كتب إليّ قارئٌ لطيفٌ يقول: حدثتنا في عمودك الأسبوعي لعدد 7 غشت ، عن “التدابير” ولم تحدثنا عن “التضابير“، فهلا فعلتَ، أم إن “عارضا” ما اعترضك؟
وأجيبُ : “التدابير و “التضابير” في بلاد الله المتخلفة، مشروعان “متساويان” متوازيان” تماما كالخطوط المتوازية ، تنطلق من اللانهائي وتسير في اتجاه اللانهائي، ما دام أن مشروع “التضابير” اكتسب “شرعيته” على حساب” التدابير” ، بل وفي ظل التدابير التي تبنى، غالبا، على تفاهمات “ضمنية” تجتمع حولها كافة “الأطراف” المتربصة.
ومع أن “التدابير” نتاجُ فعل قد يقوم به “عفريتٌ” بمفرده على طاولة بين أربعة جدران، فإن “التضابير” نتاج فعل جماعي، تتظافر فيه جهود أرهط من فاقدي الكرامة ، المعتادين على “الانبطاح” المذل، أمام إغراءات الكسب القذر، على حساب كرامة الغير ومصالحه، وقد يكون هذا “الغير” شخصا أو مجموعة أشخاص، أو وطنا بكامل شعبه !…
ثم إن الحديث عن “التضابير” حديث ذو شجون وشواجن، كالشجرة الشجنة المتفرعة ، الملتفة الأغصان. حالة تدفعك لأخرى، ربما أكثر غرابة أو تشويقا، وربما أشدّ سوءا، وسوادا، وإيذاء، وفتكا بذوات الغير وحقوقهم ومصالحهم
ولكن، كل ذلك غير مهم. المهم هو “التلميط“، بتعبير أحد حكماء عصر الانحطاط الذي نعيشه في غفلة من التاريخ ذاته، والذي لن يرحم خنوعنا المهان، وانصرافنا المدان إلى القبول بما صادف وحصل،
المقصود بكلمة “التلميط” هنا، المرحلة الأخيرة من عملية “تدوير التضابير” لتبدأ عملية التلميط، من أجل إخفاء معالم الجريمة، داخل مسرح الجريمة، بعد
توزيع الغنيمة، والاستعداد لجريمة فساد قادمة ، ما دام أن منابع الفساد قائمة، وروادها أرهط ٌ متحكمة. عبثا حاول بعض الشعبويين قهرها فقهرته، ليرفع يديه طلبا للنجدة وهو يصيح: “عفا الله عما سلف” ” وما خلف، وما ردف وعدف وعلف!…
“التضبير” هذا ، صار عُملة “استبدال” أو عملة “طوارئ“، لا يصح التعامل بينهم و “بينهم” إلا بواسطتها. وحين تقرأ الصحف الصباحية والمسائية، اتبع “الخيط “إلى رأسه، لتجد أن جماعات الضغط “ضاغطة” ــ بالمفيد ــ من أجل الحصول على الحصة الوفيرة من “كعكة” المشاريع ، خاصة تلك التي تدبر من طرف “الجمعية” المتابع ، اليوم، بعض منتخبيها بجرائم “التبدير” بدل أن يكرموا بشهادات تقدير و تنويه ، جزاء حسن التدبير، وهم يودعون السفينة، بعد أن “غرّقوا لها الشقف” !….
وما دام أن هذا العنوان جاء في سياق الجائحة، التي يمكن اعتبار أنها شكلت “سوق غنائم” بالنسبة للمستفيدين من آلام الشعوب ومعاناتها من أجل الحياة، دولا، وحكومات، ومنظمات دولية، وعلماء، وباحثين، وصناع أدوية ولقاحات، ومعقمات، ومفبركي الأكسجين، ومروجي الأدوية والأمصال، فضلا عن المستشفيات والعيادات، والصيدليات والمختبرات والوسطاء وهم سلم الفساد.
وقد تحدثت الأخبارُ هنا في المغرب، عن حرب كادت تندلع بين الصيدلانيين والمخبريين بسبب “الاختبارات السريعة” التي أقنع المخبريون مديرية الأدوية بوزارة الصحة، بضرورة حجبها عن الصيدليات ووضع محاصيلها في أدراج صناديقهم ، لتنضم مداخلها إلى مداخيل الـ “بي سي إير” الطائلة يوميا، بينما الوزارة تعلم، والمخبريون يعلمون ، ولربما العثماني يعلم كذلك، أن الاختبار السريع يمكن أن يكون في متناول العدد الكبير من المواطنين بينما المختبرات تطالب بمبالغ خارجة عن طاقة طبقات واسعة من الشعب، الأمر الذي يساهم في تفشي الوباء بدل التعاطي معه بحكمة ومسؤولية، خاصة و“الدولة” ولا أقول وزارة الصحة، عاجزةٌ عن ضمان تزويد دائم للصيدليات بالعقاقير الموصي بها في حالات الإصابة بالجائحة، ولا “الضغط” عن أثمان تلك العقاقير المرتفعة في “سوق غنائم” الجاهلية الأولى، “حيث الضعيف يداس“.
“إن الحياة صراعٌ فيها الضعيف يداس….ما فاز في ماضغيها إلا شديد المراس…. للخب فيها شجونٌ….فكن فتى الاحتراس“.!.
(أبو القاسم الشابي رحمه الله)
عزيز كنوني