دأبت بعض الصحف “الداخلية” والدخيلة على الإعلام الجاد، في مساندتها لآراء بعض المسؤولين المحليين، في تبخيس المآثر التاريخية التي تزخر بها طنجة، والتي يعود تاريخها إلى عهد الفنيقيين، واليونانيين، والرومان، وإلى عهود الاستعمار البرتغالي والإسباني والبريطاني، خلال العصر الوسيط.
فبعد وصول معاول بعض عمال ترميم المدينة العتيقة إلى وأنفاق وممرات تحت أرضية، تعود إلى القرون الغابرة، لم يتم التأكد من أزمانها بسبب لامبالاة الجهات المشرفة على عملية الإصلاح والترميم، وأيضا الجهات المختصة بصيانة المآثر التاريخية والمحافظة عليها، تمّ الأمر بإغلاقها وردمها “وتصفية” الحديث عنها، اعتبارا لأنها أصبحت حديث الرأي العام الطنجي المرتبط ارتباطا عاطفيا بتراث المدينة ومآثرها التاريخية، بشكل غير مألوف بالمغرب.
والأمر يسري أيضا على الطريق الرومانية التي لم يكترث له حكام البلد، ولم يبدوا بشأنه أي بادرة تذكر، بل على العكس من ذلك، تم “التشكيك” في “رومانية” هذه الطريق، بالرغم من “أسلوب” الحجارة الذي اعتمده الرومان، في ترصيف الطرق، ومثلها موجود، خاصة بالقصبة التي تزخر بمآثر رومانية هامة.
ومقابل احتجاجات وتحذيرات منظمات أهلية تعنى بالمآثر التاريخية للمدينة فإن الجهات المسؤولة عن حماية المآثر التاريخية بالبلاد، تعاملت مع الموضوع بصمت “مريب” خاصة بعد الإقدام على تجريف الطريق الواقعة بالجبل الكبير، ما اعتبره نشطاء جمعويون مقدمة لتدمير هذه الطريق ، الممتدة أصلا إلى أكلا و مغاور هرقل، وإلى مدينة “كوطا” الرومانية، ومآثر رومانية أخرى هامة في محيط مدينة “زيليس” أصيلا الحديثة، على الجانب الأطلسي،.
جمعية “تداول للتربية والتراث والبيئة” كانت من بين المنظمات الأهلية التي أثارت الانتباه إلى أهمية هذه الطريق التاريخية وذكرت بأن مثيلات هذه الطريق بأوروبا وسائر البلاد المتحضرة، الغيورة على مآثرها التاريخية، تحظى بعناية كبيرة، وتصنف من طرف منظمة اليونيسكو “تراثا عالميا“. وأدانت الجمعية ما يتعرض له الإرث الإيكولوجي العالمي لطنجة من “اعتداءات وتشوهات” ! .
وانبرت أقلام جادة للتنديد بالتطاول على الطريق الرومانية بالجبل الكبير، والاعتداء على “هذا الإرث التاريخي الفريد والمتميز في مدينة طنجة باستخدام المعاول إيذانا بهدم الطريق . وفي هذا الصدد، نشر الأستاذ الباحث عثمان بنشقرون، هذا الأسبوع، حديثا بجريدة “طنجة 24″ الإليكترونية، تناقلته مواقع أخرى، ، يؤكد “رومانية” هذه الطريق ويستغرب من أن يأتي “تبرير هذا الفعل غير المسؤول والرامي إلى تبخيس تاريخ المنطقة بنُكران الطريق جملة وتفصيلا من طرف المسؤولين الذين أوكل إليهم الحفاظ على تاريخ وثرات المنطقة، ومن طرف الذين نصبوا أنفسهم متحدثين رسميين باسم تاريخ وتراث المدينة.. مشيرا إلى أن هذه الطريق تمت الإشارة إليها في المصادر العربية التي تعود إلى العصر الوسيط وحددت هويتها التاريخية. كما أنها ليست شيئا مجهولا في حصيلة الأبحاث الأركيولوجية العلمية التي عرفتها طنجة منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا، وقد وثقته منشورات “أرشيف المغرب“، إذ أكدت الأبحاث أن هذه المنطقة من أغنى المناطق التاريخية التي تعود إلى ما قبل الرومان .
“وكانت هذه الطريق قد خضعت للإصلاح في عهد السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الرحمان سنة 1864 أثناء بناء منارة رأس سبارطيل” .
وصبيحة الأحد الماضي تم العثور على 15 قنينة زجاجية، مدفونة بعناية في سطح أهد المباني التاريخية لمدينة طنجة، الواقع على الطريق الرومانية المؤدية إلى الميناء، قيل إنها تعود إلى القرن الرابع عشر، وتحمل أسماء مدن إسبانية وإيطالية.
وسرعان ما انبرى محرر “مستكشف” بجريدة وطنية جادة، للتشكيك في قدم القارورات وانتمائها إلى القرن الرابع عشر الميلادي، لينضم إلى “جحافل” المشككين في الاكتشافات التاريخية لطنجة، على الرغم من علمهم بأن هذه المدينة تعتبر أقدم مدينة “متحضرة” بالمغرب القديم والوسيط. الكاتب الذي عنون مقالته، تهكما، بـ “القوارير و “القراعي“، كتب بنبرة اليقين أن هناك “عشرات الآلاف من القنينات من هذا النوع صنعت حديثا ولا يتجاوز ثمنها خمسمائة درهم. ويضيف “مع احتساب رسوم نقلها وشحنها من أوروبا” !!!…
أظن أنكم توافقونني الرأي بأن مثل هذه “الكتابات” لا تستحق الرد !
عزيز كنوني