهم بقوله:﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ*وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾الأعراف:131، وكفارُ مكة كانوا يتشاءمون من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وينسبون إليها ما يصيبهم من شر، كما قال تعالى عنهم: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾، فرد الله على هؤلاء بأن ما يصيبهم من العقوبات والمكاره، إنما هو بقضاء الله وقدره وبسبب ذنوبهم، قال تعالى:(مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، وهذا من انتكاس فطرهم، حيث اعتقدوا الشر بمن هو مصدر الخير والصلاح، والمنافقون في هذا العصر يتشاءمون من أهل العلم والخير والصلاح، وينسبون كل مصائب الأمة إليهم؛ بل إن أكثرهم يتشاءمون من دين الإسلام، كمن يرفض شريعة الإسلام، ويزعم أنها سببُ تأخر المسلمين وتخلفهم عن اللحاقِ بالغرب، وما أكثرهم في هذا الزمن! وهم أتباع المشركين من قبل، يجمعهم العداءُ للديانة والرسالات.
أعزائي القراء: إن من أوجب الواجبات على العباد؛ معرفة توحيد الله عز وجل، وما يناقضه من الشرك والخرافات والبدع؛ لأن التوحيد هو القاعدة والأساس في دين الإسلام، فلا يقبل الله عملاً إلا به، وهو أصل الأصول الذي خلقنا لأجله، والأعمال كلها متوقف قبولها واعتبارها على تحقيق هذا الأصل العظيم، وإذا كان أهل الجاهلية يعتقدون في بعض الأشهر الاعتقادات الباطلة، فإن الناظر لحالهم قد يجد لهم عذراً، وهو جهلهم وبعدهم عن الهدي الرباني السليم، وعدم علمهم، إذاً فما بال فئة من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن هم من أهل التوحيد والهدي الرباني النبوي، أبت أنفسهم إلا التشبه بأهل الجاهلية، والحذو حذوهم في بعض بدعهم واعتقاداتهم، فهناك من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من يتشاءم بشهر صفر، وطائفة تمنع إقامة حفلات الزواج في هذا الشهر؛ تمسكاً بما عليه أهل الجاهلية من التشاؤم، وفئة ثالثة تتشاءم بآخر أربعاء من شهر صفر، فلا يزور المرضى…، وهذا مما لا شك فيه اعتقاد فاسد، وتشاؤم مذموم، وابتداع قبيح يجب أن ينكره كل عاقل، فأفضل أعمال أهل الجنة؛ توحيدُ الله سبحانه، وإن أشنع أعمال أهل النار، الإشراك مع الله غيره، وإحداث في الدِّين ما لم يأذن به الله؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه مسلم:92 .
أحبابي القراء: فشَهْرٌ صَفَرٌ مِنَ الشُّهُورِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ، لَمْ يَرِدْ فِي فَضْلِهِ وَلَا ذَمِّهِ حَدِيثٌ؛ بَلْ وَمَا ذَمَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ وَلَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ، بل حارب هذا المعتقد ونهى عنه، فقد ثبت عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَاعَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ)، أراد صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي تؤثر في القلب، وتضعف الظن الحسن بالله عز وجل، واللهُ تَعَالَى يَقُولُ:(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْارْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُم, إِلَّا فِي كِتَبٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا* إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)الحديد:22، فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لا عدوى) نَفْيٌ لِمَا يَعْتَقِدُونهُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَاضَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا، وتؤثر بنفسها تأثيراً لا مرد له، وتأثيراً لا صارف له، مِنْ غَيْرِ اِعْتِقَادِ تَقْدِيرِ اللهِ لِذَلِكَ، فلا عدوى مؤثرة بطبعها،(ولا طيرة) أي؛ لا تشاؤم، ومعناه لا تتطيروا ولا يقع منكم ذلك، وسُمي تطيرًا؛ لأن العرب في جاهليتهم إذا خرج أحدهم لحاجة يريدها، قصد عش طائر فهيجه؛ فإن طار من جهة اليمين مضى في الأمر، وإن طار من جهة الشمال تشاءم منه، ورجع عمّا أراد؛ لأن المتطير والمتشائم يعتقد أن ما يصيبه من المكاره، إنما هو من شؤم المخلوق من زمان أو مكان أو شخص، فيكرههم، وينفر منهم ظناً منه أنه يجلب له الشر، وينسى أو يتجاهل أن ما أصابه إنما هو بقضاء الله وقدره، فالخير والشر والنعم والمصائب، كلها بقضاء الله وقدره:(قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، فهو الذي يخلق ما يشاء ويختار، وما يصيب العباد من الشرور والعقوبات؛ فإن الله قدره عليهم بسبب ذنوبهم ومعاصيهم:(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، ليس للمخلوق يد في تقديره وإيجاده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)الترمذي، حديث حسن صحيح.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(وَلَا هَامَةَ)؛ الْهَامَةُ هِيَ الْبُومَةُ، وَمَعْنَاهُ نَفْيُ مَا كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَهُ فِيهَا أَنَّهَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَى بَيْتِ أَحَدِهِمْ يَتَشَاءَمُ، وَيَقُولُ: نَعَتْ إِلَيَّ نَفْسِي أَو أَحَدًا مِنْ أَهْلِ دَارِي، فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ سَيَمُوتُ هُوَ أَوْ بَعْضُ أَهْلِهِ تَشَاؤُمًا بِهَذَا الطَّائِرِ، فَنَفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ، ومعنى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ولا صفر)؛ قيل بأنَّه داءٌ في البطن، وقال جابرٌ رضي الله عنه:(كانَ يُقَالُ دَوَابُّ البَطْنِ) رواه مسلم، وكان أهل الجاهلية يعتقدون أنَّ مَن أصابه قَتَلَهُ، فردَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك، بأن الموتَ لا يكون إلا إذا فَرَغَ الأجل، فقال: (قَدَّرَ اللهُ تعالى على كُلِّ نَفْسٍ رِزْقَهَا ومُصِيبَتَهَا وأَجَلَهَا)، وقيل صفر؛ هو تأخير المحرم إلى صفر في النسي، وهذا الاعتقاد الجاهلي لا يزال في بعض الناس إلى اليوم، فأبطل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث قضية التشاؤم في شهر صفر، وأنه ليس من الدين في شيء، وأنه شهر من الأشهر التي عدها الله عز وجل، وأيامه من أيام الله، فليس فيها ما يدعيه بعض الجهلة بالدين.
إخواني القراء: ومن البدع المنتشرة في هذا الشهر: الاعتقاد أن آخر يوم أربعاء من الشهر ينزل الله سبحانه البليات والمصائب والكوارث، حتى وصل الحال لدى بعضهم بأن يكون ذلك اليوم هو أصعب أيام السنة وأشدها، وعلى هذا فمن أراد الخلاص من شرور ذلك اليوم، أن يصلي لله تعالى أربع ركعات بصفة معينة، ثم يختم صلاته بدعاء معين، وهذا من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الدين الحنيف، والتي لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم منها شيء، ولا يوجد لها أصلٌ في الشرع، لا من الكتاب ولا من السنة، وقد روت أم المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).
أيها القراء الكرام: إن على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل في الظاهر والباطن، وأن يراجعوا أنفسهم وعلاقتهم وإيمانهم بالله تبارك وتعالى، وأن يعلموا علماً يقينياً حقيقة قول الله عز وجل:(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ* وَمَن يُومِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ* وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
هذا هو حال المؤمن الصادق والواثق بما عند الله عز وجل، العالم علماً يقينياً لا يتطرق إليه شك أنه لن يقع إلا ما أراد الله في وقت رضيه تبارك وتعالى، وفق قضائه وقدره عز وجل، ويكون نصب عينيه حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ، قَالَ: أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) احمد(6748).
فالمؤمن يجب عليه أن يتوكل على الله حق التوكل، وأن يعلم أن الطيرة باطلة، ولا أثر للأسباب إلا بقضاء الله وقدره، وإنما ذكر اللّه تعالى الأسباب؛ لأن الشرائع تتعلق بها، والأحكام عائدة عليها بالثواب والعقاب، فالعبد لا بد أن يعتقد أنه لا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون سواه، وأن الرب هو الذي يرزق، ويشفي، ويحي، ويميت، بأسباب وبغير أسباب.
أيها القراء الأفاضل: إن بعض الناس يدفعه حبه لمنهجه، فيقوم بمخالفة أهل الجاهلية في تشاؤمهم بشهر صفر، فيؤرخ ويقول: نحن في شهر صفر شهر الخير، وهذا الفعل يدخل في باب مدافعة البدعة بالبدعة؛ لأن هذا الشهر، ليس شهر خير ولا شر، فهو كبقية الأشهر، ويقع فيه ما قدره الله عز وجل من المقادير، ولا يحصل فيه إلا ما قضاه وقدره الله، ولم يختص سبحانه هذا الشهر بوقوع مكاره، ولا بحصول مصائب، فهو شهر من أشهر الله، وزمان من الأزمنة، والأزمنة لا دخل لها في التأثير ولا في ما يقدره الله سبحانه، ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: خيرًا إن شاء الله، فلا يقال: خير ولا شر، بل هي تنعق كبقية الطيور، لأن التشاؤم بالأزمنة أو بالأشهر أو ببعض الأيام، أمر يبطله الإسلام، لما فيه من الظن السيئ بالرب سبحانه، ولما فيه من الاعتقاد الباطل الذي لا ينبني على دليل أو برهان، وهذا التشاؤم في هذا الشهر أو غيره، من جنس الطيرة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (الطِّيَرَة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منَّا إلاَّ، ولكنَّ الله يُذهبه بالتوكُّل)، فعلاجُ الطيرة: هو التوكلُ على الله تعالى والمضيُّ فيما عزم عليه، والبعدُ عن وساوس الشيطان، وعدم الاستسلام لخطراته، واليقينُ بأن الأمور بيد الله سبحانه، وأن القدر مكتوب لا تردُّه الطيرة، وقد ذكرت الطيرة عنده عليه الصلاة والسلام فقال: (أحسنها الفأل، ولا ترد مسلمًا؛ فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهُمَّ لا يأتي بالحَسَنَاتِ إلا أنْتَ، ولا يدَفْع السَّيئَاتِ إلا أنت، ولا حَولَ ولا قُوةَ إلا بكَ) رواه أبو داود (3919)، قال صلى الله عليه وسلم: (وأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ) رواهُ مسلمٌ، وفي روايةٍ: (قِيلَ: يا رسُولَ اللهِ ومَا الْفَأْلُ؟ قالَ: الكَلِمَةُ الصالحةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) متفق عليه.
فتخصيص الشؤم بزمان دون زمان، فغير صحيح، وإنما الزمان كله خلق الله تعالى، وفيه تقع أفعال بني آدم، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله تعالى، فهو زمان مُبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله تعالى، فهو شؤم عليه؛ لأنَّ الشؤم في الحقيقة هو معصية الله، فالمعاصي والذنوب تسخط الله عز وجل، وإذا سخط الله على عبده، شقي في الدنيا والآخرة، كما أن الطاعات ترضي الله سبحانه، وإذا رضي الله عن عبده، سعد في الدارين.
معاشر القراء: هذا شهر من عامكم الجديد قد مضى، فاغتنموا العمر فيما بَقِيَ، وتداركوا ما سبق بالأوبة والتوبة والرُّجوع إلى مولاكم رب العزة، فاتقوا الله ربكم، واحذروا الشرك ومداخله، فإن العبد قد يقع في الذنوب، فيغفر الله تعالى له؛ لكن الشرك لا يغفره الله تعالى، ومن مات عليه، فهو على خطر عظيم، فاحذروا الذنوب، فإنها مشؤومة، وعقوبتها أليمة، والأماكن والبقاع في الأصل طاهرة نقية، ولكن ذنوب العباد تدنسها وتفسدها بشؤمها، والأزمنة أوقات لعمل الخير، ولكن العبد يدنسها بفعل الشر، كما قيل:
نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا
نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرزقنا اتباع منهجه القويم على النهج الذي يرتضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
والحمد لله رب العالمين.
محمد أمين بنعفان