في هذه الحلقة نستضيف فيها الأستاذ الدكتور سعيد بوعصاب الباحث في الدراسات القرآنية .
بداية نرحب بك ضيفا كريما في سلسلة ” في ضيافة كاتب ” ، ونرجو منكم تعريف القارئء بشخصكم الكريم ؟
بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.
ثم أما بعد فالشكر الجزيل لكم على هذه العناية الكريمة ، ثم الشكر موصول لهذه الجريدة الغراء، أما فيما يخص الحديث عن النشأة فيمكن أن أذكر لكم بأن اسمي هو سعيد بن أحمد بن محمد بن حمان ، بوعصاب الميموني ، ولدت في قبيلة جبل حبيب ، بمدشر دار فلاق أقليم طنجة ، وذلك بتاريخ 1976م ، لما بلغت من العمر سبع سنوات التحقت بالمدرسة الابتدائية في القرية ، حيث كان افتتاحها عام 1982م وقد تابعت فيها الدراسة إلى مستوى الخامس ابتدائي ، ثم قدر لي أن أغادر المدرسة وألتحق بالكتاب القرآني فتفرغت لحفظ القرآن الكريم على عدد من الفقهاء والشيوخ ، وفي مقدمتهم الوالد رحمه الله تعالى ورضي عنه ، وفي عام 1990 التحقت بمدرسة عمر بن الخطاب بحي مسترخوش بطنجة ، حيث كنا نتمم حفظ القرآن الكريم ، كما نقوم بدراسة عدد من العلوم ، مثل النحو والفقه ، واللذين كان يدرسهما الفقيه محمد أفيلال ، والأستاذ محمد حبوبة ، وكذلك مادة التجويد، وبعد قضاء عام كامل في هذه المؤسسة انتقلت إلى مسجد بحي السانية الجديدة ، والذي كان يدرس به العلوم الشرعية الفقيه عبد الله الصرصري، فمكثت فيه أيضا عاما كاملا ، تلقيت فيه عددا من العلوم ، مثل النحو من خلال ألفية ابن مالك ومقدمة ابن آجروم بشروحهما، وكذلك الفقه المالكي من خلال شرح ميارة على متن ابن عاشر، والتفسير من خلال حاشية الصاوي على تفسير الجلالين، وفقه الأسرة من خلال مدونة الأحوال الشخصية ، وعلم المواريث ، والبلاغة، والسيرة النبوية ، وفي عام 1992 التحقت بمدرسة التوعية الإسلامية بطنجة والتي كانت قد وهبتها للقرآن والعلوم الشرعية الدكتورة الفاضلة آمنة اللوه رحمها الله تعالى، وهي زوجة العالم الأديب إبراهيم الإلغي ، وكان يرأس إدارتها العلامة المحدث عبد الله بن الصديق الغماري ، ويتولى تسييرها عدد من الأستاذة الأفاضل، مثل الأستاذ عبد القادر أحرضان ، والأستاذ الحسين اللغميش ، والأستاذ محمد مومن ، والأستاذ محمد البوفراحي وغيرهم ، وبعد التخرج منها في عام 1994م سافرت إلى ديار الشام لتلقي العلوم الشرعية، وفي ذلك الوقت لم يكن قد تم الاعتراف أو تأهيل معاهد التعليم العتيق بالمغرب ، حيث كان الطلبة مضطرين للسفر إما إلى المملكة العربية السعودية ، أو الجمهورية العربية السورية لإتمام الدراسة في المؤسسات الشرعية المعترف بخريجيها وشهاداتها من قبل مؤسسات الدولة ، وكان أول معهد نزلت به هنالك هو ” معهد الفرقان للعلوم الشرعية ” بمدينة دمشق ، وقد ألحقت فيه بمستوى الثاني ثانوي شرعي، وهو معهد عريق كان عدد الطلبة المنتسبين إليه حوالي 500 طالب من مختلف بلدان العالم، وخاصة أفريقيا وآسيا، ويجمع برنامج دراسته ما بين العلوم الشرعية والعلوم العصرية ، مثل الرياضيات ، والفيزياء، والكيمياء، واللغة الإنجليزية ، ويتكفل للطلبة بالتدريس والإقامة المجانية ، مع المنحة الشهرية ، وكان يتولى إدارته فضيلة الدكتور موسى النوى العربي ، وبعد التخرج من هذا المعهد التحقت بكلية أصول الدين فرع الأزهر الشريف بدمشق، قسم التفسير وعلوم القرآن، وهي مؤسسة كانت من حيث الإدارة والتسيير تتبع لمعهد الفتح الإسلامي بدمشق، والذي أسسه الشيخ العلامة المربي محمد صالح الفرفور رحمه الله تعالى، ومن حيث البرنامج الدراسي والانتساب تتبع جامعة الأزهر الشريف ، وتضم خيرة علماء بلاد الشام في مختلف العلوم والفنون ، وقد قضيت في هذه الكلية ثلاث سنوات ، وفي السنة الرابعة سافرت إلى القاهرة لنيل شهادة الإجازة من جامعة الأزهر الجامعة الأم ، وبعد الحصول عليها دخلت إلى المغرب فالتحقت بقسم الدراسات العليا بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، ” وحدة الدراسات الشرعية في الغرب الإسلامي”، وهي وحدة جمعت في الحقيقة نخبة من الأساتذة والدكاترة ، أمثال: الأستاذ الدكتور محمد التمسماني عميد كلية أصول الدين حاليا، والأستاذ الدكتور توفيق الغلبزوري رئيس المجلس العلمي لمدينة الفنيدق حاليا، والأستاذ الدكتور إدريس بن الضاوية رئيس المجلس العلمي لمدينة العرائش حاليا، والأستاذ الدكتور زيد بوشعراء ، والدكتور الحسن العلمي الذي كان منسق الوحدة ، وكذا نخبة من الطلبة والطالبات ، وقد كان التكوين متينا، ومكثفا، وقويا في مواده ، وفي طريقة الاشتغال بالبحث فكانت تجربة نافعة ومفيدة جمعتنا مع خيرة الطلبة والباحثين في العلوم الشرعية ، وقد كان سمة التنافس العلمي والبحث الجاد هي الغالبة على ذاك الجيل من الطلبة ، وبخاصة في إعداد العروض ومناقشاتها التي كانت تتم في كل أسبوع تقريبا ويتم فيها بناء الملكة العلمية ، وإظهار المهارات البحثية ، بحكم المناقشات الحادة والعميقة التي كانت تجمع ما بين الطلبة والأساتذة ، وكذا بين الطلبة مع بعضهم ، وقد كان موضوع رسالة التخرج من هذه الوحدة بعنوان: ختم التفسير للعلامة القاضي محمد بن عبد السلام السائح دراسة وتحقيق ، ثم بعدها في 2005 التحقت بجامعة المولى إسماعيل بمكناس كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، “وحدة الاجتهاد المقاصدي التاريخ والمنهج” ، وقد حصلت من هذه الجامعة على درجة الدكتوراه في علوم القرآن الكريم بموضوع :” علم المناسبات وأثره في إبراز مقاصد الكريم “. وخلال هذه السنوات ، كنت خطيبا في مسجد الرحمة حي الجيراري، وواعظا تابعا للمجلس العلمي بطنجة ، ومدرسا للعلوم الشرعية في عدد من معاهد التعليم العتيق بطنجة ، وذلك مثل: معهد التوعية الإسلامية ، ودار القرآن [ الموحدين] ومعهد النور، ومعهد الإمام مالك ، ومعهد الإمام القرطبي ، وفي عام 2014م التحقت مدرسا في التعليم العالي بجامعة القرويين، كلية العلوم الشرعية السمارة ، ولا زلت أقوم بالمهمة العلمية والأكاديمية فيها إلى الآن، وقد أصبحت اليوم تحمل اسم الكلية متعددة التخصصات ، وهي تابعة لجامعة ابن زهر بأكادير .
– أهم الأعلام الذين تتلمذت عليهم في مسيرتك العلمية ؟
لقد قدر الله تعالى لي أن أتلقى المعارف الشرعية على يد عدد من العلماء الأفاضل في المغرب والمشرق ، وقد قمت بالحديث عن أكثرهم في كتاب لي دونت فيه أحداث رحلتي إلى الشام ، ويمكن لي أن أكر أسماء بعضهم في المغرب ، وآخرين في المشرق ، وجزى الله جميعهم بكل خير، فمنهم في المغرب الفقيه العلامة سيدي أحمد الوسيني الطنجي ، والذي تلقيت عنه مادة التفسير وعلوم القرآن الكريم ، وهو أستاذ ومرب وعالم وفقيه ، يجمع ما بين حسن السمت ، ولطف المعشر، وسلاسة الأسلوب ، وقد أوتي حكمة في التعليم ، فكانت دروسه بلسما شافيا لكل طالب وراغب، والفقيه العلامة سيدي أحمد التوزاني المشهور بالرماني ، وقد درسنا عليه مادة الفقه المالكي من خلال رسالة ابن أبي زيد القيرواني ، ومادة المنطق من خلال متن السلم للأخضري بشرح العلامة القويسني، وقد رزق الشيخ التوزاني فصاحة في التعبير، وجمالا في الأسلوب ، وقبولا في الكلام، فلا تكاد تسمع منه المعنى إلا ويصب في عقلك صبا، وينساب إلى فهمك انسياب الماء، والفقيه العلامة محمد عشوبة الزناتي والذي قرأنا عليه مادة النحو من خلال ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل ، ومادة مصطلح الحديث من خلال متن النخبة وشرحها للحافظ ابن حجر العسقلاني ، والفقيه الأستاذ عبد الله شبابو والذي قرأنا عليه مادة البلاغة والخطابة ، وكان الأستاذ شبابو أديبا رائعا، أوتي ملكة فائقة في الخطابة وتبليغ الكلام ، والقدرة على التأثير في النفوس ، وصوغ الجمل والعبارات الرقيقة المؤثرة، مع تمكن من الطريقة البيداغوجية المعهودة ، فكانت دروسه مبدأ انطلاق لنا نحو الزيادة في التمكن من قوانين الخطابة النظرية والتطبيقية ، والفقيه المقرئ عبد الرحمان الخمال الذي تلقينا عليه مادة القراءات، والفقيه العلامة سيدي محمد أفيلال ، والمقرئ المشهور سيدي محمد الطيب حمدان، والفقيه الأستاذ محمد المصمودي، وغيرهم جزاهم الله تعالى بكل خير.
وأما في المشرق فقد تلقيت أيضا على عدد من العلماء والشيوخ ، منهم، العلامة الشيخ محمد نذير المكتبي والذي يعرف في دمشق بأسد المنابر، وقد تلقيت عنه مادة الفقه الشافعي، والبلاغة، والعروض، والشيخ الدكتور موسى النوى العربي وهو مدير معهد الفرقان وقد درسنا عليه مادة المنطق من خلال كتاب ” ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة ” للشيخ عبد الرحمان حسن حبنكة الميداني، وكذا مادة أصول الفقه من خلال كتاب أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء” للعلامة مصطفى الخن، والعلامة المحدث الدكتور نور الدين عتر، والذي درست عليه مادة مناهج المحدثين ، وأصول الجرح والتعديل ، كلاهما من تأليفه ، والعلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والذي حضرت دروسه من خلال كتابه كبرى اليقينيات الكونية ، وكذا كتاب رياض الصالحين للإمام النووي، وعلوم القرآن، والدكتور وهبة الزحيلي الذي حضرت له دروسا في التفسير بجامع الكويتي ، والفقيه المقرئ المفسر الشيخ كريم محمد راجح ، الذي تلقيت عنه مادة التفسير من خلال تفسري الإمام البيضاوي ، والإمام أبي السعود العمادي ، والشيخ محمد راتب صبحي علاوي الذي تلقيت عنه ختمة كاملة من رواية حفص عن الإمام عاصم ، والعلامة توفيق رمضان البوطي ، والشيخ أديب الكلاس ، وغيرهم، وفي مصر تلقيت عن عدد من أهل العلم والفضل ، من مثل العلامة الفقيه علي جمعة مفتي الجمهورية المصرية السابق ، والعلامة الدكتور محمد حجازي ، والدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والعلامة المحدث عبد القادر بن عبد المهدي بن عبد القادر، جزى الله الجميع بكل خير من ذكرنا منهم ، ومن لم نذكر.
ـ من الشخصية العلمية التي تأثرت بها في مسارك العلمي؟
يمكنني أن أقول: بأنني تأثرت كثيرا بثلاث شخصيات علمية ، يسر الله تعالى لي أن أتلقى عنهم ، وأن أجالسهم مع اختلاف في مدة التلقي وطبيعته ، فأولهم العلامة الدكتور المفكر محمد سعيد رمضان البوطي، فقد كان هذا العالم يبهرني بسعة اطلاعه ، وقوة حجته ، ونور فكره ، ورقة عبارته ، وزهده وورعه ، فقد كنت أراه دوما منافحا عن الدين ، مناضلا عنه ، قائما بعلومه ، مع قوة في الحجة، وسلامة في التفكير، وإحاطة بالمعارف القديمة والحديثة ، مع صوغ لذلك كله في أسلوب رقراق، واضح ومتين ، مع غلبة جانب التصوف العملي الذي تلقاه عن والده ، وقد كنت أرى فيه مثال الإخلاص للعلوم وللدعوة ، مع التفاني في الدفاع عن قضايا الإسلام كل ذلك بأسلوب منطقي عقلاني مقنع ، يحاجج به الخصوم ، ويقارعهم الحجة بالحجة ، والدليل بالدليل ، وقد كان له فضل كبير علي في انتهاج طريق الوسطية والاعتدال ، والبعد عن الغلو والشطط ، حيث كان رحمه الله يفتح لمستمعه آفاقا واسعة للفهم ، ومجالا رحبا لتقبل المخالف ، والتعايش معه ، وأما العالم الثاني فهو الدكتور المحدث الناقد نور الدين عتر، فقد كان هذا الشيخ يأخذ بمجامع قلبي من خلال سمته ، وهديه ، وورعه ، وسكونه ، وعمقه في فهم الحديث النبوي ، وغزارة في التأليف ، وحب شديد لطلبته ، مع صوت خفيض ، وحياء بالغ ، وتقدير لشيوخه لا يمكن أن يحيط به وصف ، مع استحضار لجمال وجلال السنة ، فقد كنت أرى فيه دوما شخصية الإمام أبي عيسى الترمذي صاحب السنن، وكان يتعهدنا بالموعظة الحسنة ، والحكم المتتالية ، ويفتح أعيننا على آفاق المستقبل ، مع رسم منهج دقيق لتلقي العلوم ، وبخاصة علم الحديث النبوي ، فقد كان يرسم لطالب الحديث منهجا واضحا دقيقا من أخذ به عرف كيف تحفظ السنة النبوية وتفهم ، وأعظم ما كان يدهشني فيه هو تلك الدقة العلمية في تناول الموضوعات ودراستها ، فقد كان من منهجه في التدريس أن يطرح القضية للطلبة ثم يقوم بسؤالهم عنها، فيجيب كل بما فهمه ، ثم يقوم بتمحيص الأجوبة ، وتنقيحها جوابا جوابا ، وفكرة فكرة، حتى يوصل الطالب إلى الجواب الصحيح ، من خلال سلسلة من التعليلات العلمية الرصينة ، والمعقولة ، فكان بطريقته هذه يجمع ما بين المنهج الأثري الذي يقوم على التلقي والسمع ، والمنهج العقلي الذي يقوم على البناء والتركيب والتحليل والتعليل، وهذا أمر ورثه عن انتمائه المذهبي، وتخصصه الحديثي ، فهو الفقيه الحنفي المتضلع في الفقه ، وهو المحدث الناقد الخبير صاحب الكتاب المشهور النافع ، منهج النقد في علوم الحديث ، فرحمه الله تعالى ونفعنا بعلومه ، وأما الشخصية الثالثة ، فهو الفقيه الأصولي العلامة القرآني سيدي وقرة عيني فريد الأنصاري رحمه الله ، هذا الرجل قد فتح بصري على نور القرآن الكريم ، فقد كنا نقرأ الكتاب المبين على نحو يغلب جانب العقل، من حيث البحث في المفردات ، والتراكيب ، والأساليب ، ويغفل البعد الإبصاري لروح القرآن، فلما يسر الله تعالى اللقاء به والتعرف عليه ، دلنا على كنوز القرآن الكريم ، وأرشدنا إلى الغاية العظمى من علم التفسير والتي لا تنحصر في حشو العقول بالمعارف ، وإدراك قول فلان وتعقيب علان، وإنما في الاصطباغ بنور القرآن وهدايته ، فما تلك العلوم المحيطة به والدائرة حوله ، إلا وسيلة لطرق بابه ، ليتم الدخول إلى عالمه ، والوقوف على أسراره ، فتنعكس على شخصية القارئ المتدبر، فتظهر في سلوكه وشخصيته ، فيصبح إنسانا قرآنيا يمشي على الأرض ، فهذه كانت رؤيته ، وتلك هي خلاصة طريقته في التعامل مع كتاب الله ليخرج الناس من خلاله من ظلمات المادة إلى نور المعنى والهداية ، ومن ثم جاءت أعماله الراسمة لمسلك الطريق والمتمثلة في مجالس التدارس القرآني، سواء في شقه العائلي ، أو المجتمعي ، فكان بحق الدال على الله من خلال كتاب الله بمنهج سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذا حق أن يلقب بالرجل القرآني بامتياز.
ـ من الأكثر قربا منك ممن عاصرتهم من العلماء؟
حقيقة أستطيع أن أقول: إنني أعيش دوما قربا روحيا وفكريا مع هؤلاء الأعلام ، فالعلماء لا يمكنك أن تكون بعيدا عنهم، لأن مشروع العمر هو الاشتغال بالعلم ، ومن يشتغل به لا يمكنه أن يكون بعيدا عن العلماء، سواء كانوا في عصره أو قبل عصره ، لأن البعد عنهم معناه انقطاع الهواء الذي يمده بالحياة ، وفي هذا الإطار فأنت تعيش إما مع نصائحهم وتوجيهاتهم، أو مع أفكارهم وأقوالهم ورؤاهم ، أو مع إنتاجهم العلمي والمعرفي، وهذا لا يعني أنني أعيش معهم على وجه التقليد والتبعية المطلقة ، كلا، فقد تلقيت من منهجهم وتكوينهم أن الباحث عليه أن يظل دوما في سؤال، وتعليل، ومقارنة وترجيح ، واستنتاج ، لتظل المعارف دوما في ولادة مستمرة لا تتوقف ، وعصرنا اليوم بحاجة ماسة إلى من يمده بالمعارف التي يحتاج إليها في وقته ، فقد عرفت مسارب الحياة تطورا رهيبا وغريبا، والعلوم الشرعية لا يمكنها أن تظل على نحو ما كانت عليه في السابق، بل لا بد أن تكون في حضور دائما مع مستجدات الوقت ، وإلا فإن الإنسان المسلم سيعيش إما في تيه مطلق، أو سيضطر لتلقي معالم السير في الحياة من مصادر غير موثوقة ، تجره إلى الهاوية ، وتقذف به في بئر سحيق ، وهذا ـــ للأسف ـــ ما أصبحنا نراه ونشاهده ، ونقرأ عنه اليوم كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي ، وهاهنا أستحضر مرة أخرى العلامة فريد الأنصاري رحمه الله ، فبحكم تخصصي في الدراسات القرآنية أجدني دوما مشدودا إلى توجيهاته المنهجية الرشيدة في التعامل مع القرآن الكريم والحركة به في الحياة ، وكذا يمكنني أن أقول: إن للعلامة الشاهد البوشيخي بارك الله عمره دورا كبيرا في تأطير البحث المنهجي العام الذي أسير عليه ، وكذا أولويات الاشتغال العلمي سواء في مجال الدراسات الشرعية عامة ، أو الدراسات القرآنية بشكل خاص ، فهذا العالم رجل الأمة بحق ، وكما قال لي أحد الباحثين يوما لما كنت في زيارة لمؤسسة علمية في توركيا، الشاهد البوشيخي رجل عظيم، فقد في العالم ولم يفتقد ، والكلام وإن كان فيه حسرة على انصراف الاهتمام بمثل هؤلاء الرجال العظام ، ولكني أعتقد أن عددا من الباحثين الشرعيين في العالم الإسلامي يقدرون هذه القامة العلمية ويستفيدون منها.
عمر قرباش