قد لا نضيف جديدا إذا ما أكدنا أن الكثير من المهن بدأت تعرف حضورا متميزا في العديد من القطاعات، ومن هؤلاء كتاب وكاتبات المحامين بالمغرب، ولا غلو في القول أنه أصبحت مطالب هذه الشريحة ضرورة ملحة ومستعجلة، وذلك من خلال ” تقنين مهنة كتابة المحاماة ” والتي وجب العمل على إيجاد إطار قانوني لهذه المهنة،باعتبارها جزءا لا يتجزأ من مهنة المحاماة،كي يكون إطارا قانونيا يكفل تنظيمها وتقنينها وحماية مستخدميها الذين يعيشون في هذا المجال أوضاعا غير مهيكلة وغير محمية بأي قانون تنظيمي.
ولا سرف في القول تعتبر فئة كتاب وكاتبات مهنة المحاماة فئة تعاني في صمت، لأنهم لا يتمتعون بأبسط الحقوق والضمانات التي ستحميهم من مخاطر الممارسة اليومية لمهامهم، فيما يتعلق بالحماية القانونية أو الاجتماعية.
وعبرت الكاتبة ” هـ.ب ” عن أسفها وهي تعمل في مهنة تنهك بدنها لكثرة المهام التي تقوم بها، وعلى سبيل المثال لا الحصر “ترتيب إجراءات المكتب واستقبال الموكلين وكتابة المقالات وعديد المهام الأخرى”، والعمل في ظروف أقل ما يقال عنها شبه مزرية، حيث تعمل من الساعة التاسعة صباحا حتى الخامسة مساء وإلى ساعات متأخرة من المساء، وأنها تقضي طوال اليوم بين المحاكم ” الابتدائية، الاستئناف، والأسرة والتجارية وفي بعض الأحيان مشيا على الأقدام أو عبر وسائل نقل عمومية من مصروفها الخاص،مما يجعلها معرضة للمضايقة والاعتداء من طرف المتسكعين، وأضافت أن كثرة التنقل تجعلهن معرضات لحوادث السير،التحرش الجنسي،والسرقة خصوصا أن هذه الملفات التي تحملها كاتبة المحامي لها قيمتها،كما يمثل العمل على الحاسوب لساعات طويلة قد تصل لثمان ساعات في اليوم عبئا آخر يضر بصحة الكاتبة خصوصا أوجاع الرأس والتهابات في العين نتيجة غياب الزجاج الواقي من أشعة الشاشة على الحاسوب والذي لا يكلف أكثر من خمسين درهما، وأيضا في غياب حقوق ومحفزات مادية ملائمة لعملها شأنها شأن العاملين في مجالات أخرى، وفي غياب تام لظروف عمل إنسانية . في حين أنها لا تستفيد هي وأغلب زميلاتها وزملائها من التغطية الصحية والانخراط في مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ناهيك عن هزالة الأجور التي لا تقترب حتى من الحد الأدنى، بحيث أن معظم الأجور تتراوح بين 1000 درهم و1500 درهم، كما أضافت ” هـ.ب ” أن المهنة في السنوات الأخيرة عرفت بما وصفته بممارسات لا تليق بالوسط المهني، والتي ترتبط أساسا بالفوضى والتسيب في ولوج كتابة المحاماة، والتعرض للتحرش الجنسي، مما ترتب عن ذلك آثار سلبية تسيء بالدرجة الأولى إلى مهنة المحاماة وإلى كتابة المحاماة.
ومن أهم الحقوق التي جاءت على لسان مجموعة من الكاتبات اللائي عبرن بمرارة عن ظروفهن في هذه المهنة:
– التمتع بالحقوق الاجتماعية الكاملة وخصوصا الحماية الاجتماعية من خلال التصريح بمؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبنفس الأجر الذي يتقاضاه كاتب المحامي والاستفادة من التعويضات العائلية والتعويض عن المرض وراتب الزمانة.
– تمكين كتاب المحامين من الاستفادة من التأمين الصحي والاستفادة من التعويضات عن الأمراض المزمنة والعارضة إضافة إلى التغطية الصحية.
– الحصول على أجور على الأقل تكون معقولة تراعي الشهادة التعليمية، وأن تخضع لنظام الأقدمية، وأن يشمل الأجر التعويضات عن الأعباء ومنح الأعياد والعطل السنوية والساعات الإضافية والشغل خارج الدائرة القضائية.
فإذا كانت هذه الفئة تخضع لمشروع تنظيمي يحدد المسؤوليات والواجبات من قبيل احترام النظام العام الذي تسير عليه المحاكم والإدارة، واحترام المسؤولين القضائيين،وكل الموظفين في الإدارات العدلية ،والتقيد بالنصوص والقوانين المنظمة لمهنة المحاماة والمحافظة على سرية الوثائق والسر المهني، فلم لم يتم التفكير في حماية هذه الفئة المنسية في معبد القانون من أبسط الحقوق المشروعة التي ستحفظ لها كرامتها كحقوق إنسانية كونية بعيدا عن انتمائها لمهنة المحاماة التي تخدم العدالة.
وإلى متى ستبقى هذه الفئة عرضة للتهميش والاحتقار؟ وكيف السبيل لتحقيق مطالب كتاب وكاتبات المحامين حتى تصير مهنة لها وجاهتها؟ باعتبارها فئة تتوفر على ثقافة قانونية عميقة وشواهد علمية وخبرة ميدانية رصينة تفوق خبرة المشغل لكونها فئة تتمرس في الميدان مما يكسبها ثقافة تواصلية مهمة مع كل فئات المجتمع،مع المفوض القضائي،مع المحرر القضائي وكتاب الضبط ووووو.
فهل ستصل رسالة معاناتهن/م إلى كافة المنتمين لقطاع العدالة والوزارة الوصية حماية لهم وصيانة لحقوقهن/م المشروعة والعادلة؟ أم أن هذه الفئة سنقوم بتكفين حقوقها وتشييعها إلى مقرها الأخير، نهيل عليها تراب النسيان ؟
وإذا كان فضاء المحاماة ميدانا حقوقيا بامتياز،فبالأحرى من هؤلاء الذين يحملون على عاتقهم مهمة الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والسياسية والمهنية أن يبادروا إلى إخراج قانون تنظيمي يحمي ويصون حقوق العاملين في مجال المحاماة وخصوصا كتاب المحامين الذين وقبل مزاولتهم لمهامهم داخل مكتب المحامي، فإن كل كاتب المحامي يمر بفترة تمرين قبل عمله بصفة رسمية،كما أنه يتم قبوله من طرف لجنة ثلاثية تضم الهيئة وجمعية كتاب المحامين وعضوا من النقابة الممثلة لكتاب المحامين، فعلى النقابة الديمقراطية لكتاب المحامين أن تدافع باستماتة عن أهدافها السامية كي لا تظل أهدافها حبرا على ورق.
م.ط.ب