العنف الذي واجهت به السلطات الأمنية تظاهرات الأساتذة المعطلين، كان حدثا مؤلما، ليس فحسب بالنسبة لمن تعرضوا له، من نساء ورجال التعليم، بل وأيضا، بالنسبة لنا جميعا، نحن الذين تربينا على احترام المعلم درجة التقديس، ولعامة الشعب الذي لن يرضيه أن يعامل مربو أبنائه بمثل تلك القساوة والخشونة والغلظة والحكرة !
رجال القوات العمومية بدوا وكأنهم في معركة حقيقية ضد عدو مغير، لزم صده وردعه وإعاقة تحركه، حتى أوشكتُ أن أشك في حقيقة أن تكون مشاهد العنف والبطش المعروضة أمامي حصلت، بالفعل ، في بلادي المغرب، خاصة بعد تكرار أحداث العنف، المنقولة من محطات تليفزيونية أوروبية وأمريكية في مواجهة محتجين ضد أعمال عنصرية، أو قرارات حكومية، رفضها مواطنو تلك البلدان !
وعدت إلى مراجعي الصحافية، التي تحدثت بأصوات مسؤولين يردون بقوة على “مزاعم منظمات حقوقية أجنبية“، بأن المغرب قطع، ومنذ مدة، مع العنف، سواء كان ممنهجا أو تحكميا اعتباطيا !
فقد نفهم أن يكون أساتذة التعاقد خالفوا “الوضع القائم” برفضهم لمقررات “رسمية” تخصّ العمل بالتعاقد، بالرغم من توفرهم على المؤهلات الضرورية للالتحاق بأسلاك الوظيفة العمومية، شأنهم في ذلك شأن زملائهم الأساتذة الممارسين، وأن هذا الفعل مرفوضٌ في المغرب، لأنه “منكرٌ” ويمكن تأويله بـ “الخروج ” عن إرادة الحاكمين، وهو أمر يستحق العقاب في الدنيا، بحكم
بحكم سلطة القوانين الوضعية، وفي الآخرة، بحكم “طاعة” أولي الأمر (سورة النساء. الآية 59) !
وقد نقبل أن “نفهم” أيضا، أن الأساتذة المتعاقدين خالفوا
تدابير السيدة “كورونا” وهم يعلمون أن لا حق لأحد في مخالفة تلك الأوامر ، إلا بسلطان (!) ……
ولكن، ألم يكن يشفع لهم أنهم يناضلون ، سلميا، منذ أربع سنوات، من أجل إلغاء منظومة “التعاقد” وأنهم يقبلون، من أجل ذلك أن يلقوا برؤوسهم تحت “بوطات” الأمنيين “الثقيلة” . ثم ألم يكن من الحكمة، ما دام الأمر يتعلق بأناس مثقفين، متحضرين، يتجولون بالشوارع الرئيسية وهم يرددون شعارات لا تحمل تهديدا ولا خطرا ولا ترهيبا (!) … أن يتم التعامل معهم بلغة الحوار والإقناع، بدل لغات الزرواطات والهراوات” والإهانة والسب والرفس والركل؟ ! …الأمر الذي سجلته أشرطة فيديو عديدة، عرضت وانتشرت عبر العالم.
ولعل أكثر المشاهد إيلاما، مشاهدُ أستاذات شابات “تقبط” بكل واحدة منهن أربعة أو خمسة رجال أمن أقوياء،
نشروا أجسادهن المرفوعة من أطرافها الأربعة، مع تباعد الفخذين والساقين، في محاولة لسحبهن ، وهنّ على هذا الوضع المشين، خارج “الملعب” أو إلى المخافر !….
لقد وقع فعلا توقيف عدد من الأساتذة، بطرقعنيفة ومهينة وزج بهم في مخافر الشرطة ليتم الأفراج عن بعضهم ومتابعتهم في حالة سراح، بتهم قيل إن من بينها التجمهر غير المسموح بغير رخصة، وخرق حالة الطوارئ الصحية وإيذاء رجال القوة العمومية أثناء قيامهم بوظائفهم، وإهانة رجال القوة العمومية بأقوال بقصد المس بشرفهم والاحترام الواجب لسلطتهم وإهانة هيئة منظمة. وقد تحدد تاريخ 20 ماي المقبل موعدا لأولى جلسات المحاكمة كما نشر في بعض المنابر الإعلامية.
والأمل كبير في أن يشهد موضوع التعاقد، بوزارة التربية والتعليم، تطورا إيجابيا، في الأيام المقبلة، يقينا منا أن الوزارة والمعنيين بموضوع التعاقد يومنون بجدوى الحوار وأن البلد لا يمكنه أن يتحمل، ولأمد طويل تبعات أزمة في التعليم، قد تشل قطاعا أساسيا في تعاقد الشعب مع الدولة، ولا خير خيرٌ من “حلول التفاهم” ، عملا بمقولة المفكر الفرنسي الكبير “أونوري دو بالزاك“:”صفقة سيئة خيرٌ من قضية جيدة” !
Honoré de Balzac (1799-1850) ” un mauvais arrangement vaut mieux qu’un bon procès ! ”
عزيز كنوني