“قفة رمضان“، سنةٌ حميدة أطلقها جلالة الملك، منذ سنة 1999، كمساهمة من الدولة، في التخفيف، نسبيا، من معاناة فقراء المغرب، خلال المناسبات الدينية، خاصة في شهر رمضان المعظم، لتنتقل هذه “المكرمة” إلى عدد من المنظمات الأهلية عبر تراب المملكة، حيث ينشط متطوعون شباب في التحضير لهذه العملية وتنظيمها بكامل الحماس والاندفاع والإقدام.
”قفة رمضان” لهذا العام تضمنت مساعدات غذائية لفائدة ستمائة ألف أسرة بالوسطين الحضري والقروي، مع الأخذ بعين الاعتبار الفئات الهشة، والأرامل واليتامى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة الذين تم تحديد هوياتهم من قبل لجان إقليمية مختصة. وأعلن كذلك، أن تمويل هذه العملية تم من ميزانية وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف.
وقد تكفل ولاة وعمال الأقاليم، بتوزيع قفة رمضان على المستفيدين في دوائرهم، وسط احتفاليات ملفتة للانتباه، وحضور بارز لـ “الصحافيين” وكاميرات التلفزيون التي تنقل الحدث وتبرز لحظات قيام المسؤولين بتسليم “القفف” الرمضانية للفقراء والمعوزين وفق طقوس معتادة، تطبعها “بروتوكولات” خاصة، وتغمرها مشاعر الرضى و الشكر والامتنان، و أدعية مألوفة من المستفيدين والمستفيدات.
طريقة التعامل “الرسمي” مع هذا الحدث الإنساني والإحساني الهام، من طرف القيمين عليه، عبر تراب المملكة، أصبح يثير بعض التساؤلات والانتقادات، داخل المجتمع ، بسبب طابعه “الدعائي” وتعارضه مع فلسفة وأخلاقيات الفعل الإحساني اللازم إحاطته بالسرية والكتمان والخفاء، والبعد الكامل عما يمكن اعتباره، ولو بحسن نية، “تشهيرا” بالفقراء لفقرهم وعوزهم، وحاجتهم للعون والمساعدة، خاصة في رمضان والأعياد الدينية، ولو أن الأسلم أن لا يكون الدعم موسميا، بل منهجا في إطار خطة شاملة ودائمة لمحاربة الفقر المقذع، وهو ما تسعى إليه الأمم الواعية بحتمية الرقى بالمواطن إلى درجة الاكتفاء المعيشي النسبي، على الأقل، من أجل مجتمع متكافئ ، متضامن، خال من الفوارق الاجتماعية والتفاوتات الطبقية، ولو أن هذا الأمر مستعص، اليوم، في المجتمعات “الخاضعة” لأنظمة الرأسمالية، ولإكراهات العولمة “المتغولة“ !!!
وإن عجزت المنظومات التكافلية في الأنظمة المجتمعية الغربية الحديثة التي نعمل وفق رؤاها، فإن الإسلام، شرع للفقراء والمساكين حقوقا ثابتة وواجبة في أموال الأغنياء، وفي بيت مال المسلمين، شعورا من المجتمع المسلم، بلوعة الفقر وآلامه، وحرقة العوز وحسراته، كما خصهم بعظيم عنايته حين جعل ذكرهم في العديد من سور القرآن الكريم ورفع مكانتهم ، وأعلى منزلتهم, وأشاد ذكرهم ورفع قدرهم. قال رسول الإسلام: “إنما تنصرون وترزقون بالضعفاء والمساكين” وفي صيغة أخرى “هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟
الكثيرون ممن لم يستحسنوا “مهرجانات” توزيع “قفف” رمضان في المدن كما في القرى، وما يصاحبها من طقوس توثيق للمشاهد بالصوت والصورة، تشهيرا ، ولو في طي ّ عملية “إخبار” لا بأس منه وفيه، شرط أن يتم في احترام كامل لكرامة المحسن إليهم وأدميتهم، وإشعارهم بأن الأمر عونٌ مستحقٌ وليس صدقة، وواجبٌ على الدولة ،وليس منا، وأنه يصرف من ميزانية الشعب، وليس صدقة ، وأنه عمل إنساني في إطار التكافل الاجتماعي الذي يعتبر من أسس وأركان بنيان المجتمع الإسلامي الذي هو كيان ٌ إنساني متراحم وكريم (د. أحمد سعيد القرالة).
ومع الإجماع على استحسان هذه العملية، على محدوديتها، إلا أنها قادرة على تمكين المحتاجين من تصريف بضعة أيام من رمضان في ظروف أحسن مما لو لم تكن أصلا، ما دفع بعض المتتبعين، إلى القول بأن عملية “القفة” وإن لم تستوف أغراضها، بالكامل، إلا أنها بحاجة لنوع من المراجعة والتطوير ، بعد عقدين من إخراجها للوجود بمبادرة اجتماعية إنسانية، أبانت عن نجاحها في تحقيق نوع من التضامن المجتمعي، إلا أن عملية التوزيع في أقاليم وعمالات وجهات المملكة، تحتاج لمراجعة ترفع عنها تلك “الطقوس” الإشهارية التي استهجنها الكثيرون وانتقدوها ورأو أنه من الأفضل مراجعتها مستقبلا .
عزيز كنوني