انشغل الناس في بلدي ، هذا الأسبوع، بملصقات “زين” بها أصحابها، جدران بعض شوارع طنجة، صباح الأحد الماضي، تحمل كلاما “مشينا” في حق بعض الأسر، بسبب أحكام قيمة، بخصوص لباس بعض فتيات ونساء المدينة !
هذه الملصقات لا يصعب تصور مصدرها، والجهات التي تقف وراءها والفكر الذي بنيت على أحكامه، لأن الأمر واضح، ولا ينبغي أن يعطى فوق ما يستحق من الاهتمام.
بيد إن هناك الكثير من الحقائق يجب الوقوف عندها في صياغة ردود الفعل. أهمها الاعتراف بحق كل مواطن في أن تكون له فكرة شخصية عن المرأة التي شغلت الفقهاء والعلماء والزهاد والشعراء على مدى أربعة عشر قرنا، منهم من انشغل بجمالها، ومن اعجب بدلالها ورقتها وابتسامتها وسحرها ورشاقتها ولينها ومفاتنها، وحبة الخال على أحد خديها وغمازتيها عند التبسم، ومن الفقهاء والزهاد من نظم فيها شعرا غزليا كالإمام الشافعي والحسن البصري وهو إمام وقاض، وابن عتبة، وهو أحد أئمة المدينة المنورة السبعة، وعبد الوهاب المالكي أحد شيوخ المطهب المالكي، الذي قال في إحدى قصائده:
ونائمةٍ قبلتُّها فتنبهت ***فقالتْ : تعالوا واطلبوا اللِصَّ بالحدِ
فقلت لها أني فدُيتكِ غاصب***وما حكموا في غاصبٍ بسوى الرّدِ
فقالتْ ألمْ أخُبْر بأنك زاهدٌ ***فقلت بلى ما زِلتُ أزهدُ في الزهد !
بمعنى أن عشق النساء فطرة في الأنسان أما المشكل فهي أن الذكر كان يستقوي ببنيته البدنية، وبتقاليد قبلية متوارثة، اعتقد أنه الأقوى وبإمكانه “امتلاك” المرأة والتصرف في كل تفاصيل حياتها كما يشاء ، لا كإنسانة، بل كـ “جارية” “ناقصة عقل ودين” وكرامة وشخصية !
إلا أن الوضع تغير وتطور بتطور الإنسان ومفاهيمه للمجتمع بعد أن “غادر القبيلة” إلى المدينة والمدنية، الأمر الذي فرض علي الذكر والأنثى معا، أنماطا جديدة للحياة والتعايش، لتنتفي جهالة جهل الجاهلية، وتحول محلها منظومة الأخلاق والحقوق التي يجب احترامها لتستمر الحياة !….
قلت في بداية هذا العمود إن لكل الحق في أن تكون له أفكاره وتصوراته للحياة وأحكام القيمة التي يكونها عن الناس والمجتمع، ولكل الحقُ في التعبير عن رأيه ورؤيته للحياة من منطق إيمانه بما يراه صوابا….. ولكن المشكلة ليست في حرية الرأي، وهو أمر مكفول بإرادة الشعب، ولكن المشكل في أسلوب التعبير عن هذا الرأي !
ذلك أن” المدنية” التي هي نتيجة لتفاعل العديد من الأوضاع والحالات التاريخية و المجتمعية، تفرض قواعد متحضرة لمخاطبة الناس، وعلى رأسها التوفر على “صفة” تؤهله لذلك. ثم الحرص على ألا يسيء لأحد، ولا يمس بكرامة أحد ولا يصف أي أحد بما يعتبر سبا أو ذما أو إهانة، ما دام الهدف هو إثارة الانتباه إلى أمورفي المجتمع يرى من وجهة نظره أنه ينبغي تغييرها. والأهم من كل ذلك، عدم التدخل في حياة الناس الخاصة واختياراتهم وسلوكهم وطريقة تعاملهم مع الأنظمة الحياتية التي اختاروها لهم ولأسرهم ما داموا يحترمون القوانين المنظمة للمجتمع. وفي حالة ابتعادهم عنها، فإن الأمر يعود إلى السلطات المختصة، وليس إلى العامة, لأن في ذلك مفسدةٌ ومهلكة. !!!
والغريب أن أصحاب تلك المناشير لم يعرفوا بصفاتهم لأن النصح لا يأتي من نكرة، بل من “مصلحين” يعلنون عن هوياتهم والصفات التي تخولهم الدعوة إلى ما دعت إليه تلك الملصقات، التي لا مأخذ عليها من ناحية “حرية التعبير“، بل على طريقة التعبير إذ لا يجوز الطعن في كرامة الناس وشرفهم، ونعت النساء بالعري والتبرج والإباحية، ومؤاخذتهن بسبب لباسهن ما دمن لا “يؤذين” إلا من نظر إليهن “ النظرة الثانية“، لأن النظرة الأولى “فجاءة” أما الثانية فإنها تدخل في حكم الزنا “لأن العين تزني وزناها النظر“، من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
سمية أمغار