عاشت قاعات الاجتماعات بفندق”سولازور” بمدينة طنجة، بحر هذا الأسبوع، على وقع ندوة اختتامية لمشروع “برنامج سياسات الترابية دامجة…مجتمع مدني موازي” الذي أنجزته جمعية الحمامة البيضاء بدعم وتمويل من الوكالة الأميركية لتنمية الدولة. وشكل هذا اللقاء فرصة لبحث سبل إدماج لأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك لمعرفة وضعيتهم الراهنة والآفاق المستقبلية.وعلى هامش أشغال هذه الندوة، أجرت جريدة طنجة حوارًا مع السيد عبد المالك أصريح، مستشار تقوية القدرات لجمعية الحمامة البيضاء والمنسق الوطني لأرضية التنسيق للشبكات العاملة في مجال حقوق الأشخاص، ذوي إعاقة بالمغرب وحاولت من خلاله التقرب مما تواجهه الجمعية من معيقات وتحديات، فكان معه هذا الحوار:
س ـ باعتبارك أحد الفاعلين الذين قدموا الكثير في مجال حقوق أشخاص ذوي الإعاقة وفي العمل الجمعوي ومن خلال تواجدكم الدائم والمستمروترافعكم على مجموعة من القضايا الذي تهم هاته الفئة، كيف تقيمون الوضع في المغرب وبالخصوص تزايد أرقام هذه الفئة ؟
ج ـ بطبيعة الحال، الوضع يمكن تلخيصه كعنوان عريض بأن هناك جهدا وأشياء تتحرك وتتغير، غير أنه على مستوى الوضع والآثار الفعلي على الأشخاص، ذوي الإعاقة، خاصة على صعيد المعيش اليومي، يتبين لنا أن هناك خصاصا كبيرا ووجود اختلاف، مما يجعل الجهد المبذول، منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، لاينعكس على أرض الواقع بشكل كبير.وهذا يعود بالأساس في تقديري الشخصي إلى تأثرنا للإشتغال على موضوع الإعاقة من ناحية السياسة الرسمية، بالإضافة إلى المنهجية التي نهجناها تاريخيا مع موضوع الإعاقة من كلا الجانبين والحديث هنا عن الجمعيات والدولة، فأغلب الجمعيات هي ذات طابع خيري، وبالتالي أغلبها كانت تنطلق من هذا المنطلق، ولم يكن هناك وعي حقوقي وسياسي في تلك الفترة، إضافة إلى أن الدولة نفسها كانت تأخذ الموضوع على أنه إحسان لهذه الفئة، ولم تكن الدولة تأخد هذا الأمر بمبدأ سياسة المواطنة، السياسة التي تقول بأن الموضوع هو أساسا حقوقي، إنساني، تنموي.
وإذا أردنا الإجابة على موضوع الأشخاص المعاقين لايمكننا الإجابة عنها إلا داخل الميزانيات والبرامج والسياسات، وبالتالي وقع تغيير جوهري في هذه المسألة سنوات 2008 و2009، بحيث بدأ الوعي خلال هاتين السنتين، إضافة إلى أنه مع بداية دستور 2011 الذي دستر التمييز على أساس الإعاقة، بالإضافة للفصل 34 من الدستور الذي يلزم على السلطات وضع سياسات عمومية في مجال حقوق المواطن، الشيء الذي أدى بالحكومة إلى تغيير تعاطيها مع مواضيع أشخاص ذوي الإعاقة، وعلى الرغم من ذلك لازالت هنالك اختلالات، بحيث ليست جميع القطاعات تعلم معنى الإعاقة، وليست جميعها تضع برامج، إضافة إلى غياب التنسيق فيما بينهم، أما على الصعيد المحلي، فهناك انعدام التواصل مع السياسة الحكومية المركزية، ناهيك عن وجود تمثلات سلبية حول الموضوع، مما يجعل الأمور تبقى متشعبة، وهو ماينعكس على وضعية المعاقين، وإذا عدنا إلى وضعيتهم، وفق آخر بحث أقيم سنة 2014، نجده يتحدث عن كون أكثر من 90% لايتوفرون على دخل، معدل البطالة للمعاقين يفوق المعدل الوطني بست مرات الأشخاص العاديين، نسبة التمدرس إلى حدود سنة 2014 كانت في حدود 40%، للأطفال الذين هم في سن التمدرس، وعند الوصول للإعدادي ينخفض العدد ل11 و13%، وينحدر أكثر في مرحلة الثانوية إلى أن يصل لأدنى مستوياته في المرحلة الجامعية لتصل النسبة ل 2%، وهذا لايتزحزح، منذ سنة 1995، وهذا هو الواقع.
بالنسبة لولوج التغطية الصحية، ونحن اليوم نتحدث عن الحماية الإجتماعية، %3 فقط من يتوفرون على التغطية الصحية في إطار الانخراط والبقية لايتوفرون عليها، لأن الانخراط قائم على العمل، التشغيل، الدخل وما إلى ذلك. إذن هذا هو الوضع كما هو، وبدورنا نحاول الآن داخل حركة الإعاقة تحريك الوضع القائم، مع تقديم الاقتراحات، نظرا لكون الجمعيات تطورت وظهرجيل جديد منها وظهرت شبكة الإعاقة، وأشخاص معاقون قائدون تمكنوا من الملف ولديهم تكوين، خبرات وصيت دولي وإقليمي، فالاتفاقية الدولية للأشخاص، ذوي الإعاقة، بفضلنا تمت وعبد ربه كنت ضمن الوفد المغربي الذي سافر إلى مدينة “نيويورك” لتقديم وصل التفاوض على الاتفاقية الدولية، فهذا التحول له أثر إيجابي، ونتيجته تظهر جليا اليوم من خلال مانسمعه من مرافعة الحقوق، المطالبة بالإدماج. وأكثر من هذا، فالأشخاص المعاقون هم من يقودون ملفهم المطلبي…
س ـ قلتم أن التربية ذات أهمية قصوى، إلا أنه في العديد من الأحيان نجد أن دور المؤسسات التربوية والتعليم ترفض الأطفال ذوي الإعاقة أوخلل ــ وهذا راجع إلى عدم التربية، بينما هذه الأخيرة هي من مسؤولية الأسرة، العائلة، المدرسة والمجتمع، فما قولكم؟
ج ــ أكيد، فهناك تربية في شقها البسيط، المتعارف عليه داخل الأسرة والمدرسة، بأن لافرق بين الأطفال عموما وهناك التربية على حقوق الإنسان والتربية على المساواة، بمعنى أن الدولة مطالبة بتفعيل هذه التربية وإدخالها في ذهنية وعقلية الناس الساهرين على تنفيذ القوانين وصياغتها وتنفيذ البرامج، بحيث إن ذلك المعلم أو المدير الذي يرفض تسجيل الطفل ذوي الإعاقة هو في الحقيقة لايحترم القانون والدستور معا، بل يرخي العنان لسلوكه الشخصي ويسقط تمثله حول الإعاقة، معتقدا أن ذلك الطفل المعاق، بغض النظر عما تقوم به الدولة، عليه أن يلج مكانه الطبيعي بمركز خاص بالإعاقة، لأن وجوده بالمدرسة العمومية لن يفيده في شيء، غير إضاعته للوقت، وأما خطورة هذا التمثل السلبي، فإنه يتحول إلى فعل تمييزي، إما في الموقف منه كشخص معاق أو في بعض الإجراءات التمييزية، كمنعه من اجتيازالامتحان أوعدم تمكينه من قاعة معينة.. وهذه مسؤولية الدولة وهؤلاء الأطرهم موظفون عموميون للدولة. اذن يجب عليهم إدخال في برامجهم مسألة التربية على حقوق الإنسان والتربية على المساواة، بالاضافة إلى ضرورة زجرهم في حالة تقصيرهم وإصرارهم على ممارسة سلوك تمييزي، إذ هناك قانون جنائي يعاقب على هذه التهمة بسنتين سجنًا نافذتين.وكذلك على ذوي الحقوق الاتجاء إلى آليات الانتصاف،الآليات الوطنية لحقوق الانسان، آليات حقوق المعاقين، المحاكم وآلية لجنة الأمم المتحدة،علمًا أن بها عضوية مغربية وذلك لتقديم شكاياتهم.
س- مراكز التكفل بهؤلاء الأشخاص هل هي كافية بالمغرب وباحتياجاتهم ؟
ج. طبعًا المراكزموجودة وتاريخيًا فالعمل مع الأشخاص المعاقين هو عمل يكون مع المراكز،التابعة للجمعيات. وهنا سأعيد طرح سؤال بطريقة أخرى، هل نحتاج إلى مراكز اليوم ؟ فعطفاً على ما سبق قولي، أعتقد أن معالجة حقوق المعاق يجب أن تكون في السياسات والبرامج والميزانيات، هذا السؤال الأول. وبعبارة أخرى، ماطبيعة البرامج التي نحتاج اليوم؟ هل مراكزنهاية الخمسينيات من القرن الماضي؟ أم هي مراكز السبعينيات؟ أم الثمانينيات؟ على كل حال، فعندما يتعلق الأمربالمناطق النائية، فليس هناك حل غير توفيرالمراكز، خاصة بالنسبة للحالات العميقة والإعاقات المركبة، إذ لابد من التربية المختصة والمصلحة الفضلى للطفل، لابد من مراكز الترويض والمرجعية الدامجة وتطوير الممارسات وإنتاج اقتراحات وبالتالي تسويقها لمراكز البحث والتوثيق ومراكز الترصيد وتثمين الممارسات الجيدة، ذلك أن الوزارة تراهن على مراكز تكوين وخبرة ومراكز مواكبة الفاعلين المتدخلين في التربية الدامجة، مراكز لتقديم بعض الخدمات المركزة في بعض الإعاقات. وأعتقد أن التحولات التي وقعت في الوطن والعالم تفترض هذا النوع من التغييرعلى مستوى المراكز، إذا هذا هو نوع المراكز التي نطمح إلى أن تكون بالمغرب. أيضا هناك ظاهرة أخرى أو إشكال حقيقي، يتمثل في مجموعة من الأطفال واليافعين المعاقين المتخلى عنهم، مستشفى القرطبي نموذجا وكذلك يوجدون بتطوان وتارودانت وأكادير، حيث يحتاجون إلى مراكز ومؤسسات شبه أسرية، أي وضع 5 أفراد في كل منزل بالقرى، مثلا، فتعتبرمربيتهم أما لهم والمدير أبا لهم كذلك، وقد ينسجون علاقات مع أبناء الدّوار يكونون من غير المراكز .وهكذا تستحسن خدمة الإعاقة العميقة.
س. باعتباركم منتميا إلى المجال ومترافعا قويا فما هي أهدافكم ؟
ج. الأهداف واضحة، فعلى المستوى الشخصي هناك دوافع إنسانية، فنحن عشنا إعاقة في ظروف معينة أضاعت منا أشياء كثيرة، لكن استطعنا إثبات ذواتنا، بفعل العائلة وبفعل المدرسة، نحن مجموعة من القياديين بمن فيهم، رشيد الصباحي، أي أتحدث عن نهاية الستينات ولانريد أن يتكررماوقع في المغرب، خلال السبعينات.
كلمة أخيرة
لازالت الحاجة إلى بذل مزيد من الجهود وذلك بالنظرإلى المنهجية التي يتم الاشتغال بها لفائدة المعاقين وأختم بكلمة المواطنة، ثم المواطنة. وأقول دائما لاتبخس نفسك ولاتتنازل عن مواطنتك ولا تقدّم نفسك في وضعية دونية. صحيح أن هناك ظروفا معينة وتحديات وكذلك هشاشة بنيوية، لكن هناك حداً فاصلاً يتجلى في الكرامة. ونحن على مشارف الانتخابات، أقول للأحزاب وللمنتخبين وللمنتخبات، إذا أردتم استغلال الأشخاص المعاقين، فعلى الأقل استغلوا طاقاتهم وكفاءاتهم وليس هشاشة بنيتهم.
خولة الناصري