فاجعة بكل المقاييس تلك التي هزت مدينة الفنيدق نهاية الأسبوع الماضي، فاجعة رفعت ستار المثالية والحلول الترقيعية وكشفت حقيقة التهميش والبطالة التي يعاني منها سكان الفنيدق بل والشمال عامة. فبعد أن تراجعت ظاهرة الهجرة السرية مؤخرا تراجعا ملحوظا، عادت اليوم لكن بطريقة مختلفة تماما عما سبق، طريقة صادمة وغير مسبوقة، إذ شهدت سواحل الفنيدق نزول مئات الشبان وبمختلف الأعمار إليها، قصد عبورها نحو المدينة المحتلة، ليلفظ بذلك شاب أنفاسه بشاطئ المدينة، تاركا وراءه ابنة لم تتجاوز سنها الثالث بعد، وجنينا لازال في بطن والدته.
هذه المأساة خلفت ضجة واسعة في شوارع البلاد، حيث أصبحت جل الأحاديث تصب حول هؤلاء المهاجرين الذين خاطروا بأرواحهم لبلوغ سبتة المحتلة سباحة وهربا من الواقع الأليم الذي يعيشونه، منذ تفشي الوباء وإغلاق معبر باب سبتة الذي كان مصدر قوتهم اليومي.
وعلى إثر هذا، وبعد إعادة المهاجرين من سبتة المحتلة، قامت عناصر الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة المختصة بفتح بحث قضائي لتحديد خلفيات وملابسات هذه الهجرة الجماعية، رغم وضوح خلفياتها من فقر وتجويع وتهميش وبطالة وغياب فرص شغل حقيقية…
السبب الرئيسي لهذه الهجرة راجع بالأساس إلى البطالة وإلى الأوضاع المزرية التي يعيشها المواطنون في وطنهم، الوطن الذي يفترض أن يكون “أما” لهم، وأن يوفر لهم كل متطلباتهم، وإن تعذر عليه ذلك، فكفيل به أن يعطيهم أبسط حقوقهم الضرورية، كتوفير فرص الشغل لهم مثلا… فلو كانوا قد وجدوا حقوقهم في بلدهم، ما كانوا ليهاجروا يوما، ويعرضوا أنفسهم للمخاطر والمآسي المتعددة التي يواجهونها في رحلتهم، الرحلة التي يأملون منها أن تكون لهم فرصة لتحسين ظروف حياتهم ومستقبلهم.
وفي هذا الصدد، كان قد حمل مرصد الشمال لحقوق الإنسان مسؤولية فاجعة الفنيدق للحكومة المغربية التي تغاضت عن معالجة هذا الملف، رغم الاحتجاجات والنداءات المتواصلة، معتبرا أن مصرع المهاجرين جاء نتيجة “البحث عن الكرامة قبل لقمة العيش”.
وأوضح المرصد، أن موجة الهجرة تأتي “في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر منها المنطقة بشكل خاص، والمغرب بشكل عام. خصوصا مع القرارات المتتالية للحكومة المغربية – غير المفهومة- التي تقضي بحظر التجول عند الساعة 8 مساء خلال شهر رمضان، دون توفير أي بدائل للدعم، باستثناء أنشطة محدودة… مما أدى إلى تضرر أغلب الأنشطة الاقتصادية الغير مهيكلة والتي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لملايين المغاربة.”
هذا وقد ربط مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أسباب هجرة الشباب بالهروب من “الواقع المؤسف” خصوصا “في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، وواقع سياسي محبط، يسوده الفساد والريع واتساع الفوارق الطبقية والتحكم …. واستبعاد الشباب من الحياة العامة، وتحطيم آمالهم في إمكانية التغيير الإيجابي وصنع مستقبلهم بأيديهم.”
لقد أصبح من الضروري أن تعمل وأن تحرص الحكومة، اليوم، على إيجاد حلول وبدائل حقيقية لهؤلاء الشباب المتضررين، دون استثناء البعض منهم، خاصة وأنها قد وعدت فيما قبل بوضع حلول ومشاريع الإدماج الاقتصادي للساكنة، إلا أن الحادثة الأخيرة تدفع المرء إلى طرح تساؤلات عدة حول مآل هذه المشاريع، وأين هي من كل هذا؟
أسباب عدة تلك التي تقف وراء هذه الظاهرة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو المعيشي، فضلا عن هجرة الأدمغة التي تعاني منها البلاد، منذ زمن بعيد، إذ أصبح من الضروري على الجهات المسؤولة التعامل مع الوضع بجدية أكثر وإيجاد حل سريع، بمعالجة ملف الهجرة من جذوره والتقليل منه، وذلك عبر الحد من البطالة وتوفير فرص الشغل، مع القضاء على الفقر والتهميش، على أمل أن تخمد النيران المشتعلة في قلوب الساكنة، وعلى أمل أن تمطر سحابة الكرامة عليهم قريبا.
رميساء بن راشد