حلّت …..ورحلت. وبين المحطتين تسعة عقود غنت، خلالها وأطربت وأبدعت في الغناء كما في فنون المسرح والتمثيل، وسخرت، بذكاء وحس وطني متقد، صوتها وألحانها الشعبية الرفيعة، في التعبير عن هموم الناس ومعاناتهم، وحولت فن “العيطة” الأصيل إلى سلاح انخرطت به في خلايا المقاومة ضد الاستعمار، الأمر الذي عرضها للسجن والتعذيب والنفي.
تلكم هي الفنانة الكبيرة، الراحلة، الحاجة الحمداوية، التي أدت بأصوات رائعة، أغاني العيطة، سرعان ما تفاعل معها أبناء جيلها، ليجعلوا من الراحلة الحاجة الحمداوية أيقونة فن العيطة المغربي الذي لا تكتمل فرحة إلا بحضور شيخاته وشيوخه، ولا يتألق حفل عائلي أو عرض فني إلا إذا غنت الحاجة، وأشعت بصوتها الشجي ووقفتها البهية بقفطانها المغربي الأصيل، والبندير بين يديها ترسم أناملها عليه إيقاعات أغانيها الخالدة “دبا يجي ألحبيبة“، “جيتي ما جيتي“، آلكاس حلو“، “أنا حاضية البحر لا يرحل“، “آش جا يدير“، “منين أنا ومنين انت“، “آيا خوتنا الاسلام، هزوا بنا العلام“،“آويلي الشيباني“، وغيرها كثير كثير، وكلها أغان ملتصقة بقضايا الشعب، يتفاعل معها الشعب، جيلا بعد جيل، لأن الكلمة العاطفية واللحن الجميل ينفذان إلى القلب دون حاجز، ليخلقا لدي المتلقي شعورا بالراحة والسعادة والاطمئنان والتفاؤل….
ولعل في برقية التعازي التي وجهها جلالة الملك، أمير المؤمنين إلى .
وبوفاة الحاجة الحمدوية، فقد المغرب أغلى جوهرة في عقد فن “العيطة“، وصوتا من أصوات الطرب الأصيل، من الزمن الجميل. إلا أن اللوحة الفنية الجميلة لا تخلو من منتقد أو سفيه يحلو له أن يبخس قيمتها الفنية ويقلل من أهميتها ومن عبقرية صاحبها، هكذا عبثا أو ازدراء !
وكما كان الشأن بالنسبة للعديد من الشعراء والأدباء والفنانين والفنانات، نزار قباني ونوال السعداوي، على سبيل المثال، ومن قبلهم علماء شعراء اتهموا بالفسق والمجون فرفضت الصلاة عليهم، أو حتى دفنهم بمقابر المسلمين، فقد انبرى بعض السفهاء للتشفي بالراحلة الكبيرة، وهي بين يدي الله، بمزاعم واهية، يلبسونها لباس “الدين” بمفهومهم السخيف، ونسوا أن سب الأموات محرم في الإسلام، بصحيح الحديث النبوي الشريف. عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا” (البخاري) وعنها أيضا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إذا مات أحدكم فادعوا له لا تقعوا فيه” ( صحيح أبي داود) وقال أيضا: “أذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساوئهم” (ابو داود والترمذي)، والأحاديث الشريفة في هذه الباب كثيرة . ويجمع أهل السنة والجماعة على أنه إذا كان المسلم معروفا أنه موحدٌ ومسلم، ولكن بلي بالمعاصي، فلا مانع من الدعاء له بالمغفرة والرحمة، لأن المعاصي لا تخرجه من الإسلام، ولا تسقط أخوته الإيمانية“.
وبالتالي، فإن “التصورات” الخيالية التي يأتي بها بعض المتقولين على الدين، هي من البدع التي ليست من الدين، “وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار“.
ولعل في برقية التعزية التي بعثها جلالة الملك أمير المؤمنين إلى أفراد أسرة الراحلة، ما يوحي بمكانة التقدير التي كانت تحظى بها لدى جلالته وعموم الشعب المغربي، حيث أعرب جلالته عن تأثره لوفاة “الفنانة المقتدرة” الحاجة الحمدوية، وعن أحر التعازي وأصدق المواساة “في رحيل أيقونة فن العيطة التي كرست حياتها لخدمة هذا اللون الغنائي الشعبي العريق، وترسيخه كأحد مكونات الموروث الثقافي الوطني، حيث أبدعت وتألقت بأدائها المتميز، على مدى عقود من الزمن، في ملامسة وجدان أجيال من عشاق هذا الفن المغربي الأصيل، والارتقاء به وطنيا ودوليا”.
و استحضر جلالته “بكل تقدير ، ما كانت تكنه الراحلة الكبيرة من صادق مشاعر المحبة والولاء للعرش العلوي المجيد، وما ظلت تتحلى به من خصال الوطنيات الغيورات، حيث لم تتوانى، أكرم الله مثواها، في توظيف فن العيطة، مبكرا، سلاحا لمقاومة الاستعمار، وتجسيد تعلقها المتين بثوابت الأمة ومقدساته.ا
وتضرع جلالة الملك إلى الله العلي القدير” أن يجزي الراحلة ويجعلها من
الذين يجدون ما عملوا من خير محضرا، ويلقيها نضرة وسرورا“.
المسلمات نسأل الله الصفح والمغفرة والرحمة لنا وللراحلة الكريمة ولكافة المسلمات والمسلمين. إنه سميع مجيب
سمية أمغار