سلسلة تعريفية واقعية تلقي الضوء على بعض الكتاب والمفكرين والباحثين والمبدعين في شتى مجالات العلم والمعرفة ، لإبراز لمحات من حياتهم الشخصية والعلمية ، والتعريف بمؤلفاتهم وأحدث إصداراتهم التي تشهد بعمق معرفتهم ، وموسوعية علمهم ، تتنوع هذه الشخصيات بين أكاديمية وعلمية وأدبية.
سلسلة تعريفية في قالب حواري تمد جسور التلاقح بين المفكرين وبني عصرهم ، وبين المفكرين وطبقة قرائهم ، وتطلعهم على مسار إنتاجهم وأهم أعمالهم وآخر إصداراتهم.
نتابع في هذه الحلقة حوارنا في جزئه الثاني مع المحامي والروائي الأستاذ بهاء الدين الطود .
سؤال : أستاذ بهاء ، قرأت في المواقع الالكترونية ، أنك ترأس جمعية باسم ” الجمعية المغربية لأصدقاء مكتبة الاسكندرية ” ، ومقرها بالرباط ، كيف ذلك ؟ وما هي أهداف هذه الجمعية ؟ 005 . الجمعية ؟
إن مكتبة الاسكندرية من أهم وأشهر المكتبات العالمية وأقدمها ، كانت قد أسست منذ حوالي عشرين قرنا، وتعرضت للحريق والإتلاف ، إلى أن أعيد إحداثها في مكانها القديم بمدينة الاسكندرية المصرية مطلة على البحر الأبيض المتوسط .
وبتاريخ إعادة افتتاحها في عصرنا عام 2002 ، صادف أن كنت في القاهرة ، وكانت الدولة المصرية قد خصصت للصحافيين وجل من يهتم بالثقافة ، وسائل نقل بالمجان ، بين القاهرة و الاسكندرية ، منها قطارات عصرية بين المدينتين ، وأذكر أني اصطحبت الصديق العزيز الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى للثقافة في سيارته رفقة صديقين لنا إلى مدينة الاسكندرية .
وحضرنا احتفالات وندوات المثقفين ، بمشاركة مدير مكتبة الاسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين ، المثقف الكبير والأستاذ الجامعي في عدد من الجامعات ، منها ، هارفرد الأمريكية وغيرها ، وكان آخر منصب شغله نائبا للمدير العام للبنك الدولي في واشنطن ، الذي انتقل منه ليصبح مديرا لمكتبة الاسكندرية . أقول هذا لأهمية الرجل ولسموقه الثقافي .
التقطت منه ما قاله في أحد لقاءاتنا من أن مثقفين من دول أوربية ، تولوا تأسيس جمعيات صداقة مع مكتبة الاسكندرية ، لدعمها بما تنتجه بلدانهم من إصدارات ثقافية وفنية .
وبالنظر إلى علمي بكون مثقفي المشرق قليلي الاطلاع على ما يبدعه المغاربة من أجناس ثقافية في الكتابة والموسيقى وغيرها ، فبعد عام واحد اتصلت بالصديق الدكتور جابر عصفور ، باعتباره أحد مسؤولي الثقافة بمكتبة الاسكندرية واقترحت عليه أن نؤسس نحن في المغرب جمعية لأصدقاء المكتبة الاسكندرية .
بعد أيام قليلة أجابني الدكتور عصفور ، بأن مكتبة الاسكندرية ترحب بجمعية مغربية تمدها بالمنتوج الفكري المغربي النادر الوصول إلى البلاد العربية ، وستكون الجمعية المغربية العربية الوحيدة المشاركة في مكتبة الاسكندرية بعد ست وثلاثين جمعية أجنبية من أوربا وأمريكا الشمالية والجنوبية ، في حيند توقف قبول انضمام جمعية عربية أخرى.
ـ الأستاذ بهاء ، إذن كنت أنت من اقترحت نفسك رئيسا للجمعية المغربية ؟
أبدا أبدا ، ذلك أن مكتب جمعيتنا يضم أشخاصا أكثر حضور ثقافي واجتماعي من شخصي ، مثل الدكتور عباس الجيراري ، مستشار جلالة الملك ، والملقب بعميد الأدب المغربي ، وكنت من بين الذين اقترحوه للرئاسة ، تشريفا لجمعيتنا ولبلدنا المغرب ، لكنه اكتفى أن يصبح رئيسا شرفيا فقط ، وأن يكون عبد ربه رئيسا باعتباري صاحب فكرة تأسيس الجمعية ، ولعلاقتي الوطيدة بالمثقفين المصريين .
كما اقترحت أن يتولى رئاسة جمعيتنا الصديق الدكتور سعيد بنسعيد العلوي ، لعدة اعتبارات منها ، أنه رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط ، وعميد كلية الآداب بها ، ومفكرا متميزا وروائيا جيدا ، لكنه اكتفى بعضوية مستشار ، وأن أتولى شخصيا رئاسة الجمعية للسبب الذي أشار إليه الدكتور عباس الجيراري .
وقد تم تأسيس الجمعية المغربية لأصدقاء مكتبة الاسكندرية في مقر كلية الآداب بالرباط ، في جمع عام ضم 35 عضوا .
وكان أول عمل قمت به في هذا الإطار ، هو اتصالي بجميع دور النشر المغربية لتمدنا بنسخ من إصداراتها إلى مقر جمعيتنا بكلية الآداب بالرباط ، في شخص السيد العميد ، لنتولى إرسالها إلى الجناح المغربي لمكتبة الاسكندرية في مصر، للتعريف بالمنتوج الثقافي والفكري لبلدنا المغرب .
كما وجهت رسائل مماثلة إلى جميع المبدعين المغاربة في الشأن ذاته .
وأهم ما حققناه ، هو اتصالي بالبروفسور عبد اللطيف بربيش ، أمين سر أكاديمية المملكة المغربية ، التي تتوفر على أهم الكتب المغربية .
وقد رحب السيد بربيش بما اتخذناه من مبادرة التعريف بالكتاب المغربي في أشهر مكتبة عالمية ، وصارحني كتابة وكذا عند لقائي بشخصه ، بأنه سيمكننا من جميع إصدارات الأكاديمية الملكية ، من كتب نادرة وأنيقة ، وهو ما وقع تنفيذه ، وأثلج صدورنا بالفرح والسعادة .
باختصار شديد ، أسعد ما قمنا به ، جميع أعضاء مكتبة الاسكندرية ومستخدميها ، وكذا جل المثقفين العرب الذين فاجأتهم تلك الإصدارات المغربية .
مع الإشارة إلى أننا كنا الجمعية العربية الوحيدة التي ارتبطت بصداقة مع مكتبة الإسكندرية ، ودائمة الحضور في جميع المؤتمرات المنعقدة في المكتبة ، ومنها مؤتمر الإصلاح العربي السنوي الذي حضره المغاربة طيلة أربع سنوات أي إلى أن تغير الوضع السياسي في مصر برحيل الرئيس حسني مبارك .
وكنت من بين أعضاء لجنة اقتراح المشاركين في هذا المؤتمر وغيره ، مما أتاح لي اقتراح مثقفين مغاربة للمشاركة بدعوة من المكتبة أو المؤتمر.
ـ أتذكر لنا أسماء المغاربة المشاركين في المؤتمر ؟
من الصعب تذكر جميع الأسماء ، فهي كثيرة ، منهم من توليت دعوتهم شخصيا ، وذلك على نفقة المكتبة ، ومنهم من تولى المؤتمر دعوتهم مباشرة ، ودائما على نفقة المكتبة بالسفر والإقامة .
ـ اذكر لنا بعض الأسماء لو سمحت ؟
من الذين توليت دعوتهم ، أكتفي بذكر المفكر الدكتور محمد نور الدين أفاية ، والمفكر الدكتور كمال عبد اللطيف ، والمبدع الروائي والناقد عبد القادر الشاوي ، والناقد مصطفى المسناوي ، والكاتب والروائي الدكتور مبارك ربيع ، كما دعوت مراسلين للصحافة من جريدتي الاتحاد الاشتراكي والعلم وغيرهما .
وما زالت جمعيتنا حاضرة ، ونحن بصدد مواصلة اللقاء وإرسال ما جد من إنتاج مغربي إلى الاسكندرية ، خاصة وأن مديرها الجديد الدكتور مصطفى الفقي ، عاشق للمغرب وثقافته .
ـ الأستاذ بهاء الدين الطود ، إن ما دفعكم إلى تأسيس جمعية مغربية ترتبط بصداقة مع مكتبة الاسكندرية ، تستحقون عليه التقدير الكبير ، إذ توليتم خدمة الكتاب المغربي ، ومن خلاله الوطن ، وذلك بأسلوب ووسيلة لا يقوى عليها سوى صاحب ثقافة حقيقية مثمرة ، وحس وطني وحضاري .
لذلك ، وبما أنك الشخص ذاته ، كنت رئيسا لفرع طنجة لمنظمة اتحاد كتاب المغرب ، حسب علمي ، فإني أطلب منكم ولو بإيجاز أن تبسطوا لقارئنا رؤيتكم عن ذلك النشاط الثقافي المقام في مدينة طنجة خلال توليكم رئاسة فرع طنجة لاتحاد كتاب المغرب ؟ أشكرك على تثمينك الإيجابي لما سبق الحديث عنه , وأضيف بأنه من المعلوم أن فروع اتحاد الكتاب في جميع أقاليم المغرب ، موكول لها أن تهتم بالشأن الثقافي ، وذلك بتقريب الثقافة من مواطنيها ـ بتنظيم لقاءات وندوات تستغرق الثقافة الأدبية العامة ، من إبداع في الشعر والقصة والرواية والرسم وحوارات بين المثقفين .
لكننا في فرع طنجة ، وباتفاق مع رئاسة منظمة اتحاد الكتاب بالرباط ، اخترنا أن ننفرد عن باقي الفروع ، بإضافة مهمة الحوار مع الضفة الأخرى الإسبانية وغيرها من بلاد أخرى ، أي نشرك الآخر في استماعنا لما نقول ، ونشترك معه في الاستماع لما يقول . وهو ما يسمى بالحوار الثقافي.
وقد رأينا أن من بين أعضائنا من لهم أكثر من لسان ، فالصديق الشاعر خالد الريسوني ، سبق أن ترجم دواوين لشعراء إسبان إلى العربية ، والصديق الشاعر مزوار الإدريسي ، سبق أن ترجم بدوره دواوين شعرية إسبانية إلى العربية ، وهما عضوان إلى جانبنا في فرع طنجة .
أستحضر في هذه اللحظة ، أن أول مؤسسة إسبانية ارتبطنا بتعاون معها ، هي مؤسسة سيرفانتيس ، أشهر مؤسسة ثقافية في إسبانيا ، و قدمت لنا دعما كبيرا في دعوات من نختارهم من مثقفين إسبان ، متحملة نفقة إقامتهم وسفرهم .
كما ارتبطنا بحوارات مع جمعيات ثقافية أخرى في كل من مالقا وقادس وإشبيلية ومدريد .
كنا نتعمد استضافة أصحاب الأقلام الحاضرة في أعمدة الافتتاحيات بالمجلات والصحف الإسبانية ، حتى يتعرف الإسبان على ثقافتنا وسلوكنا ، عوض ما يشاع عنا من بلد قوارب الموت والتخلف المبالغ فيه ، وفعلا تكررت الكتابة عن بلدنا بإيجابية جميلة .
أتذكر أن مدير مؤسسة { سيرفانتيس} السيد { أرتورو لورينسو } استجاب لطلبنا بإحضار مترجمين من اللغة الإسبانية إلى العربية والعكس ، وتحمل نفقاتهم ، الشيء الذي أغضب المسؤولين الفرنسيين في طنجة ، الذين يرفضون الترجمة في ندواتهم ، استنادا على أن اللغة الفرنسية تتمتع بحضور رسمي ، مفضل في المغرب من وجهة نظرهم .
ما زالت تشغل ذهني عدة ندوات ، منها تلك التي شاركت فيها الإسبانية السيدة { ماريا روسا دي مادرياغا} أستاذة في جامعة السربون بباريس ، مختصة في تاريخ منطقة شمال المغرب ، وصاحبة كتاب { مغاربة في خدمة فرانكو } ، وقد ترجم الكتاب إلى العربية وتولى تقديم الطبعة العربية الإعلامي ، الأستاذ محمد العربي المساري ، المشارك شخصيا في هذه الندوة .
مما ذكرته الأستاذة في هذه الندوة ، أن الدولة الإسبانية بعد أن أفرجت عن وثائقها السرية المتعلقة بالمغرب ، اتضح وجود اتفاق سري بين القنصليتين الإسبانية والفرنسية ، تدعو إلى وجوب التشهير بالزعيم أحمد الريسوني ، بأنه قاطع الطريق ، وذلك بسبب اختطافه للسفير البريطاني في طنجة ، من أجل حصوله على المال لشخصه .
وأوضحت الأستاذة أن سبب الاختطاف كان من أجل أن تعرف أوربا وغيرها بالحرب التي يتزعمها المجاهد المغربي ضد إسبانيا باحتلالها لشمال المغرب . أما المال فقد كان درجة ثانية لتمويل جهاده .
أما ما قاله المؤرخ المغربي الأستاذ عبد الله العروي عن الزعيم الريسوني بأنه قاطع الطريق ، فقد استند في قوله على مراجع فرنسية ، أثبت التاريخ أنها لم تكن حقيقة .
أنتقل في الأخير إلى جلسة حميمية دافئة بالشاي والقهوة ، جمعتنا بوالي طنجة السيد محمد حصاد في مكتبه ، وكنا ثلاثة أعضاء من مكتبنا ، الشاعر خالد الريسوني والشاعر مزوار الإدريسي وعبد ربه ، فعبر لنا عن فرحه بما نقوم به من أنشطة ثقافية ، وصارحنا بأن جلالة الملك محمد السادس ، معجب بما نهيئه من حوارات ثقافية بين المغاربة والإسبان .
حين ذاك ، اتصل السيد الوالي ببعض أصحاب الفنادق ، وطلب منهم دعمنا بتخفيضات مهمة لإيواء ضيوفنا من مغاربة وإسبان .
في الوقت ذاته اتصل بالقنصل الإسباني ، وحدد معه موعدا لإستقبالنا، لنطلعه على برنامجنا الثقافي ، وأن يمد العون في ما نختار من مثقفي إسبانيا .
ذلك ما وقع وتم إنجازه ، إلى أن قدمنا استقالتنا عام 2014 ، فاسحين المجال لزملائنا لتولي متابعة النشاط الثقافي لفرع طنجة لاتحاد كتاب المغرب .
يتبع …
عمر قرباش