تفصح العثماني خلال مواجهته لأعضاء البرلمان بغرفتيه، الاثنين الماضي، وهو يردّ على الانتقادات الموجهة للحكومة، من طرف المتحالفين والمعارضين، على حد سواء، بخصوص أساليب مواجهة الجائحة، وبالضبط، التدابير الأخيرة المتعلقة بليالي رمضان “الجميلة“ ( ! )…
وقد لاحظ المتتبعون أن العثماني لم يكن مرتاحا في رده على انتقادات المعارضة، خاصة الاستقلالية، وأثار بعض السخرية حين توجه لنائب مستعند بالقول: آ انت، هانا ماجي ليك !… وكان النائب طالب باستعمال الفصل 103 من الدستور، بينما رد رئيس الحكومة أن الفصل 103، “شغلي أنا” في حال ما إذا أراد رئيس الحكومة مطالبة استمرار ثقة البرلمان في حكومته. أما شغل البرلمان، فهو الفصل 105 الذي يعطي النواب الحق في الاعتراض على مواصلة الحكومة عملها عبر حجب الثقة عنها، وفق ضوابط وضعها الدستور لذلك !. وكان العثماني محقا في هذا الدفع
ولكن العثماني “استبق” الأحداث، وأعلن أنه يتمتع بثقة الملك والبرلمان، والشعب (ولعله يقصد ثقة المليون ونصف المليون، من المصوتين لحزبه، من بين ثمانية ملايين المصوتين في الانتخابات الماضية)، و أضاف أن “الأغلبية” لا تزال قائمة، ووفية، وبالتالي فلا خشية من “حدث” طارئ، يمكن أن يهدد ما تبقى من عمرالحكومة !
وأمام حدة انتقادات الفرق البرلمانية، موالية ومعارضة، لقرار الإغلاق الليلي خلال شهر رمضان، قال العثماني إن الحكومة كانت بين خيارين: التخفيف أو التشديد، فاختارت التشديد بتوصية من لجنتها العلمية ، حفاظا على صحة المواطنين، وفند “ادعاءات” المنتقدين، بأن المواطنين غير راضين على ” قرار الإغلاق الليلي الرمضاني“، بأن أكد أن لا صحة لما يدعي البعض بأن المغاربة يطالبون بالتخفيف، بل إن المواطنين واعون بأن التدابير المتخذة هي في صالحهم، حتى لا تتكرر “كارثة” عيد الأضحى في صيف السنة الماضية، حيث تم الإبقاء على “شعائر” أسواق الماشية، ما تسبب في تفشي الإصابات بما فاق 6000 حالة جديدة.
هذه الحالة التي أدانها العاقلون من أبناء الشعب ، في وقتها، “لعشوائيتها“، وخروجها عن أي ضبط احترازي أو وقائي، تفرضه الجائحة ، تدفع إلى التساؤل: وهل كان بإمكان أي أحد أن يقف في وجه التسويق لأكباش محميي وزارة الفلاحة؟…. !
العثماني رأي في “التزام” المواطنين بالتدابير الصحية من كمامات وتباعد واحترام للانتقال حيث وجب، تعبيرا شعبيا عن” تعاطف” المواطنين من قرارات الحكومة، ولذا أشاد بمواطنتهم وتفاعلهم الإيجابي مع تلك القرارات التي تصب كلها في مصلحتهم.
ربما أن جهة ما، تقدم للعثماني بيانات مدعمة بصور وفيديوهات “فوطوشوبية” حول الالتزام الشعبي بالتدابير الاحترازية، ولكن ممارسة أغلب المواطنين لـ “شعائر” الكمامة والتباعد الجسدي سواء بالشوارع أو بالمطاعم أو بالمقاهي أو في الأسواق، أو في وسائل النقل العمومي، أو فيما يخص تنظيم الحفلات الأسرية ، بالنسبة للوجهاء على الأقل، لا تبدو بالمستوى الذي يستحق الإشادة والتنويه !!!…
ولتبرير قراراته بــ “التشديد الرمضاني“، قال العثماني إن الحالة الوبائية ” بالمغرب “مقلقة وأن الفيروس المتمحور ينتشر بسرعة 70 بالمائة وأنه مميت بنسبة 30 بالمائة، مقارنة مع الفيروس المعلوم، ولذا وجب الحذر، والأمل في التلقيح، للخروج من هذه الوضعية. قال.
إلا أن التلقيح يصطدم بعراقيل خارجية وداخلية.
خارجية: بسبب بطء وصول شحنات اللقاحات التي تخضع لمشيئة مخترعيها وموزعيها، و“المضاربين” بها. وحيث أننا لسنا لا مخترعين ولا موزعين، فعلينا أن “نضرب الصف” وننتظر وندفع! …
وعراقيل داخلية: لأن الخبراء الذين يفتخر بهم العثماني ويعتبرانهم المرجعية في الحديث عن الجائحة وآثارها وطبيعة التدابير الاحترازية لمقاومتها، هم أنفسهم الذين “أفسدوا اللعبة“، بتردداتهم وتضارب أقوالهم وأحكامهم بخصوص اللقاحات التي تبين الآن، بالعلم، أنها، ليست كلها “آمنة” الأمان النسبي المطلوب !، وأن الآثار الجانبية لبعضها، ومنها الجلطات الدماغية التي تم أخيرا الاعتراف دوليا، بارتباطها ببعض اللقاحات، أضعف الإقبال عليها، إذ لا أحد يقبل أن يكون “كوبايا” بمعنى “كبش فداء” ليعيش آخرون، وأن لا مكان “للإيثار” في مثل هذه النوازل !!! …
إن المواطنين المغاربة “مسالمون” ولا يرفضون أي إجراء وثقوا في أنه لصالحهم ولخيرهم وخير أهاليهم، ولكنهم لا يقبلون “علاج الرجل بقطعها“، بل بإيجاد “مرهم” نافع لشفائها. والحال أن الإجراءات المصاحبة لقرارات المواجهة الحكومية لم تكن بالدرجة الملائمة شكلا ومضمونا ولم تنفذ بالسرعة المرجوة، حيث تعرض الآلاف من المواطنين للفقر والتشرد، بعد أن ضاعت منهم أعمالهم أو تجارتهم. .
حقيقية إن الحكومة صرفت مبالغ مهمة في باب المساعدة، ولكن تلك المساعدة لم تكن دائما على قدر الأضرار التي تسببت فيها الجائحة، ولا عادلة لعدم وجود سجلات مدققة تخص أكثر الناس حاجة لتلك المساعدات، حتى أن وزيرا في الحكومة صرح بالبرلمان أن عددا من غير المستحقين استفادوا من صندوق كورونا للدعم.
وكمثال على ذلك، حالة ندل المقاهي والمطاعم ومحلات الترفيه وغيرها وقد أصبحوا منذ صباح أول يوم في رمضان بدون درهم واحد في الجيب، وجلهم أرباب أسر، يتعيشون من “بوربوارات” الزبناء وكرمهم، وذلك بسبب عجز الحكومة على فرض تمتيعهم بعقد عمل وتصريح لدي المصالح الاجتماعية وتأمينهم وأسرهم ضد المرض، وقد طلعت الحكومة، كما يبدو، بوعد تقديم دعم الألفي درهم إلى 70 ألف من هؤلاء ، الذين تقدر أعدادهم بما يفوق المليونين عبر تراب المملكة. وقيل إن تعليمات صدرت إلى الوزارات بهذا الشأن. ! وإلى أن تتم بلورة تلك التعليمات، يكون قضاء الله قد تصرف لأن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن ليس الخبر “كالتبحصيص” !!!….
ولو نزل العثماني إلى الأسواق، أو إلى الأسواق المرتجلة داخل الأحياء الشعبية، ، لراعه منظر الحاجات المعروضة للبيع على قارعة الطريق وهي تخص أغراضا شخصية للأسر، من ثلاجات وأجهزة تيلفزيون، وكاطريات ومطارب و أغطية ومخدات، حتى ألبستهم الداخلية، …. وحتى” الطيفور” تخلت عنه بعض الأسر من أجل “عتق الروح“!!!….ومتى وصلت المساعدة، ربما يكون “قد فات الفوت!…
أما ما ذكره العثماني من أنه ملزمٌ وحكومته بالإنصات للمواطنين والتواصل يوميا معهم ، فإنها أقوال تدخل في أدبيات البيجيدي بينما المطلوب أن تتفاعل الحكومة بالسرعة المطلوبة مع فقراء الشعب، وهم أغلبية المواطنين الذين اختلفت الحكومة في تصنيفهم، ما بين من يحصل على أقل من درهمين يوميا (الحقاوي) و 13درهما يوميا
(الحليمي) الذي أثار سخرية بل وامتعاض المغاربة حين قال إن عدد فقراء المغرب يتجاوز بقليل مليونا ونصف المليون، بينما 11 مليونا من المغاربة تحصلوا على بطاقة “راميد“، وهي للفقراء، مبدئيا، بالمغرب !
المغاربة الذين اتهموا الحكومة، كما قال العثماني بأنها حكومة “تصريف الأعمال” كان المطلوب منها أن “تبدع” في البحث عن إيجاد الحلول، وليس الاكتفاء بما فعل غيرنا من البلدان “الصديقة والشريكة“، بطريقة الـ “كوبي كولي“، والقول بأن لا يوجد بديلٌ عن “التشديد“، وقد أوجدت بعض البلدان، منها تونس وتركيا، مثلا، “بدائل” تخفف من وطأة الجائحة وتبعاتها الاجتماعية والاقتصادية. ولكنه “الاستثناء المغربي” !!!….
عزيز كنوني