ظاهرة غريبة تنامت بشوارع المدن،وأحيائها: نساء جالسات على حافة الطريق، بجوار المحلات التجارية، أو بين السيارات عند علامات الوقوف…نساء يحملن أطفالا، يراقبن أطفالا يؤدون مهاما أنيطت بهم من طرف أمهاتهم!!!
هذا نوع أول فرض نفسه في سوق العمل، وأصبح أكثر درا للمال! والمفجع في الأمر أن هؤلاء النسوة لسن جميعهن أمهات لهؤلاء الأطفال، بحيث هناك مهنة دخيلة أخرى ، ألا وهي كراء الأطفال وفق برنامج زمني، ومالي محدد!
وأنا في طريقي، تألمت من مشهد يندى له الجبين: طفل ،وطفلة،في المرحلة الإبتدائية، في ساعة ينتظر أن يكونا في القسم، ولكن الطفلة تجري نحو السيارات المتوقفة، كما هو الشأن بالنسبة للطفل، وكلاهما يسألان الناس المساعدة.
قررت أن أنزل من سيارتي،وأحاول مساعدتهما.
لا الطفل ولا الطفلة يرغبان الإقتراب مني، طلبهم فقط هو ان أقدم لهم ما يحتاجونه. فعلت ذلك لكي يطمئنوا، وبدأت أطرح بعض الأسئلة مؤكدة أنني سأساعدهما.
في البداية، أخبراني بأنهما يتيمان، وليس لديهما بيت، ويعيشان بالتسول…سألتهم عن الدراسة، فأخبروني أن من يذهب للمدرسة لابد أن يكون لديه مال كثير…
لكل سؤال جواب عندهما، بل وبالإقناع. أخذت المبادرة، وفتحت باب سيارتي وقلت لهما:
” سوف أساعدكما، ستدخلان للمدرسة، وتحضون بأسرة تحبكم، وتتمتعون بطفولتكم وبجميع حقوقكم، تعالوا…”
كم كانت دهشتي لفرار الطفلين!!! ومع ذلك اقفلت السيارة وصرت أجري خلفهم، وأصيح:
” تعالوا ،لا تخافا، لدي جمعية، وأطفال وأعرف من سيساعدكما…”
استدار الطفل تجاهي قائلا :
” لسنا يتيمين…”
وإذا بامرأة ملتحفة، لايظهر منها إلا عينيها، رأيتها عندما انعرجت في الشارع،وكانت تجلس في أحد الأركان،اتجهت نحو الطفلين وأخذتهما. لكنني لحقت بها، ووبختها، عن عملها هذا ،وجرمها،في حق هؤلاء الأطفال.
السيدة تدعي أنها أمهما، والدهما مجهول، عملها هو توظيف أطفالها في حرفة التسول. لايهمها تمدرس ولا مستقبل، بل هي شغوفة بحياة الشارع ! حاولت نصحها، وتوعيتها بحقوق اطفالها، وحقوقها، وقدمت لها بطاقتي مع كل الحلول المتاحة ، بدأ بتسجيل الأطفال في سجل الحالة المدنية، بالإضافة إلى تأهيلها وإدماجها في سوق الشغل…وعدتني خيرا، ورأيت فرحة غريبة في أعين الطفلين، وأنا اتحدث مع أمهما عن كل الإمكانات والمستقبل الواعد بكل صدق وإخلاص…
مر أسبوع، ولم تتواصل! أخذت سيارتي وذهبت لمكانها، ولم أجدها!!! في كل مرة عندما أتوقف عند إشارة المرور،أبحث عنها وعن أطفالها، ولكن بدون جدوى، لابد أنها غير مكانها!!!
ولم يبق مكانها فارغا، لأن الوافدون عددهم في تزايد.
هذا، هو الصنف الأول الذي اختار الحياة السهلة، والتقاط الفتات، بتطوير آليات التسول، وخلق شبكات نفعية، للأمهات في البيوت! أمهات تعد أطفالها صباحا لتسلمه كي يمثل دور الإبن الضحية،مع أم ليس بأمه!!!
صنف آخر، لايقل خطورة عن الأول، عندما تزج الأم بابنتها في براثين الرذيلة، ابنتها القاصر!
لاتهتم بتمدرسها، ولا يهمها سوى المبلغ المالي الذي تعود به إليها! تشجعها، وتعلمها كل الحبائل الإبليسية،لإغواء الرجال، بل وتتعدى ذلك ، إلى إيصالها ليد الحبيب!!!
وضع الفتاة الصحي، أو النفسي، أو الإجتماعي …عرض الحائط، ولا ترى الأم وفي كثير من الحالات الجدة إلا العائدات المالية!
طفلة، ذات الخمسة عشر سنة، حامل! وما المشكل؟ سيقل الربح بضع شهور، ليتضاعف عند الوضع!!! خصوصا إذا كان الحميل أنثى!
جيل يتوارث الخبائث! جيل يورث لأبنائه،وأحفاده الرذيلة!
ويكتمل الحمل، ويصل وقت الوضع. تحمل الأم حقيبة من الأرقام الهاتفية للكافلين المغفلين، الذين وضعوا ثقتهم في هذه الأم. جلهم سهروا على أن يمر الحمل في ظروف صحية جيدة،ليكون الطفل سليما معافى!!!
اليوم هذه الأم تختار أثقل صندوق لتهبه الطفل بدون رحمة، ولا رأفة! غير مبالية بطفلتها “الأم” ولا بنفسيتها،ولا بصحتها! سيتكرر الأمر كما كان مع أختها.أين المشكل؟؟؟
الطفلة القاصر يعفيها القانون، والجاني الذي تخفي تعرفها عليه في أغلب الحالات.
من يجب أن يتابع؟
حسب عدد الملفات ،واللاوعي واللا مسؤولية،لهؤلاء الأمهات، الراشدات ،العاقلات، الغير منكرات لهذا الواقع،بل والداعمات له، والمشجعات عليه، لابد أن يتم مقاضاة مثل هؤلاء الإناث!
كلمة نساء وكلمة أمهات لا تليق بهن! الأم ليست من تلد! الأم مدرسة تعد الأجيال!
دعوة للمسؤولين لتشديد المراقبة ،لوقف هذا الزحف من المتسولين، والمتاجرين بالبشر، المنتهكين لحقوق أبناء هذا الوطن. ودعوة للمجتمع المدني، بعدما عبر في شهر الرحمة عن تضامنه،ومآزرته للمحتاجين،ومد يد المساعدة إليهم، لابد أن تستمر هذه الحملات بآليات جديدة، تمكن من تحقيق الإستقلالية المالية، من خلال التكوين والتأهيل، والتوعية بقانون الحماية الإجتماعية.
حلمي ألا أجد طفلا، او طفلة، في الشارع، أو يتسولون في مواقف السيارات، بعيدا عن مكانهم الطبيعي ألا وهو المدرسة،والأسرة.
ذ. وفاء بن عبد القادر
رئيسة جمعية كرامة لتنمية المرأة
مدربة وسيطة ومرشدة إجتماعية