بينما اعتبر حكم محكمة طنجة، منذ أربع سنوات، حول ثبوت النسب لطفلة عن طريق الحمض النووي، حكما “تاريخيا” لأن العلم الدقيق في هذه الباب لا يحتمل التأويل، وهو الحكم الذي وُصف بـ“السابقة” قبل إلغائه من طرف محكمة الاستئناف التي استندت على مدونة الأسرة، بخصوص البنوة غير “الشرعية” التي لا يترتب عنها أي أثر شرعي بالنسبة للأب وبالتالي تنسب الطفلة لأمها التي تتحمل تكاليف تربيتها وتعليمها، إن حق لها الالتحاق بالمدرسة، واستطاعت مواجهة “نظرة المجتمع الدونية” دون أن يكون لها ذنب فيماحصل.
محكمة النقض رفضت دعوى الأم، ما ترتب عنه إلغاء نسب الطفلة التي كانت نتاج “فساد” في مفهوم القانون !
ومع أن أحكام المحاكم محصنة قانونا، إلا أن قرار محكمة النقض أثار العديد من ردود الفعل المستاءة ، خاصة المنظمات النسائية والحقوقية التي طالما انتظرت أن يصل “الاجتهاد” في باب ثبوت النسب، إلى الاعتماد على العلم، حيث تعين نتائج الحمض النووي، على إيجاد مخرج لأزمة أسرية يكون الأطفال ضحاياها دون ذنب اقترفوه ولا مسؤولية تحملوها فيما نتج عن علاقات يضبطها الحلال والحرام في المجتمعات الاسلامية.
ويرى المستاؤون من قرار محكمة النقض، أنه كان على المحكمة الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعطيات والقرائن، منها الخبرة الجينية، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الطفل، ومضامين الدستور التي تنص على أن من مسؤوليات الدولة “توفير الحماية القانونية، والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية”
ويرى عدد من المتخصصين أن بعض الاجتهادات الفقهية في هذا المجال أصبحت متجاوزة ، لأنها لا تقيم وزنا للعلم الذي يكفينا اليوم الخوض في متاهات ثبوت النسب بالفراش أوالقيافة، أو الإقرار أو حكم القاضي، وهي أدلة لم يتم إجماع المذاهب عليها، فقد حصل شبه اتفاق على أن الزواج “الصحيح” يتم إما بالإقرار، أو البينة .
ومنذ بضعة أيام أصدرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء، قرارا يقضي بثبوت نسب ابنة مزدادة في إطار علاقة زواج، قيل إنها صحيحة ولكنها “غير موثقة“، وذلك بالاستناد إلى “بينة السماع” كوسيلة إثبات.
وجاء في قرار المحكمة أن “موجب النسب المذكور أعلاه (بينة السماع) يُعتبر عاملا في إثبات نسب البنت”، كما رأت أن “نسب البنت ثابتٌ لوالدها من خلال رسم الولادة المدلى بها مما يبقى معه الطلب مؤسسا قانونا ويتعين الاستجابة لمشروعيته.
يجب الاعتراف بأن قضاة المحاكم لهم اقتناعاتهم التامة بما يصدرونه من أحكام، ولهم أيضا الحق في تأويل النصوص بما يرونه حقا وعدلا، إلا أن الجمهور له تقييمه للأحكام التي لا يمكن بأي حال من الأحوال انتقادها إلا عن طريق المسطرات المعروفة.
وفي هذا الصدد، عبرت منظمات نسائية مناضلة، عن خيبة أملها فيما كانت تنتظر من اجتهاد قضائي يراعي حقوق الأطفال المزدادين خارج ما يصرون على وصفه بالزواج “الصحيح” والحال أن الأمر نسبي في كل الحالات وقابل للاجتهاد، مسايرة لتطور العلاقات داخل المجتمعات الحديثة، وتغير المفاهيم والمعتقدات الاجتماعية، ودخول آليات قانونية علمية جديدة لتضع حدا للاجتهادات الفقهية القديمة التي تنبني على أقوال الفقهاء وتصوراتهم للحياة وفهمهم الخاص للنصوص الدينية، وللعلاقات الزوجية وللأطفال ، خاصة الذين ولدوا، لظروف خاصة، لا ينبغي إغفالها، خارج الإطار المرسوم.
وإذا كانت تلك حقوق الطفل “مضمونة” بالقانون، فإن الأمر يختلف بالنسبة للأبناء “الطبيعيين” الذين تم إنجابهم “خارج الإطار“، والذين يعاملون بنوع من الجفوة، وينظر إليهم المجتمع نظرة ازدراء واحتقار بالرغم من أنهم أبناء طبيعيون، خاضعون لقانون الطبيعة التي تسري على كل الكائنات الحية دون قانون محدد. وإن كل ما يحصل عليه الطفل الطبيعي هو نسبه لأمه وهو مبدأ يعود إلى القانون الروماني، والحال أن كل التشاريع السماوية أنكرت على الطفل الطبيعي حقه في النسب والميراث أو النفقة وغير ذلك من الحقوق..لأن العلاقات الطبيعية لم يتم تثقيفها ووضعها في إطار قانون محدد.
ومع ذلك، فإن جهات تضم ناشطين وقضاة ومحامين وأساتذة جامعيين تسعى إلى العمل على إلغاء التمييز بين البنوة الناتجة عن زواج “رسمي” وتلك الناتجة عن علاقات خارج “الإطار“. وفي هذا الصدد، سبق لنائب رئيس جامعة القرويين السيد إدريس الزعري المباركي أن أدلى بتصريح لإحدى الإذاعات الدولية، سنة 2014، معتبرا أن لهذه الفئة من الأطفال كامل الحقوق مثلهم مثل الأطفال الشرعيين، وأن تلك الحقوق تشمل الجنسية والكفالة والنفقة التي تكون إما نفقة الأم أو بالتزام شخص ما بالإنفاق على الطفل، إضافة إلى مجموعة من الحقوق الأخرى.
وأضاف أن الإسلام يشجع على رعاية هؤلاء الأطفال إما عن طريق الصدقة أو التكفل. إلا أنه أوضح من جهة أخرى أن الاختلاف يقع في جانب الإرث إذ أن الطفل المولود خارج إطار الزواج، يرث من أمه فقط ولا يرث من أبيه عتبارا لأن أباه غير معروف.
وماذا لو كان الأب معروفا علميا، وكان نسب الطفل موثقا بالحمض النووي الذي لا يمكن الطعن فيه إطلاقا.؟ !!!….
سمية أمغار