سلسلة تعريفية واقعية تلقي الضوء على بعض الكتاب والمفكرين والباحثين والمبدعين في شتى مجالات العلوم والمعرفة ، لإبراز لمحات من حياتهم الشخصية والعلمية ، والتعريف بمؤلفاتهم وأحدث إصداراتهم التي تشهد بعمق معرفتهم ، وموسوعية علمهم ، تتنوع هذه الشخصيات بين أكاديمية وعلمية وأدبية.
سلسلة تعريفية في قالب حواري تمد جسور التلاقح بين المفكرين وبني عصرهم ، وبين المفكرين وطبقة قرائهم ، وتطلعهم على مسار إنتاجهم وأهم أعمالهم وآخر إصداراتهم .
في هذه الحلقة نختم حوارنا مع الكاتبة والمترجمة الأستاذة الدكتورة سناء الشعيري .
ـ ما هو أول كتاب قمت بترجمته من الإسبانية للعربية ؟
أول كتاب ترجمته هو التاريخ السري لحرب الريف لمؤلفه الإسباني خوان باندو، الذي صدر ضمن سلسلة ضفاف لمنشورات الزمن بالرباط سنة 2009 ، والواقع أن التجربة كانت شاقة نسبيا،لأن الكتاب كان من الحجم الكبير(500 ورقة) ، ومن ناحية أخرى كلفتني طبيعة النص التي كانت تنصب حول موضوع الحروب، جهدا كبيرا . فلم يكن بالسهل تماما العثور على الصيغ المطابقة في العربية لرتب الجيش ، وأسماء العتاد الحربي ، ونوعية الرصاص والمسدسات ، والتكتيك الحربي…فكنت مضطرة أمام هذا الرهان وهذا التحدي إلى القيام بأبحاث موازية وقراءات مستفيضة حول الموضوع ، أتحرى الدقة ، وأنشد الرصانة العلمية .
ـ حصلت سنة 2018 على ” جائزة المغرب للكتاب : صنف الترجمة” كيف تلقيت نبأ فوزك بالجائزة ، وما هي الإضافة النوعية لهذه الجائزة للمترجمة سناء الشعيري ؟
من كرم وجود الله تعالى عليّ ، أن كُلّلت مجهوداتي التُرجمية ، بجائزة المغرب للكتاب لسنة 2018. كانت المفاجأة سارة جدا، وأيقنت أن الله تعالى لا يضّيع أجر من أحسن عملا. وهنا ينبغي التنبيه إلى أن كل ترجمة هي عمل شاق يُكلف صاحبه الكثير من التركيز، والوقت والبحث في القواميس. فإذا كان الفرزدق الشاعر المخضرم المعروف قد قال قولته المأثورة ” تمر علي الساعة ، وقلع ضّرس من أضراسي، أهون عليّ من عمل بيت في الشعر” كناية عن صعوبة المهمة. فالمترجم بدوره قد يهون عليه قلع ضّرس من أن يترجم كلمة، أو جملة أو فقرة كاملة. فالعناء طويل ، والمخاض عسير، لكن الفرحة بالمولود الجديد تُنسي المترجم عناء الطريق.
ترجمت رواية العاشق الياباني للكاتبة الشيلية إيزابيل ألليندي ، التي نالت رواياتها شهرة عالمية ، وحققت نسب عالية من المقروئية ، وتُرجمت أعمالها للغات عدة . استغرقت الترجمة ستة أشهر كاملة ، كنت أجري فيها مع عقارب الساعة ، كنت أحمل معي العمل أينما حللت وارتحت ، ترجمت في محطات القطار وأنا في طريقي إلى مقر عملي بالمحمدية ، وترجمت في مطار مدريد الدولي حينما كنت أنتظر لستة ساعات الطائرة التي ستقلني إلى دولة الشيلي، ترجمت آناء الليل وأطراف النهار، وكلي أمل أن تحظى ترجمتي باستحسان القراء.
فرحت كثيرا بنبأ الجائزة ، وتشرفت بهذا الوسام الفكري ، الذي يمنح منذ الستنيات من العقد المنصرم لأسماء وازنة في البلاد ، وقامات فكرية شامخة في المشهد الثقافي المغربي. والجوائز كما يقال دائما هي تكليف وتشريف وتحفيز على المضي قدما. فأسأل الله بعد هذا الإعتراف الجميل أن يفيض قلمي ، ويزيدني المولى جل شأنه بسطة في العلم.
كنت أُعد نفسي في بهجة وحبور لاستلام درع جائزتي في أكتوبر 2018 ، فتعذر علي الحضور لأسباب مهنية ، فقد قُدِّر أن تزامن يوم الإحتفال مع سفر شددت رحاله إلى بلغراد عاصمة صربيا لتمثيل البلاد في معرض الكتاب الذي كان المغرب ضيف شرف فيه لتلك السنة ، تسلمت أختي الجائزة نيابة عني ، واعتبرت سفر بلغراد من هبات الله وعطاياه.
ـ هناك جوائز أخرى حصلت عليها ، ما هي نوعية هذه الجوائز ؟
نعم ، حصلت على أول جائزة لأحسن بحث تربوي لسنة 1998 بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل ، بعدها نِلتُ ثلاث جوائز في ديداكيك اللغة الإسبانية كما ذكرت آنفا ، مُنحت لي من لدن المستشارية الثقافية لسفارة إسبانيا بالرباط ، بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية. وجائزة إدواردو ميندوثا للقصة القصيرة من نفس الهيئة في دورتين.
ــ هل هناك في الطريق عمل مترجم لك ؟
لدي الآن عمل واحد ، لكنني أشكو قليلا من ضيق الوقت ، فالتزاماتي المهنية ، لا تقتصر فقط على الإسهام العلمي من تأليف وتدريس ومشاركة في الندوات والإشراف على البحوث والأطاريح الجامعية وكتابة التقارير وغيرها. هناك مهام كثيرة ، والمسؤوليات الأسرية تلقي هي الأخرى بظلالها. نحاول قدر الإمكان أن نحارب على كل الجبهات المفتوحة ، ونسأل الله التوفيق.
ـ تقييمك للمترجمين في الساحة الادبية المغربية ؟
في اعتقادي الشخصي ، ضالة الترجمة في المغرب هي المَؤْسَسَة ، والمترجمون المغاربة هم حبات فريدة في عقد يتيم، إن تمزق سمطه يوما لضعفه وهوانه ، تناثرت حباته . الترجمات للأسف الشديد يطغى عليها طابع الفردانية ، وذلك لغياب مشروع وطني يحمل على عاتقه مسؤولية النهوض بهذا القطاع الحيوي الذي كان سببا في إقلاع الحضارات ورقيها، ولنا في بيت الحكم أيام العباسين خير دليل، على دور الترجمة في دفع عجلة الحضارة نحو الأمام. الترجمة في حاجة لمن يرعاها ويُسقي بذورها، ويعتني ببتلاتها حتى تزهر وتينع ، فيكون زرعها وفيرا سمينا. والترجمة في المغرب هي جزء من منظومة كاملة تحتاج إلى مراجعة وإعادة النظر. فلا ترجمة بدون استراتيجيات وخطط عمل ، ولجان علمية مختصة . ولا ترجمة بدون نظام تسويقي فعال يجتاز الحدود والعوائق، ولا ترجمة بدون مدققون لغويون ، ونقاد يقومون بفرز الغث من السمين، وجوائز تسلط الضوء على أبرز الإصدارات الجيدة ، وتقاليد راسخة في دور نشر تحرص على إخراج الكتاب في أبهى حلة بعد مراجعته وتنقيحه.
ـ صدر لك كتاب ” المرأة في الأندلس ” لماذا المرأة في هذا العصر بالضبط ؟ وما هي أهم النتائج التي توصلت بها من خلال هذه الدراسة ؟
” صورة المرأة الأندلسية في عصر ملوك الطوائف” هو موضوع أطروحتي الجامعية التي ناقشتها سنة 2008 في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. كان الهدف من هذه الدراسة هو تقفي آثار نساء رائدات بصمن التاريخ الأندلسي بمداد من ذهب. من خلال هذا البحث سعيت جاهدة لسد فجوة في السير النسائية الأندلسية التي كانت على قلتها من المسكوت عنها.
استندت الدراسة في مجملها على المصادر الأندلسية القديمة ، ومراجع المستعربين الإسبان ، فخَلصتُ إلى أن النساء في الأندلس كانوا على مراتب: نساء الخاصة المنزويات في قصورهن ، ونساء العامة اللواتي ارتدن الأسواق والحمامات والأماكن العامة ، ناهيك عن الإيماء والجواري اللواتي تعددت مجالاتهن واختصاصاتهن . كان لابد من النبش في الذاكرة الأندلسية ، وتقليب ترابها لإنتشال أسماء واعدة من براثين النسيان. انصب اهتمامي على دراسة الأعلام النسائية في القرن الخامس الهجري الموافق للحادي عشر ميلادي، باعتبار هذا العصر يوثق لأبرز الشخصيات النسائية الأندلسية ( ولادة بنت المستكفي ، اعتماد الروميكية ، بثينة بنت المعتمد ، الغسانية، أم الكرام بنت المعتصم إبن صمادح… وغيرها من الأسماء. ولدحض ما كتبه المستشرقون الأوائل، وبعض المستعربين الذين ينعتون المرأة في الغرب الإسلامي بالتخلف والجهل، فصّلتُ في البحث قوائم بأسماء نساء كن طبيبات في بلاط الملوك والأمراء ، ومعلمات صالحات حافظات للقرآن الكريم ، وعالمات في أصول الفقه والشريعة ، ونساء تولين مهمة نقل المصحف الكريم بخط كوفي جميل ، وشاعرات نظمن الشعر وتألقن في فن القريض… كما أماط البحث اللثام عن مهن كانت تمارسها نساء الأندلس ، وقد ورد ذكرها في كتاب طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف لإبن حزم الأندلسي ، فعرفنا أن الغزل كان حرفة النساء بامتياز، وأن الاهتمام بالزينة والتأنق والنظافة كان من شيم هؤلاء النساء اللواتي أسدلن على التاريخ الأندلسي جُبة الفن والجمال .
في الختام نشكر جزيل الشكر أنك أتحت لنا من وقتك في هذه الفسحة الحوارية ، ونتمنى أن نراك دائما في صحة وعطاء .
انتهى .
عمر محمد قرباش