في الوقت التي أوصدت فيه المكتبات وفضاءات القراءة أبوابها، ولم يعد الإنسان حرا في الاستفادة من وقت فراغه في الهواء الطلق كالمعتاد، توجب تسخير الطاقة الكامنة بين طيات الكتب لقتل العزلة،وتوطيد أواصر الصلة بين بني البشر، وتوسيع آفاقنا، وتحفيز أذهاننا وإطلاق العنان للإبداع الكامن فيها.
ولبعث رسالة تسخير الوقت للقراءة سواء بشكل فردي أو جماعي مع الناشئة كفئة مهمة لبناء مجتمع واع يعزز مكانة الثقافة في حياته، وزراعة حب الأدب من جهة وتقديس الكتاب من جهة أخرى.
ونحن نعيش الأسبوع الماضي على إيقاع ” اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف” الذي يصادف 23 أبريل من كل سنة، ومن أجل الاحتفال والاحتفاء والتشجيع على القراءة نظمت جمعيتا ” عين اقطيوط للتربية والقراءة و جمعية رنشهاوسن للتنمية البشرية ” بشراكة مع ” المعهد المتوسطي الديمقراطي للتنمية والتكوين ” أمسية أدبية دسمة تمثلت في تنظيم لقاء تواصلي ” عبر تقنية زووم” وعبر صفحات التواصل الاجتماعي “فايسبوك” بهدف الارتقاء بالكتاب والتشجيع على القراءة كتعبير راق لإرادة خروج الفرد من ذاته للتواصل مع الآخر والعالم.
وانطلقت هذه الأمسية الأدبية بمداخلة لرئيس ” مؤسسة عبد الله كنون ” د.” محمد كنون الحسني” والذي قدم قراءة في كتاب ” النبوغ المغربي في الأدب العربي” لمؤلفه المرحوم ” سيدي عبد الله كنون”، وذكر من خلال هذا اللقاء الذي يروم إلى تشجيع القراءة وتنشيط الحركة الثقافية بالمدينة وتعريف الأجيال القادمة بجهود آبائهم وأجدادهم في خدمة الكتاب والعلم والوطن مستحضرا كتاب ” النبوغ المغربي في الأدب العربي ” الذي ترك بصمات واضحة في تاريخ هذه المدينة وتاريخ المغرب بصفة عامة، بحيث يرسخ التوابث الدينية والوطنية،والتلاقح بين أدباء المغرب والمشرق، وبين شعراء المغرب والأندلس،ناهيك عن استحضار علاقة ملوك هذه الدول. ويعتبر مؤلف ” النبوغ المغربي في الأدب العربي” للمرحوم ” سيدي عبد الله كنون” استحضار لأمور تحدث عنها الفقهاء والعلماء لرؤية الواقع، وتحدث أيضا عن تاريخ الأدب المغربي ورجالاته.
ثم تناولت بعد ذلك الكلمة ذ.” راضية العمري” المحامية بهيأة طنجة مستعرضة روايتها ” مدن الحلم والدم ” مستهلة حديثها عن تيمات تضمنتها الرواية والتي تعبر عن معاناة بطلة القصة مع الفقر ،الهجرة ،العنف والإرهاب، هذه الرواية تنحاز إلى قضايا الإنسان، حيث تقدم تشريحا عميقا لوضعية المرأة، كما أن فصولها تدعو للسلم وقبول الآخر المختلف وهي رسالة بارزة تضع مدن الحلم والدم موضعا مميزا بين أعمال سردية قدمها آخرون.
أما المداخلة الثالثة فكانت للدكتور ” محمد نافع العشيري” أستاذ التعليم العالي، مساعد بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل،والذي قدم عصارة فكره في مرحلة الحجر الصحي عبر رواية ” الأنجري” وهي عبارة عن رحلة لاكتشاف الذات والسفر عبر أثير الذاكرة إلى مرتع الصبا في قرية الزميج في قبيلة أنجرة شمال المغرب، ثم الحديث عن أزقة طنجة النهارية لكسر الصورة النمطية عكس ما نقلته رواية الخبز الحافي لمؤلفها ” محمد شكري” الذي وصف خبايا طنجة الليلية، كما عرج الدكتور ” نافع ” لوصف أزقة طنجة القديمة في رحلة اختلط فيها التاريخ بالحاضر والجسد، وينتقل ” الأنجري” فيها من مقام إلى بحر في رحاب الحياة إلى ظلمة موحشة باحثا عن ذلك النور في نهاية النفق.
ومسك ختام هذه اللمة الأدبية بامتياز كانت الكلمة فيها للقاصة الشابة ” راضية الكويسي” وهي خريجة هندسة الطرائق من كلية العلوم والتقنيات بطنجة والفائزة بالمرتبة الثانية على الصعيد العربي في مسابقة القصة القصيرة التي نظمتها “مجلة فن السرد” والتي قدمت قراءة في رواية العبرات ” لمصطفى المنفلوطي”.
ليسدل الستار عن هذا السمر الأدبي بامتياز بكلمة رئيس ” جمعية عين اقطيوط للتربية والقراءة ” الأستاذ ” محمد العربي بن رحمون” والذي أكد على أن الكتاب منذ الأزل الحجر الأساس في صناعة المعرفة، ومن هنا تنبع ضرورة الاهتمام بهذا القطاع تعريفا وترويجا،وفهم بالتالي الصلة الوثيقة التي تربط الكتاب والمجتمع من جهة،وبين الكتاب وفعل القراءة من جهة أخرى.كما اختتم كلمته قائلا ” لا يسعني في هذه الظروف إلا أن ندعو الطلبة والمعلمين والقراء بالعالم العربي بالإضافة إلى الفاعلين في مجال صناعة الكتب والخدمات المكتبية إلى مشاركة تجاربهم والتعبير عن مدى حبهم للقراءة، وهذه المائدة الأدبية التي ضمت أسماء وازنة في الأدب المغربي بمشاركة الشباب ما هي إلا رسالة نبعثها فحواها خلق مجتمع واحد قائم على المشاركة في قراءاته ومعارفه.