حينما وصل نبينا الكريم صلوات الله عليه وسلامه إلى سدرة المنتهى، وأوحى إليه ربه « يامحمد، ارفع رأسك» وسل نعط -قال يارب إنك عذبت قوما بالخسف.. وقوما بالمسخ.. فماذا أنت فاعل بأمتي؟ قال الله تعالى مجيبا نبيه الكريم.. أنزل عليهم رحمتي.. وأبدل سيئاتهم حسنات.. ومن دعاني أجبته.. ومن سألني أعطيته.. ومن توكل علي كفيته.. وأستر على العصاة منهم في الدنيا.. وأشفعك فيهم في الآخرة.. ولولا أن الحبيب يحب معاتبة حبيبه لما حاسبتهم يامحمد «إذا كنت أنا الرحيم وأنت الشفيع فكيف تضيع أمتك بين الرحيم والشفيع؟» انتهى قول رب العزة..
أتيت على ذكر حادثة الإسراء والمعراج لكونها من أعجب وأغرب الرحلات البشرية على الإطلاق.. ولم تكن حدثا عاديا، بل كانت معجزة إلهية ربانية بكل المقاييس.. بسم الله الرحمان الرحيم «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» صدق الله العظيم. والتذكير بالرحلة المعجزة في غمرة هذا الشهر المبارك الكريم إنما هو استحضار للمعاني والعبر والدلالات العميقة في تاريخنا الإسلامي العظيم سواء تعلق الأمر بحادثة الإسراء أو بشهر رمضان المبارك..
لا أريد أن تفوتني الفرصة فأشير بسرعة إلى أنه أثناء مراجعتي لحادثة الإسراء والمعراج العظيمة وقفت على أوجه الاختلاف الحاصل بين العلماء الذين تحدثوا بغير قليل من التفصيل عن طبيعة وخصائص وعجائب هذه الرحلة المعجزة وعن توقيتها غير المضبوط..في أي شهر من الشهور أسري برسولنا الكريم..؟ وقد أشار بعض العلماء بخصوص هذا الحدث العظيم إلى أن إسراء النبي المصطفى كان ليلة السابع عشر من رمضان.. فيما أشار البعض الآخر إلى أن الرحلة كانت بعد البعثة بنحو عشر سنين.. ومنهم من قال قبل الهجرة بسنة.. وقيل ليلة السابع من ربيع الأول.. إجمالا فإن اختلاف العلماء حول توقيت الحدث ظل مبهما، وبالتالي فإن الاحتفال بليلة الإسراء على مستوى العالم الإسلامي إنما هو اجتهاد وتقدير وإقرار العلماء.. فأصبحت العادة في أحياء الليلة والاحتفاء بها من طرف المسلمين منتظمة توارثها الخلف عن السلف، زمنا بعد زمن، ومازال الأمر قائما على حاله إلى قيام الساعة..
وإذ نتهيأ وأمامنا أيام قليلة فقط لتوديع شهر الرحمة والخير والبركات.. «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان».. نؤكد على أن الليالي الربانية التي أكرمنا الله بها في ظل أجواء إيمانية روحانية تعبدية خالصة.. ستنتهي قريبا لامحالة وكأن الشهر الكريم لم يكن شهرا بأيامه ولياليه، وقد فاز فيه من فاز وخسر فيه من خسر.. فهنيئا لمن صامه إيمانا واحتسابا امتثالا لأمر الخالق عز وجل وابتغاء لمرضاته..
خلاصة القول، فإن ما يجمع بين معجزة الإسراء والمعراج وشهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن هي الروح الإيمانية الخالصة برمزيتها وسمو معانيها وعمق دلالاتها.. أيام فقط وينقضي شهر العتق والغفران والصدقات والإحسان.. فاللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان واجعلنا من المقبولين الفائزين برحمتك يا أرحم الراحمين.. وصلى الله على سيد الأولين والآخرين نبي الرحمة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..
إدريس كردود