الوزير “المعجزة” أعجز حزبه في كبح جماحه وصده عن “القول وما اشتق منه” وهو الذي “استقدمه” من شبيبته وقلده مسؤولية تدبير شؤون الشغل وما رافقه من مرافق، لمغرب تعداد سكانه يفوق الثلاثين مليون نسمة، دون أن يكون للرجل، عفوا، للشاب، دراية بمجال الشغل والتشغيل. الذي يشهد مآس مستعصية ، لأسباب ربما لم يكن يعرفها الوزير المعجزة نفسه، سواء على مستوى حجم “المعضلة”، أو القوانين المدبرة للقطاع، أو التنظيم، أو التأطير أو المواكبة والمراقبة.
إلا أن الوزير المعجزة، سرعان ما تمكن من المهمة، واستحكم في شؤونها، وتضلع في الألمام بمختلف جوانبها، وتميز وتفوق….ومع ذلك، لم تسعفه، دوما، “حذاقته” وتبصره، ومهارته في الإلتزام بـ “واجب التحفظ” الملزم لكافة رجال الدولة، في التعامل مع المؤسسات، ومع الإعلام، في الداخل والخارج. ربما يكون ذلك لقلة المراس لمسؤوليات كبرى على مستوى الدولة، وهو أمر يمكن “تجاوزه” حقيقة، مع الوقت، وبشيء من الذكاء والحنكة والمهارة المكتسبة، والاستفادة من الأخطاء المرتكبة خلال ممارسة “السلطة”. إلا أن الوقت لم يعد فيه ما يسعف الوزراء المبتدئين، في اكتساب الخبرة التي تؤهلهم لخلافة وزراء كبار كعبد الرحمان اليوسفي، و محمد بوستة، وعبد الله إبراهيم، وأحمد بلافريج، رحمهم الله، وأحمد عصمان، ومحمد بنعيسى، وكثيرون غيرهم، ممن أبلوا البلاء الحسن في تدبير شؤون البلد بحسّ وطني وغيرة جمة، وتعلق شديد.
حقيقة إن الوضع تبدل، والخطاب السياسي تغير، ووعي الشعب تطور وتعمق وقدرته على الوصول إلى المعلومات، وطنيا أو دوليا، اتسعت بفضل وسائل الإتصال الحديثة التي ألغت، أو كادت، ما كان يوصف بـ “سر الدولة” ، وفرض على المسؤولين، ممن منهم حرصَ واعتبر، تعاملا مغايرا لما دأبوا عليه من شعارات “العام زين”، و “كل شيء كما يرام يا مدام لا مركيز”. (هذه مقولة فرنسية تعود لسنة 1935، وهي عنوان ولازمة أغنية هزلية “لبول مسراكي” للدلالة على إرادة التستر على وضع مرتبك أوخطير……!
وبالعودة إلى الحديث عن الوزير المعجزة، نلاحظ أن الرجل لم يتوفق، كما كان منتظرا، في أسلوب تواصله مع المواطنين عبر وسائل الإعلام، الأمر الذي جرّعليه الكثير من حالات الغضب في الأوساط السياسية والاعلامية، كان من أبرزها اختياره لقنوات إيرانية ليدلي بتصريحات في موضوع موقف شبيبة حزبه من الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ومسألة “التطبيع” التي قال فيه إنه يعبر عن موقف الشبيبة “البيجيدية” وموقف “جميع المغاربة” وهو ما أثار غضب المغاربة. !
وغضبت منه الهيئات الحزبية بسبب موقفه من الائتلاف الحكومي الذي يقوده “البيجيدي” والذي لم يكن منسجما مع موقف الحزب الذي ينتمي إليه. كما أن مواقفه المعادية لحزب التجمع الوطني للأحرار لم تكن لتسهل مأمورة حكومة العثماني زعيم “البيجيدي”.”.
ومؤخرا، جرت عليه تصريحاته تحت قبة البرلمان، ردا على استفسارات بعض النواب حول الأحداث الأخيرة بباب سبتة، وحول الهجرة بشكل عام.
ألوزير المعجزة، اعتبر أن استفسارات نواب الأمة حول استراتيجية التشغيل كبديل للهجرة السرية التي تدفع الشباب إلى المخاطرة بحياتهم من أجل الهجرة، “خطاباتٌ سوداوية” موجهة للمغاربة وللشباب بالخصوص، على صغر سنهم”. وأضاف أنه حين يأتي للبرلمان يسمع كلاما “يسوّد” كل شيء وكأنه في بلاد لا يعرفها ويسمع كلاما يدفعه إلى تصور أنه ليس في المغرب. وحتى يشرح الموضوع بكامل الوضوح، قال، “وقوله الحق”، إن الأمر لا يتعلق بشباب في سن الشغل لم تتوفر لهم فرص العمل، فحاولوا الهجرة، بل بوجود “عصابات إجرامية” تنشط في مجال الهجرة السرية وتحقق أرباحا طائلة. وألمح إلى وجود “دوافع انتخابية” لإثارة هذا الموضوع وبالصيغة ذاتها.
الوزير أمكراز أعلن لمن لا يريد أن يعلم، أن الاستراتيجية الوطنية للتشغيل حققت الكثير من النتائج وأن موجات الهجرة تراجعت في المغرب ، وأن انخفاض عدد المهاجرين السريين “يؤكد أن الأوضاع بالمغرب “تحسنت” بما لا يدع مجالا للشك، كما يراه، هو، ولا يشاطره في هذا الرأي أغلب المغاربة الذين يعيشون في مغرب غير مغربه!…
فلماذا كل هذا الحرص من جانب النواب على إثارة هذا الموضوع وبطريقة “سوداوية” والرجل يقول لكم إن الهجرة “تقلصت” (بفضل جهود الوزير ووزارته، لا شك) وأن الأمر مرده إلى العصابات الاجرامية التي لا بد وأن تكون وراء “الهروب الجماعي” لآلاف المغاربة من الفنيدق والجوار وأيضا من جهات عديدة من البلاد، رجالا ونساء ، شبابا وأطفالا ، من الجنسين، ألقوا بأنفسهم في البحر، من أجل الوصول إلى مدينة سبتة، سباحة أو على متن مراكب مطاطية متهالكة، يدفعهم لذلك فقرهم وبطالتهم كما يدفع بعضهم الحنين للعودة إلى حيث كانوا “يتعيشون” ويسترزقون، ويوفرون خبز اليوم لهم ولأطفالهم، قبل قرار الإغلاق الذي لا يمكن وصفه إلا بـ “المرتجل” في غياب بديل يتم إعداده بوقت كاف، حتى يطمئن المواطنون إلى جديته وجدية واضعيه.
عزيز كنوني