يبدو أن اهتمام بريطانيا العظمى بمشروع الربط القاربين أوروبا وإفريقيا عبر مضيق جبل طارق، عجل باستئناف المشاورات بين إسبانيا والمغرب، بشأن مشروع الربط البحري عبر مضيق جبل طارق، الذي انطلق منذ 42 سنة، والذي شكل له البلدان شركتين الأولى مغربية تحمل اسم: الشركة المغربية للربط القار عبر مضيق جبل طارق، (سنيد)، عهد برئاستها لسمو الأمير الراحل مولاي الحسن بن المهدي، والثانية إسبانية، “الشركة الإسبانية للدراسات من أجل الربط القار عبر مضيق جبل طارق (سيسيغسا) وتولى رئاستها جد ملك إسبانيا الحالي، الأمير خوان دو بوربون.
هذا المشروع تخطى اليوم مراحل الدراسات التقنية والميدانية، عبر ارتباطه بالعديد من مكاتب الدراسات العالمية المتخصصة في هذا النوع من منشآت الربط البحري عبر القناطر المعلقة أو الأنفاق البحرية الجوفية، ليقترب من محطة التنفيذ، بعد توفير وسائل التمويل الذي أعلنت منظمات عالمية، ومنها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، استعدادها للمشاركة فيه.،
وقد نظمت الشركتان عددا من المنظمات الدولية في موضوع الربط القار على مضيق جبل طارق شاركتُ شخصيا في المناظرة التي عقدت بطنجة والمناظرة التي عقدت بفندق ” أوروربويلدين” بمدريد، المطل على ملعب” برنابيو” ، بوصفي صحافيا، أولا، وأيضا مترجما في خدمة المشاركين المغاربة.
وتزامنا مع أنباء روجها الإعلام الإسباني( جريدة” إيل إيسبانيول“)
حول انزعاج إسبانيا من إعلان بريطانيا العظمى عن اهتمامها بربط بحري مباشر بين المغرب وصخرة جبل طارق، خاصة بعد دخول اتفاقية شراكة واسعة بين البلدين حيز التنفيذ، في أعقاب “البريكسيت“/ فقد تم هذا الأسبوع لقاء عن بعد بين وزيري النقل في البلدين، عمارة وأبالوس،قالت وسائل الإعلام الوطني إن الغرض من هذا اللقاء إعادةُ تفعيل مشروع الربط القار بين طنجة و طريفة على مقربة بالجزيرة الخضراء، وبالضبط في رأس “بالوما“.
تصريحات الوزير المغربي بهذا الخصوص، كانت “متجاوزة” وتنتسب إلى “أدبيات القرن الماضي“، كقوله إن هذا الربط البحري القار لن يكون بين دولتين فقط، بل بين قارتين، وأن المغرب “سيكون حلقة وصل بين أوروبا وإفريقيا“…وأنه “مشروع هيكلي استراتيجي” يسعى البلدان لإنجازه خلال السنوات المقبلة. كلام للكلام…… دون جديد، والحال أن المشرع شبه جاهز, وطبعا أضيفت للخبر تعليقات “روتينية” تجتهد فيها دواوين الوزراء، من قبيل “تأكيد رغبة الوزيرين في العمل من أجل تعزيز التعاون” !
إن بناء ربط ثابت بين ضفتي المتوسط، كان حلما يمتد من العصور الأسطورية إلى الوسطى وفقا لمراجع جمعها المؤرخون والجيولوجيون العرب والذي بدأ يتشكل عند نهاية القرن التاسع عشر لتنطلق عمليات إعداد تصورات لهذا الربط بين القارتين، من طرف خبراء وجيولوجيين . ليعرض على “مجلس الأشغال الاسباني” سنة 1869، أول تقرير علمي في الموضوع.
وتوالى بعد ذلك الإعلان عن مشاريع لهذا الربط، منها ما تعلق بالنفق المحفور(1908)، أو الأنبوب المغمور (1927) أو الجسر المعلق (1929) ومشاريع أخرى تسير على نفس هذا المنوال.
وبداية من سنة 1972، وكنتيجة لنجاح مشاريع مماثلة، خاصة نفق “سيكان” باليابان، تكون لدى المغاربة والأسبان اقتناع بإمكانية تحقيق هذا المشروع، حيث صدر، بتاريخ 16 يونيه 1979 إعلان مغربي إسباني تعهد فيه الطرفان بالقيام، بشكل مشترك، بالدراسات اللازمة لبلورة مشروع الربط القار بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق.
وقد استهدفت الدراسات الأولية الحصول على بيانات في مجالات البيئة المادية والفنية والقانونية للمجال البحري، وتحديد البدائل الممكنة الحلول التقنية الضرورية ليتم ، بعد عمليات التقييم، استنتاج بديلين اثنين: الجسرُ المعلق أو النفق المحفور. إلا أن حل النفق كان الأكثر قابلية للتطبيق عبر حفره تحت قاع البحر، مشابها لنفق “المانش” بين فرنسا وبريطانيا العظمى. وتم إثر ذلك إنجاز عمليات تجريبية عبر حفر بئرين في ساحل طريفة ومجموعة آبار في منطقة مالاباطا بطنجة، لتنطلق مجموعة من الدراسات الجيولوجية والتقنية والفنية، عن عمق 300 متر تحت الماء. ويتم سبرُ أزيد من 3000 متر في قاع البحر.
وما بين سنة 2006 و 2010، تم تقييم المعلومات المعرفية المحصل عليها التي تم استغلالها في إعادة صياغة المشروع..
وبناء على النتائج المحصل عليها خلال هذه المرحلة، تم تدقيق البيانات المتوفرة حول البيئة المادية للمضيق ، وتقنيات الرصد والتنقيب، كما تم تقييم الدراسات الاجتماعية والاقتصادية ودراسة آثار المشروع على العلاقات المغربية الإسبانية، وتقرر إنشاء مرصد لحركة الركاب والبضائع في ممر المعبر عبر المضيق.
وكان آخر لقاء بين الجانبين حول موضوع الربط القار عبر المضيق، سنة 2009، ولكن العمل ظل متواصلا، بين خبراء الشركتين المغربية والإسبانية، ليتم الإعلان، الأسبوع الماضي، عن “العودة” لمشروع الربط القار بين المغرب وإسبانيا، اللذين تشهد علاقاتهما بعض الاحتقان في الوقت الراهن.
عزيز كنوني