يسعدني أن أستضيف في هذه الحلقة من سلسلة ” في ضيافة كاتب ” : المحامي والروائي الأستاذ بهاء الدين الطود .
أهلاً وسهلاً بك ضيفًا عزيزًا في هذه الفسحة الحوارية .
ـ في البداية نود أن تقدم للقارئ الكريم بطاقة حياتك الشخصية والمهنية والأدبية ؟
اسمي بهاء الدين الطود ، من مواليد مدينة القصر الكبير ، بعد وفاة والدي انتقلت إلى بيت جدتي في مدينة أصيلة وعمري عشر سنوات . هناك درست المرحلة الثانوية ، وبعدها درست الصحافة لمدة أربع سنوات في مدريد بإسبانيا . وتابعت دراستي العليا القانونية في كل من باريس والرباط .
أمارس مهنة المحاماة مند قرابة أربعين سنة في طنجة .
أما فيما يخص نشاطي الأدبي ، فقد كنت كاتب فرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة , حين كتبت المقالة الصحفية والأدبية في منابر وطنية ودولية . كما نشرت القصة القصيرة في مجالات عربية.
صدرت لي : رواية ” البعيدون ” ، عن دار الهلال المصرية سنة 2000. وترجمت إلى الإسبانية بمدريد سنة 2014 .
- ثم صدرت لي رواية “أبو حيان في طنجة “، سنة 2010 وهي الرواية التي أعرض فيها من خلال شخصية ” أبو حيان ” قضية الهجرة السرية التي أصبحت خلال السنوات الأخيرة تؤرق أوروبا بسبب انتشار الفقر والجهل في بلدان جنوب المتوسط.
- بعد ذلك صدر لي كتاب { كدت أعترف } وهو عبارة عن مذكرات .
لي قيد الإعداد والطبع كتاب ” رسائل بيلار”، سيرة ذاتية .
ثم كتاب ” سارق الأسفار” قيد الإعداد .
ـ ممكن أن تقدم لنا صورة عن أسرة آل الطود وكيف استقر بها المقام بمدينة القصر الكبير ؟
سؤالك عن آل الطود ، أخبرك بأني أفضل الحديث عن أعمالي وعن الثقافة عموما ، إلا أني لن أرفض لك سؤالك ـ لذا أرحب بك وأجيبك مختصرا بما يلي :
آل الطود ، ويعني هذا الإسم الجبل الشامخ , وهي أسرة مقيمة في القصر الكبير من قرون طويلة ، تؤرخ لها ظهائر سلطانية كثيرة ، من بينها ظهير سلطاني كرمها بأحد أحد فنادق المدينة هبة لها عن مواقفها وجهادها في معركة وادي المخازن ، أو معركة الملوك الثلاثة التي انتصر فيها المغاربة على البرتغاليين ، الذين كانوا يسعون لتمسيح المغرب بمساعدة الكنيسة وبلاد مسيحية أخرى ، كان ذلك في شهر غشت من عام 1578 ميلادية .
بعد ذلك تسلمت الأسرة ظهائر أخرى من بينها ظهير السلطان عبد المالك بن مولاي إسماعيل في شخص أحد شيوخ آل الطود ، الفقيه العلامة مولاي مسعود الطود ، وذلك في شهر رمضان من عام 1140 هجرية الموافق 1727م .
ويذكر هذا السلطان ما جدده أسلافه من ظهائر وجهت لهذه الأسرة ، ومما أشار إليه رفعا من مكانة أسرة الطود ، ما قاله حرفيا بما يلي ” .. ولو أعطيناه ماء الأرض ذهبا ، قليل في حقه .. وجعلنا داره حرما من دخلها كان آمنا ، لأنه منا وعلينا ومن أقرب ما لنا في أمناء أعمامنا ، لأجل دينه وحسبه ومرتبته لدينا ، ومن كان خائفا وجاءنا مرافقا معه آمناه وسامحناه ، إذ شفاعته عندنا لا ترد ومكانته لدينا لا تحد ” … إلى آخر الظهير .
أسلم صورة من هذا الظهير إلى محاوري الأستاذ عمر قرباش قصد الاطلاع عليه ، تأكيدا وحجة لقدم هذه الأسرة في مدينة القصر الكبير .
ولا أرى بأسا من الإشارة إلى أن جذور هذه الأسرة تعود إلى الأندلس ، حسب مراجع تشير إلى أحد القضاة من العلماء اسمه الطود ، كان قد اشتهر في مدينة قرطبة الأندلسية .
أما عن تعليمي ، فبعد الشهادة الثانوية ، درست الصحافة في مدريد ، ودرست القانون في الرباط وباريس .
وأقيم في طنجة منذ انتسابي لهيئة المحامين عام 1977 .
في هذا الوقت ذاته ، صرت آنجذب إلى الكتابة في الصحافة الوطنية بطنجة والرباط ، وكذا خارج المغرب ، كمجلة ” اليوم السابع ” الصادرة بباريس آنذاك ، و” أخبار الأدب ” الثقافية الصادرة إلى يومه في القاهرة .
و إن الفضل في انجذابي إلى الكتابة أول الأمر، يعود بصراحة إلى أحد عشاق الإعلام في طنجة ، الصديق الدكتور عبد الحق بخات ، الذي تبنى أول صحيفة أسسها الإسبان في عهد الحماية تحت اسم ” إسبانيا ” ، فاحتضنها وفرنسها ، ثم بعد ذلك تولى تعريبها تحت عنوان ” جريدة طنجة ” ، ولم يكتف بهذا بل قام بتأسيس نشرات صحفية أخرى ، مثل ” الخضراء” وأتبعها بجريدة ” الشمال ” الحاضرة إلى يومه بقوة في المشهد الإعلامي المغربي منطلقة من طنجة .
دون أن أنسى الإعلامي ، الصديق العزيز أحمد ايفزارن ، الذي ما إن أسس أسبوعية ” الخضراء الجديدة ” حتى عمل على إقناعي بجمال ما يخطه قلمي ، وبموهبتي الإبداعية ، مما جعلني أواصل الكتابة في صحيفته ، مدة فاقت عاما كاملا .
كما أذكر أنه ذات يوم حدد لي موعدا مع إعلاميين شهيرين ، هما الأستاذ محمد العربي المساري ، والكاتب المبدع الأستاذ عبد الجبار السحيمي المسؤولين عن جريدة ” العلم “.
وجلسنا نحن الأربعة في صالون بفندق فلاندريا ، أستمع إلى اقتراح الإعلاميين بالكتابة في جريدتهما ” العلم ” بمقابل مادي ، إلا أني اعتذرت بسبب ضيق وقتي والتزامي بملفات وقضايا المحاكم .
ما أتذكره اليوم ، ما قاله عبد الجبار السحيمي عن كتاباتي ، بأنها تجلب قارئي إلى ما أكتبه ، من تفاصيل أسفاري في مدن المشرق وقراه ، وحواراتي عمن التقيت بهم من شخصيات أوربية ومشرقية أصحاب حضور ثقافي متميز أو بسيط ، وذلك في مواضيع تثير الانتباه والإعجاب .
إن أول قصة قصيرة كتبتها ، كانت بعنوان ” صيف هيلكا في أصيلة ” ، ونشرتها أول الأمر في ” أخبار الأدب ” المصرية ، وأتذكر الآن حكاية عنها أجيزها في ما يلي : كنت ذات مساء في منزل صديقي الشاعر المغربي المهدي أخريف ، وسلمتني ابنته الصغيرة ” ندى ” كتاب تلاوتها المقرر في مدرستها ، لأفاجأ بقصة قصيرة بعنوان ” غروب ” ، لكاتبها بهاء الدين الطود ، لأكتشف أنها مقتبسة من قصتي الأولى ” صيف هيلكا في أصيلة ” ، وقع تغيير عنوانها إلى ” غروب ” ، وحذفت منها بضع فقرات . لم يكن لي أي علم بهذا ، إنما أسعدني نشرها في مادة مقررة دراسيا ، مختارة من طرف وزارة التعليم المغربية .
أضفت هذا التشجيع بإقدامي على الكتابة من طرف وزارة التعليم المغربية ، إلى سعادتي ، بأني أسير في طريق سليم بعد أن اختارت وزارة التربية والتعليم المصرية روايتي الأولى ” البعيدون ” لتدريسها في الثانويات في وطنها ..
في ذلك التاريخ ، كنت نشرت روايتي الأولى ” البعيدون “ ، في مؤسسة روايات الهلال المصرية ، وكانت ثالث رواية مغربية تنشرها هذه الدار ، أما الرواية المغربية الأولى التي نشرتها دار الهلال ، كانت للروائي والفيلسوف محمد عزيز الحبابي المغربي تحت عنوان ” أكسير الحياة ” ، تلتها رواية الأديب الروائي المغربي عبد الكريم غلاب ، لا يحضرني عنوانها الآن ، بعد ذلك بسنوات جاءت روايتي المغربية ” البعيدون ” لتنشرها هذه المؤسسة العتيدة ، هي أقدم دار نشر عربية ، وأوسعها انتشارا .
بعد ذلك بأقل من شهرين تولت وزارة التربية والتعليم المصرية اختيار ” البعيدون ” نموذجا للرواية المغربية المعاصرة ، وقررتها بثانويات جمهورية مصر العربية ، لتصير من أشهر الروايات قراءة ومبيعا ، في مصر وبعد ذلك في الوطن العربي .
كان أروع نجاح ثقافي حققته ليكشف لي أني خلقت لأكون روائيا ، حسب ما اجتمعت عليه آراء جل النقاد الكبار ، مثل جابر عصفور، وصبري حافظ ، والمغاربة مثل أحمد السطاتي وسعيد بنكراد وغيرهم .
بقدر ما أسعدني هذا الاهتمام الكبير بروايتي الأولى ، سواء في البلاد العربية ، أو في إسبانيا ، وأمريكا اللاتينية بعد ترجمتها إلى الإسبانية ، ففي الوقت ذاته أصابني الارتباك ، إذ صرت أهاب الكتابة في مستوى أقل إبداعا من روايتي الأولى ، فانشغلت بقراءة الأعمال الإبداعية وغيرها لمدة تقرب من عشر سنين ، قبل أن أكتب روايتي الثانية ” أبو حيان في طنجة ” ، لأجعلها إن صح تعبيري إبحارا في الثقافة العربية ، بعد أن كانت رواية ” البعيدون ” إبحارا في فضاء الثقافة الغربية ، وشخصيا أراهن على الكيف أكثر من مراهنتي على الكم ، عملا بالمقولة العربية ، شاعر بقصيدة .
بعد ذلك أنجزت عملين سرديين ، الأول يحمل عنوان ” رسائل بيلار ” وهو قيد الطبع ، والثاني بعنوان ” سارق الآسفار ” يقترب من مذكرات تمزج بين سيرة ذاتية ، وسرد فكري يتماهى مع اليوميات .
يتبع …
إعداد : عمر محمد قرباش