على بعد بضعة أسابيع من الانتخابات التشريعية والمحلية والجهوية، يعرف المشهد الحزبي الوطني غليانا محموما بهدف تحقيق الفوز على أكبر عدد من المقاعد المتنافس عليها ، وعلى المستويات الثلاثة، وذلك عبر تسخير كل الآليات والوسائل المتاحة، للظفر بأكبر عدد من المقاعد المتنافس عليها، ومنها جذبُ أكبر عدد من المناضلين واستقطاب أكبر عدد من المنشقين الحزبيين الباحثين عن فرص تزكيات جديدة في إطار عمليات “الترحال” النشيطة، قبل الانتخابات العامة، وأساسا عبر إعداد برامج انتخابية تتوافق مع حاجيات ورغبات الناخبين، والدعوة لها خلال الحملات الانتخابية.
وسوف يكون من المفيد معرفة ُأهم الأولويات التي ركزت عليها الأحزاب السياسية المتنافسة، برامجها الانتخابية والاستراتيجيات التي استعملتها لتحقيق تلك الأولويات.
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: يعتبرُ هذا الحزب، من الأحزاب الوطنية التي خاضت قياداتها التاريخية، نضالات سياسية قوية، على رأسهم الراحل عبد الرحمن اليوسفي والتي بصمت بقوة تاريخ المغرب الحديث، الأمرُ الذي بوأ هذا الحزب المراتب الأولى بين القيادات الحزبية الوطنية، إلا أن هذا الحزب شهد في السنوات الأخيرة، حالات من التراجع والتراخي والركود، جعلته يفقد بعض بريقه السياسي وجاذبيته النضالية، داخل المشهد الحزبي الوطني، غير أن الاتحاد الاشتراكي استعداداته للقوات الشعبية ذا التاريخ النضالي الطويل، يشهدُ اليوم وفي إطار للانتخابات العامة المقبلة، تحركات نشيطة،على مستوى استقطاب مناضلين ومترشحين معروفين في طنجة، راهن عليهم من أجل تحسين صورته و أدائه والظفر بمقاعد تتناسب ومكانته السياسية التاريخية.
حزب الاستقلال : يعتبرُ حزب الاستقلال أول حزب سياسي في المغرب، تأسس في بداية تشكل الحركة الوطنية المغربية، أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، و كان يحمل اسم “الحزب الوطني” حيث جاء ذكره بهذا الاسم في وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944. ويعتبر هذا التاريخ تاريخ الميلاد الرسمي لحزب الاستقلال الذي يقوده منذ سنة 2017، المناضل نزار بركة. هذ الحزب، انخرط بجدية في التحضير للانتخابات العامة المقبلة، معتمدا على مناضلين جدد تم استقطابهم من أحزاب أخرى في إطار عملية “الترحال” السياسي التي استفادت منها جميعُ التشكيلات الحزبية الموجودة في الساحة، ولكن حزب الاستقلال تميز باختياره وجوها جديدة مجربة في تدبير الشأن العام المحلي . وكان من الطبيعي أن تحظى هذه “الاستراتيجية” بنوع خاص من الرضى على المستوى المحلي، لولا أنها قد تخلق نوعا من “الغموض” والارتباك لدى الناخبين في سعيهم للحصول على شروح بشأن استقبال “المترحلين“.
النجمع الوطنب للأحرار: يمكن القولُ بأن هذا الحزب الذي تأسس سنة 1978 والذي يتزعمه، حاليا، السيد عزيز أخنوش، تتجمع لديه ، في الوقت الراهن، حظوظٌ كبيرة ٌ لتصدر العملية الا نتخابية، بعد أن حقق نجاحات واسعة خلال الشوط الأول لهذه العملية التي جرت ، شهر يوليوز الماضي، و أهمت انتخاب مناديب العمال وأيضا عملية انتخاب الغرف المهنية، التي جرت بداية غشت الجاري. فهل تتجدد حظوة ُهذا الحزب باكتساح ما تبقى من العملية الانتخابية . هذا الأمرُ لا يبدو واضحا ولا مؤكدا، بعد أن خرجت للعلن أخبارٌ عن مشاجرات ونزاعات داخلية أدت إلى حالات من التنافر بين المسؤولين الجهويين، بل إلى مغادرة بعضهم سفينة هذا الحزب الذي قرر، بذلك، الاعتماد على مناضلين شباب أخذوا بزمام المبادرة وقرروا خوض غمار الانتخابات بنفس جديد، وعزم قوي.
حزب الأصالة والمعاصرة: هل تعافى هذا الحزب ُمن فترة تراجعه إثر مغادرة أمينه العام السابق، إلياس العماري. فبعد فترة صراعات داخلية من أجل الزعامات، يبدو أن سفينة هذا الحزب الذي تأسس سنة 2008، أطلقت من جديد شراعها بالرغم من غياب رياح مواتية، ولكن، ليس بالإمكان ، على المستوى الجهوي، معرفة العناصر التي بنى عليها هذا الحزب استراتيجيته لخوض غمار الانتخابات القادمة . إلا أن الوضع يبدو هادئا مع نوع من التطور، وهو ما سوف يتضح مع انطلاقة الحملة الانتخابية.
حزب العدالة والتنمية: هل ينجح ُهذا الحزب في تكرار نجاحه خلال الانتخابات السابقة بعد أن شكلت نتائج انتخابات مناديب العمال الأخيرة خيبة أمل كبرى بالنسبة لهذا الحزب الذي لوحظ أنه ضيع الكثير من مكاسبه الانتخابية الماضية وانه فقد أيضا الكثير من قدراته على تعبئة الجماهير، في حين يرى بعضُ الملاحظين أن العدالة والتنمية سجل نكسة لاذعة. وهذا لا يعني أن مؤسساته الجهوية قد استسلمت، بالرغم من أن الممثلية الجهوية لهذا الحزب قد شهدت، بدورها، خلافات داخلية حادة، ولكنها استمرت في العمل بصمت ، معتمدة على وفاء مناضلي الحزب الأوائل. المسؤول الجهوي لهذا الحزب، البشير العبدلاوي، بجديته وتجربته السياسية ، يبدو أنه يتخذ القرارات الملائمة لإعادة صياغة الأمور وهو كما يبدو، ما لا يرضي الجميع، بمن،فيهم، النشطاء الذين فضلوا التراجع.
حزب الاتحاد الدستوري: تأسس هذا الحزب سنة 1983 وحصل خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016 على 19 مقعدا بالغرفة الثانية للبرلمان.
وعلى مستوى الجهة، يشهد هذا الحزب حركية الصعود والتراجع. ويبدو أن مستقبله بالجهة يعتمد، بالأساس على مسؤوله الجهوي، وهو رجلٌ لا يكل جسديا ولا يضنّ ماليا بالرغم من المزالق والمعارضات التي تلحق به من داخل الحزب نفسه ، بيد أن كل اهتمامه منصرفٌ إلى الانتخابات وإلى وضع خير الاستراتيجيات ليحقق الحزب نتائج مشرفة خلالها.
حزب الحركة الشعبية: إلى الآن، يتمسك هذا الحزب بورقة الصمت، لربما مكرها، حيث إنه كما يبدو، غارق في معاناة لا مثيل له، ولذا فإنه يستعمل كل الوسائل للخروج من هذا الوضع، حيث إنه يستقطب كل من طلب الانخراط او الترشح، دون تمييز بين أصحاب الأخلاق السياسية الحميدة والسيئة، وهو ما يدعو للتساؤل عما إذا كان هذا الحزب يملك القليل من الاحترام لناخبيه، وكل شيء يوحي بأن المسؤول الجهوي لهذا الحزب ، أوزين ، يخلط بين طنجة وبلدات َ زايان أو مناطق الخميسات.
وهناك أحزابٌ أخرى كحزب التقدم والاشتراكية التي يبدو أنها لا تهتم بالانتخابات ولا تلمح حتى إلى الحملات الانتخابية، الأمرُ الذي يطرح سؤال الوجود بالنسبة لهذه الاحزاب، إذا كان الهدوء تاما في مقراتها خلال اللحظات الحاسمة للانتخابات.
على أي حال ، سنعود في طبعاتنا القادمة بمزيد من التفاصيل حول أبرز أحداث المشهد السياسي في طنجة.
ج.ط