الدور السياسي الرئيسي للجيش في الجزائر حاليا..
الأزمة الجزائرية المغربية.. النداء الأخير..!!
دور الجيش المتغير في المشهد السياسي الجزائري..
يوصف الجيش في الجزائر بأنه دولة داخل دولة، ويعد امتدادا لجيش التحرير الوطني، والجهاز السياسي لجبهة التحرير الوطني التي قاومت الاستعمار من أجل الاستقلال في الفترة ما بين 1954-1962، ومن هنا دخلت سطوة الجيش بحدة وإعطائها الشرعية لإدارة البلاد بالتحالف مع النخب المدنية السلطوية المقربة منهم وذلك من أجل إقصاء التيار التوجهي الديمقراطي، على الرغم من الامتياز التي حظيت به المؤسسة العسكرية ضمن النضام السياسي الحاكم، فإن الساحة الساسية الجزائرية لم تخل من المنافسة بين الجهاز الرئاسي والمخابرات والجيش على اعتبار أن الجهاز الأول هو القادر على الحوار والتفاوض مع النخبة العسكرية وإقناعها بالحياد.
وعلى هذا الأساس تميز حكم الرئيس بوتليقة خلال الفترة الممتدة ما بين الممتدة بين 1999 و2019 بتحقيق مكتسبات كبيرة من صراع الجينرالات، وذلك راجع إلى حنكة بوتفليقة باستغلال مكانته الدولية لمنع شبح الملاحقات والمتابعات للقادة العسكريين المتورطين في الحرب الأهلية في فترة التسعينات التي عرفت مقتل 200.000 مدني، وفي هذا الظرف حظي بوتفليقة بالدعم الكبير من جهاز المخابرات بقيادة الجينرال توفيق، وبالضبط في الفترة ما سنة 1999 و2006، غير أن هذا الوفاق والدعم لن يستمر طويلا، وقد انتهى مع صراع الجينرالات بتعيين حليف بوتفليقة أحمد قايد صالح على رأس أركان الجيش -وهو من أبرز الوجوه العسكرية داخل هرم قيادات الجيش الجزائري-؛ غير أنه منذ الإطاحة ببوتفليقة سنة 2019، عرفت الجزائر تغيرا في موازين القوى لتعود من جديد إلى المؤسسة العسكرية التي أصبحت لها تأثير كبير دون أن يكون هناك منافسين سياسيين فخاض معهم بوتفليقة معارك شرسة، كانت بمثابة تصفية حسابات شخصية مع القادة العسكريين وتهميش أجهزة المخابرات بإقالة مديرها بشير طرطاق، وكل هذا في سياق الحراك الشعبي الذي عصف بالرئيس.
وانطلاقا من هذا الوضع السياسي التنافسي وهيمنة الجيش، يبدو أن الرئيس الحالي عبد المجيد تبون لم تعد له القوة للسيطرة والضغط على القادة العسكريين على اعتبار أن مخاوف الجنرالات في الملاحقات الدولية لم تعد قائمة بفضل المصالحة الوطنية والتغييرات في صفوف كبار الضباط، هذا منجهة، ومن جهة أخرى أن ملفات أجهزة المخابرات فقدت قدرتها على الضغط لانتزاع تنازلات من المؤسسة العسكرية، أضف إلى ذلك أن الساحة السياسية أصبحت خلوا من أي شخصية مدنية ذات مراجع سياسية قوية يستطيع أن ينتشل الرئاسة من براثن القوة العسكرية.
هكذا أصبحت المؤسسة العسكرية تقود زمام الأمور في السياسة الجزائرية، فهي الخصم والحكم وصناعة القرار لعدم وجود رئيس قوي ينافسها، ومن دون جهاز مخابرات قادر على الضغط عليها؛ وبدهائها السياسي احتكمت إلى الحراك الشعبي وسلبت شرعيته من الشارع، وحولت مطلب الشعب بالتغيير إلى تغيير الأوضاع ضمن نفس النظام وفق الثقافة السياسية القائمة على سيادة المؤسسة العسكرية المهيمنة على السلطة المدنية بجميع مؤسسات ومرافقها.
وعليه، فالمؤسسة العسكرية هي المسيطرة على الرئيس تبون، يفكر بتفكيرها ويأتمر بأوامرها، وهو حاليا تحت ضغط الجنرالات يخططون له للقيام بإصلاحات حسب رؤيتهم وهي في غالب الأمر ستقتصر على تجديد المؤسسات التمثيلية وإجرءات إصلاحات اجتماعية واقتصادية، وهي بالنسبة لهم كافية لتأجيل عودة الحراك الشعبي وخروج الجماهير إلى الشارع، وعلى أبعد تقدير سيكون الجيش مجبرا على إيجاد بديل للرئيس تبون الضعيف المترهل، لا يستطيع تقديم نفسه كقائد رائد ومصلح دو مصداقية يعتمد عليها في تحقيق طموحات الشعب الذي لا يزال الحراك الثوري نصب عينيه، ويمكن إشعال شرارته من جديد.
فالرئيس تبون يعد من البيروقراطيين التابعين لنظام بوتفليقة، تدرج في عدة وظائف وصولا إلى منصب الحكومة، وقد تُصبح المؤسسة العسكرية في أي وقت مجبرة على تعيين شخصية أقل معارضة من داخل أو خارج نظام الحكم، وقادر على تقديم تنازلات للمؤسسة العسكرية، في جميع الأحوال لا يمكن لأي رئيس في الجزائر حتى ولو كان منتخبا بطريقة ديمقراطية من الشعب أن يحدث تغييرا بارزا ما لم تتعاون معه المؤسسة العسكرية، حيث تعتبر حاليا الجهاز الأقوى في الدولة.
أما من جانب السياسة الخارجية، فللقادة العسكريين دور مهم في هذا الباب، وصوتهم مسموع في صناعة السياسة الخارجية وتوجيهها بالمنطق العسكري الذي يريدونه، لكن بالمقارنة مع حكم بوتفليقة، سيكون للمؤسسة العسكرية في الجزائر حاليا الصوت الأعلى لإدارة الملفات الأمنية والإقليمية والدولية، وذلك بسبب طبع الرئيس تبون السياسي ومحدودية علاقاته الخارجية. مما لاشك فيه ستزداد فرص وجهة نظر المؤسسة العسكرية على توجهات السياسة الخارجية الجزائرية كالاستمرار على العداء الاستراتيجي للمغرب، والانخراط ديبلوماسيا في نزاعات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، والحفاظ دوما على السياسة القائمة مع فرنسا والتوجه نحو روسيا لكسب مزيد من الدعم كحليف إستراتيجي لها لمواجهة طموحات المغرب العسكرية وأهدافه السياسية.
وخلال سنة 2020 أقدمت الجزائر على تعديلات دستورية تسمح للمؤسسة العسكرية بأن تقوم بمهام أمنية خارج الحدود الوطنية دون التورط في حرب كبرى، لأن الشعب الجزائري كان ولازال يُبدي معارضة شديدة للجيش بخوض القتال خارج الحدود الوطنية والدخول في حرب مع المغرب؛ فالمؤسسة السكرية ستبقى محصورة في العمل الاستخباراتي وفي بعض المناوشات القتالية المحدودة في الجنوب لمراقبة وملاحقة الجماعات الإرهابية والمهربين والعصابات الإجرامية الدولية، على أن تبقى مرتبطة بفرنسا والتنسيق معها لأنها القوة الأهم الرابطة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
أما بخصوص التوتر القائم بين المغرب والجزائر، فأصبح في تصاعد مستمر ولا سيما في الآونة الأخيرة على خلفية ممث المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة إلى (حق تقرير المصير) لسكان منطقة القبائل، واعتبر المراقبون المغاربة أن مام قاله المندوب المغربي ليست زلة لسان، بينما دق ناقوس الخطر لإعلان الحرب مع الجزائر باستعمال نفس الأسلوب والأدوات التي تستعملها هذه الأخيرة في حديثها عن تقرير مصير الصحراء والشعب الصحراوي.
وقد زاد هذا الطرح إرهاقا للجزائر لما قام الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة عمر هلال بتقديم ورقة إلى حركة عدم الانحياز يدعوها إلى معالجة ما وصفه بتصفية الاستعمار في منطقة القبائل بالجزائر وتقرير المصير للشعب القبائلي، ووصف الممثل الدائم للمغرب بأن منطقة القبائل «خاضعة للاستعمار الجزائري» وجاءت تصريحات المندوب الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة على إثر التحركات التي قامت بها الجزائر وجبهة البوليساريو من أجل ترسيم الحدود بينهما حسب ما ورد في المجلة الشهرية لوزارة الدفاع الجزائرية، حيث ذكرت أن لجنة مكونة من ممثلين عن الجيش الجزائري وعناصر عن البوليساريو اعتمدت في تقريرها النهائي على ما تم إنجازه في عملية رصد الخط الحدودي، وأن هذه العملية تأتي في إطار جهود الجزائر لترسيم الحدود الوطنية مع الجبهة التي تعتبرها بلد شقيق في محاولة لاستفزاز المغرب.
ويرى بعض المراقبين أن هذه الخطوة الجزائرية ربما تكون محاولة لفتح الممرات لعناصر البوليزايو المسلحين للقيام بهجمات من تندوب الجزائرية ضد المغرب وذلك بعد أن أحكم الجيشان المغربي والموريتاني حدودهما المشتركة نهاية العام الماضي خلال العملية التي قام بها الجيش المغربي بإعادة فتح معبر الكركارات.
وعليه، كان من شأن التصريحات الأخيرة للمندوب المغربي في الأمم المتحدة إيقاظ حرب من تحت الرماد، لذلك بادر الملك محمد السادس في خطابه الأخير إلى إطفاء الغضب وإبعاد المنطقة عن شرور الفتن والتوترات والدعوة إلى تصفية الأجواء السياسية وفتح صفحة جديدة بين البلدين الشقيقين، خاصة عندما أكد في خطابه على أن المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين وهما توأمان متكاملان، وأن ما يمس أمن الجزائر يمس أمن المغرب.
ورد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون خلال لقائه الدوري مع الصحافة الجزائرية أن بلاده لم تتلق استجابة من المغرب بخصوص توضيحات التي طلبها من الرباط حول ما قام به المندوب المغربي في الأمم المتحدة، واعتبر أن هذا المشكل الظرفي الحالي هو الأهم بالنسبة للجزائر على اعتبار أن الديبلوماسي المغربي عمر هلال صرح بأمور خطيرة جدا جعلت الجزائر في حل منها وسحبت سفيرها من الرباط؛ وتطرق إلى قضية الصحراء واعتبرها في يد الأمم المتحدة ولجنة تصفية الاستعمار، وأن الجزائر تلعب دور الملاحظ النزيه فقط.
وأكد الرئيس الجزائري أن بلاده مستعدة لحل المشاكل بين الطرفين واحتظان لقاء بينهما على أرض الجزائر، ولكن بما يرضي الطرفين.