مع انطلاق موسم زراعة نبتة الكيف تشهد المناطق الزراعية بمناطق صنهاجة ،السراير، وغمارة حركة ركود اقتصادي خانق لم تشهد المنطقة مثيلا له من قبل، وفي نفس الصدد يعرف النشاط الفلاحي ومعه الفلاح البسيط وضعية مزرية لا من حيث بيع المحصول السنوي الفائت ولا من حيث التفكير في الموسم الفلاحي الحالي ومردوديته.
ونحن نعيش كثرة اللغط حول تقنين زراعة القنب الهندي من طرف سياسيي الرباط، وتحويله من نبتة مزاج إلى نبتة تصلح للعلاج، بعد رفع نداء التقنين في البرلمان وتردد صداه في هذه المناطق التي يعيش أهلها فقراء بين حقول الغنى والثراء،فيجد الفلاح البسيط بمناطق الكيف نفسه محاصرا بين مطرقة محصول سنتين من الإنتاج وتقلبات مالية، وسندان مقاربة أمنية ضد هذه الزراعة الغير القانونية،فالفلاح هناك يزرع ويحصد، ويجمع منتوجه نهارا جهارا،لكنه يعيش لحظات من الرعب وهو يبحث عن سبل بيعه خفاء، وأقل ما يقال عن هذه الحقول التي تزرع بهذه النبتة أنها دجاجة تبيض للغريب ذهبا،وأما صاحبها لا نصيب له إلا الكر والفر ونصب وهرب،في قالب مواطنون في سراح مؤقت.
وللأسف ورغم التقارير الدولية التي تقر بأن مداخيل هذه الزراعة تصل إلى المليارات إلا أننا نجد كل هذه المناطق السالفة الذكر وحتى منها جبال كتامة تعيش على وقع الفقر،الجوع،والتشريد وغياب أبسط ظروف لمستوى عيش كريم في غياب تام للعدالة الاجتماعية،كما أن الفلاح يربح التعب والخوف ومصير مجهول يمكن أن نستشفه من خلال الأرقام،حيث يصل معدل الكيلو غرام الواحد من مادة الحشيش أو ما يطلق عليها محليا “بالبلدية” والتي أظهرت نتائج دراسة علمية حول خصائص ومميزات القنب الهندي المحلي (الكيف) أنها النبتة الأصلية للبلاد،ويمكن استخدامها في الاستعمالات الطبية والصيدلانية، إلى مبلغ 4000 درهم أما ما يسمى ” بكريتيكال” يصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى حوالي 1500 درهم علما أن هذه التجارة تعرف تراجعا وركودا خطيرا بسبب غلق المعابر والمنافذ التي تستعمل لتهريبه إلى الخارج إلى نزول أثمنته إلى 80 في المئة من نفس أصل ثمنه حسب الفاعل المدني ” محمد بوصامت”.
كما أن هناك دراسة قامت بالإشراف عليها كل من جهة طنجة تطوان الحسيمة والمعهد العلمي التابع لجامعة محمد الخامس،وبلغت قيمة هذه الدراسة مليون درهم، توصلت إلى أن سلالات القنب الهندي المستوردة المزروعة في المغرب تعتبر أكثر الأنواع تركيزا من حيث ” نسبة تيتراهيدروكانابينول” وتحتوي على أكثر من 20 في المئة من ” هيدروكانابينول” وهي المادة الرئيسية ذات التأثير للقنب الهندي، ما يجعلها غير متوافقة مع الاستخدام الطبي، ومن جهة أخرى نجد أن ” الحشيش الأصلي” يحتوي على نسبة مهمة من المكون الرئيسي في الاستخدام الصيدلاني والطبي لهذا النبات،كما أظهرت التحليلات الجزئية والكيميائية النباتية أن هناك ثمانين مكونا آخر في نبتة القنب الهندي إلى جانب المكونين الرئيسين اللذان سبق ذكرهما وهي مكونات لها خصائص طبية مهمة يواصل المجتمع العلمي اكتشافها كل يوم ( مضادات الاكتئاب،مضادات الالتهاب،مزيل القلق،الآثار المضادة للغثيان،في حين أن البعض الآخر يمكن أن يساعد في حماية الجهاز العصبي …إلخ.
وقد لا يخفى على الجميع أن هذه النبتة التي تنتج ذهبا ولكن سكانها لا يظهر عليهم أي ثراء نتيجة سنوات من الفوضى التي تعرفها هذه التجارة، وذلك بسبب بارونات المخدرات وشبكات التهريب الدولي خاصة على مستوى السوق الأوروبية، هذا كله جعل الفلاح في هذه المناطق لقمة سهلة يكافح فقط مع مصاريف ( العمال، الكهرباء، حفر الماء، الأسمدة،…) ناهيك عن ضياع أجيال من الشباب الذين يغادرون صفوف الدراسة من أجل العمل في التنقية في الكيف، ويرى الفلاح البسيط أن مشروع قانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي لم يستجب لتطلعات وآفاقه بداية من أولى مواده التي تشير إلى أن مشروع هذا القانون يرتكز أساسا على الصناعات الطبية الدوائية غير أن هذا لم يراع متطلبات الفلاح إذ يشير في الباب الثاني في الزراعة والإنتاج وبالضبط في المادة الرابعة إلى تحديد المجالات المرخصة لها حيث تركت هذه المادة مفتوحة على مصراعيها لتحدد قائمة الأقاليم التي سيرخص لها زراعة وإنتاج القنب الهندي بمرسوم تشريعي.
وفي نفس الباب تقول المادة الخامسة لا تمنح رخصة زراعة القنب الهندي إلا في حدود الكميات الضرورية وهي ما ستجعل من الفلاح أداة مسخرة لخدمة شركات حسب الطلب.
وأما المادة السادسة جاءت ضد متمنيات الفلاح فيما يخص شروط الحصول على رخصة الزراعة حيث يتعين على الفلاح الإدلاء بملكية الأراضي التي ستكون محل الزراعة وهذا ما سيثقل أيضا كاهل الفلاح البسيط بجبال الريف، إذ تعتبر الأراضي الصالحة للزراعة محل صراع بين مصالح المياه والغابات والساكنة عموما بالإضافة وكما هو معلوم أن الأراضي الزراعية الصالحة مجزئة ومعلقة بسفوح الجبال، وليس هكتارات شاسعة كسهول وزان والعرائش. كما أن غاية الفلاح البسيط في المادة العاشرة لم تحترم حيث أوكل هذا القانون عقود البيع إلى التعاونيات التي ستحدث خصيصا لهذا الغرض مباشرة مع الشركات دون التشاور مع من يهمه الأمر،ومن خلال هذه المادة يتضح جليا مدى تهميش دور الفلاح وجعله آلية إنتاجية لا أكثر حسب الفاعل المدني ” محمد بوصامت ” دائما.
ويمكن القول ونحن نتحدث عن القنب الهندي، غالبا ما يتبادر إلى الذهن ذلك التأثير المخدر لهذه النبتة المتعددة الاستعمالات والتي تتوفر على فوائد صحية وبيئية عديدة، ويكفي أن القنب الهندي يعتبر أحد أقدم المحاصيل الزراعية في العالم، فقد حظيت هذه النبتة بتقدير خاص في الصين منذ 10 آلاف سنة نظرا لفوائدها المتعددة،حيث استخدمت في علاج الملاريا والروماتيزم وغيرها من الأمراض،كما تعتبر بذور القنب الهندي منذ قرون مادة غذائية أساسية. ولكن تقنين القنب الهندي لا محالة سيثير تجاذبات تنذر بانشقاقات عميقة حيث أن تقنينها يراه البعض سيسهم في زيادة الاستعمال الترفيهي للنبتة،ومن جانب آخر أدى مشروع القانون،إلى تجاذب داخلي بين دواليب حزب العدالة والتنمية باعتباره الحزب الحاكم ذو التوجه الإسلامي المحافظ بخصوص آلية تقنين هذه النبتة. ويبقى السؤال مطروحا بالنسبة إلينا هل يكون التحدي إنشاء نموذج للتنمية المستدامة في جهتنا هو استخدام زراعة القنب كخيار اقتصادي إضافي لباقي الأوراش الاقتصادية الأخرى المفتوحة.
محمد الطيب البقالي