إن كان التسول والتشرد آفة من الآفات الاجتماعية الخطيرة تهدد الأسر والمجتمعات، فهي تعود لأسباب كثيرة ومتعددة، من بينها المشاكل التي تتخبط فيها الأسر، ولاسيما ما يترتب عن الطلاق من التخلي عن الأطفال وإهمالهم، أو غياب أو وفاة الوالدين، أو سوء المعاملة، أو التحرش الجنسي إلى غير ذلك من العوامل والأسباب المؤثرة على الحياة الاجتماعية، كتدني المستوى المعيشي والانكماش الاقتصادي وانخفاض القوة الشرائية للأسر، وتدهور مستويات التعليم، واختفاء القيم.. ونرى في مقدمة ذلك العوامل الاقتصادية المرتبطة بانتشار مدن الصفيح التي أصبحت تفرز بالدرجة الأولى تشرد الأطفال والمتسولين، فضلا عن عوامل أخرى المتمثلة في التعود على التسول، أو الانتماء إلى الأسر المحترفة له، والتي تهمل أطفالها بسبب الهشاشة والفقر، وصعوبةالحصول على عمل، كما هو الحال بالنسبة للهجرة القروية نحو المدن، التي تساهم بنسبة أكبر في التسول والتشرد؛ فالبدوي عندما ينتقل إلى المدينة بهدف تحسين وضعه الاقتصادي يصطدم بصعوبات جمة في التكيف مع الأوضاع الجديدة وفي الحصول على عمل، وحتى وإن حصل عليه فعندما يفقده يصبح عالة على نفسه وعلى المدينة، فيأخذ القدوة السيئة في التسكع والتشرد والتسول، أو قد تقوده الظروف الصعبة إلى التسول لجني المال بدون عناء، ويصبح ملاذا له ويستمر في مشوار التسول.
ومن هنا تبدأ معاناته مع المجموعة التي أصبح ينتمي إليها مع قانون العقوبات الذي يجرم هذه الأفعال، فتقوم مصالح الشرطة القضائية والأجهزة الأمنية تحت إشراف النيابة العامة بحملات تطهيرية للأزقة والشوارع لملاحقة المتسولين، ويتابعون بتهم مرتبطة بجنح التسول، وأحيانا تكون هذه التهم مقترنة بجنح السرقة ومحاولتها والتهديد والابتزاز.
لكن حسبما يبدو أن هذه المتابعات تفتقر إلى الصرامة والضرب على الأيد نظرا لكون جل الملفات في هذا الصدد يتابع فيها المتسولون في حالة سراح، وقد تصدر تعليمات بنقلهم إلى مراكز الرعاية الاجتماعية، ولا يتم اعتقالهم إلا في حالة ما إذا كانت الجنح المنسوبة إليهم قد اقترنت بالتهديد أو السرقة أو الابتزاز أو استغلال الأطفال، وبسبب هذا الاقتران يواجهون شبح العقوبة السالبة للحرية وغرامات مالية لفائدة الدولة.
وبالرجوع إلى مجموعة القانون الجنائي، فإن هناك فصول تعاقب المتسولين بعقوبة حبسية سالبة للحرية. وحسب الفصل 326 فالعقوبة تتراوح من شهر إلى ستة أشهر حبسا، كل من كانت لديه وسائل العيش أو كان بوسعه الحصول على عمل لكنه تعود على ممارسة التسول بطريقة اعتيادية، وهناك فئة أخرى من المتسولين تواجههم عقوبة حبسية تتراوح ما بين ثلاثة أشهر حبسا إلى سنة نافذة حسب الفصل 327، في حالة ما إذا ارتبطت الأفعال بالتهديد أو التظاهر بمرض أو عاهة، وتُشدد العقوبة في الحد الأقصى إذا تعود المتسول على اصطاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه، أو الدخول إلى مسكن أو أحد ملحقاته دون إذن مالكه أو شاغله، كما يعاقب القانون التسول بشكل جماعي إذا كان يتكون من الزوج أو الزوجة أو الأب أو الأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العجوز أو من يقودهما.
وهناك عقوبات حبسية تضمنها الفصل 327 من القانون الجنائي وتنطلي على المتسولين الذين يستخدمون أطفالا تقل أعمارهم عن 13 سنة، غير أنه رغم هذه العقوبات الزجرية المنصوص عليها في القانون الجنائي المغربي، فهناك إكراهات تواجه المصالح الأمنية في ملاحقة المتسولين بسبب غياب الآليات والوسائل الناجعة لمحاربة الظاهرة، مما يجعل هذه المصالح وكأنها أمام لعبة القط والفأر، فسرعان ما يعود هؤلاء المتسولون إلى زوايا وأركان الأزقة والشوارع بعد إطلاق سراحهم من طرف النيابة العامة أو إصدار عقوبات حبسية مخففة في حقهم، والغريب في الأمر يتبين من هذه الشريحة أنها ترفض البقاء في المؤسسات الخيرية التي يحالون عليها، ولعل ذلك يرجع إما لكون دور الرعاية الاجتماعية لا تستطيع إيواء جميع المتسولين المحالين عليها من قبل المصالح الأمنية وهيئات المحاكم وإما لضعف وافتقار إدماجهم في فضاء هذه المؤسسات بشكل يضمن لهم الاستقرار والتحسس بالكرامة والعناية، وإما لكون هذه المراكز غير مفعمة بالحياة حتى يجد المتسولون ملاذهم فيها، ولا يفكرون قي العودة للأزقة والشوارع، لأنهم يكونون في حالة إدمان على التسول، وهذا يتطلب توفير شروط خاصة من شأنها أن تجعلهم في مأمن مريح يساعدهم على البقاء في مراكز الإيواء.
ومن جهة أخرى، يبدو أن الأمور تزداد صعوبة لمواجهة هذه الظاهرة رغم التدخل السريع للأجهزة الإدارية بجميع مقوماتها وتزويدها لهذه الآليات بأسطول يدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لملاحقة المتسولين والمتشردين بالشوارع العمومية قصد نقلهم إلى مراكز الإيواء، إلا أن كل الإجراءات المتخذة تبقى غير كافية بسبب التزايد المستمر للمتسولين، وكذا تزايد المهاجرين الأجانب المنحذرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء واللاجئين السوريين.
ومن هنا نتساءل عن الوضع الحالي للانكماش الاقتصادي، وتراجع التنمية البشرية والسياسة العمومية التي نهجتها الدولة والذي أظهر تشريحها تزايد الهشاشة الاجتماعية وسط فئات عريضة من المجتمع المغربي، وغياب العدالة الاجتماعية الناتجة عن سوء التوزيع العادل للثروة.
ولنا عودة مع النص التشريعي فيما يخص التشرد، فقد نص عليه المشرع في الفصل 329 من القانون الجنائي، وعرفه بكون المشرد ليس له محل إقامة معروف ولا وسائل للعيش، كما أنه لا يمارس أي عمل رغم قدرته عليه.
ومن هذا الفصل تبرز العناصر المكونة للجريمة كالتالي :
عدم التوفر على مسكن لإيوائه ولا على وسائل للعيش، وعدم مزاولته لأي عمل رغم قدرته عليه، وهو نفس المقتضى المتعلق بجريمة التسول.
ويلاحظ أن جريمة التشرد تتشابه إلى حد ما بجريمة التسول، إلا أنها تختلف عنها في بعض الجوانب، في كون التسول ينصب عادة على طلب الإعانة والمساعدة على التعيش رغم القدرة على العمل والتحصل على وسائل العيش بطرق مشروعة، في حين أن التشرد ينصب حول عدم توفر الشخص على مأوى ووسائل العيش، وكونه لا يزاول عادة أي عمل رغم القدرة عليه.
والعقوبة المقررة لجريمة التشرد هي الحبس من شهر إلى ستة أشهر.
غير أن هناك جرائم مرتبطة بالتسول والتشرد وتتداخل فيما بينها من حيث العقوبة الزجرية، وذلك حسب مقتضيات الفصل 330 الذي يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين الأب أو الأم أو الوصي أو المقدم أو الكافل أو المشغل، ولكل من له سلطة على طفل، أو من كان يقوم برعايته، وقام بتسليمه لمتشرد أو متشردين أو متسول أو متسولين، وتطبق نفس العقوبة على كل من سلم الطفل أو اليتيم المكفول أو الطفل الخاضع للكفالة أو المتعلم، أو حمل غيره على تسلمه للمتسولين أو للمتشردين، أو حرضه على مغادرة مسكن أهله أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو مشغله أو الشخص الذي يقوم برعايته ليتبع متسولا أو متسولين أو متشردا أو متشردين.
ويعاقب الفصل 332 كل متشرد يرتكب أو يحاول ارتكاب أي فعل من أفعال العنف على الأشخاص أيا كان نوعه، إلا إذا كان يستحق عقوبة أشد بسبب طبيعة هذه الأفعال، تطبيقا لنص قانوني آخر، بعقوبة حبسية تتراوح بين سنة و5 سنوات، بالاضافة إلى إمكانية الحكم بالمنع من الإقامة مدة خمس سنوات على مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصل 331 و322 من القانون الجنائي المغربي.
الأستاذ محمد الخراز