يشهد المغرب تحركات لافتة، بل ومقلقة، في العديد من القطاعات ، بسبب الأوضاع التي تعيشها فئات واسعة من المواطنين، نتيجة أزمة كورونا وإسقاطاتها السلبية على اقتصاد البلد وبطبيعة الحال، على اقتصاد الأسر. هذه الاضطرابات مست العديد من القطاعات، حيث يخيم شبح البطالة خاصة بين المعطلين من ذوي الشهادات العليا، وشبح الإغلاق الكامل بالنسبة لقطاعات يتعيش المستخدمون فيها من “كرم” الزبناء، كما هي الحال في المقاهي والمطاعم ، والفنادق ، وهم يعدون بمآت الآلاف ، وفي بعض المصانع أيضا، حيث يسرّح العمال بدعوى الأزمة، إضافة إلى قرارات الإغلاق الشامل الذي “يغطي” شهر رمضان بالكامل. والمغرب ليس استثناء في هذه الباب. إلا أن غيرنا من بلاد الله الواسعة، والمتقدمة، تواجه الأزمة بآليات محكمة، وحلول مبنية على إحصائيات مدققة، وتحرك في منتهى السرعة، لآليات التعويضات والمساعدات، لفائدة القطاعات المتضررة. ولا حاجة إلى مزيد من التوضيح، فالحال يغني عن السؤال !…
إلا أن قطاع التعليم يبقى الأكثر إيلاما، اجتماعيا، بسبب إصرار الأساتذة المتعاقدين، أو الذين “فرض عليهم التعاقد“، كما يدعون، على إسقاط نظام التعاقد ومطالبتهم بالإدماج في أسلاك الوظيفة العمومية، و أيضا، بسبب وقف مسلسل “التفاهمات” مع وزارة التربية الوطنية من جانب الحكومة، وإغلاق باب الحوار في وجههم !
ومعلوم أن الأساتذة المتعاقدين يخوضون نضالا مستمرا منذ حوالي أربع سنوات، واجهوا، خلالها، كما يدعون، المنع الصارم و التعنيف “الظالم” خلال نزولهم المتكرر إلى الشارع، للمطالبة بالإدماج.
ومع تكرار مظاهر العنف الذي يواجه به المحتجون، بالشارع العام، من طرف القوات العمومية والذي “تترصده” بدقة، مواقع التواصل الاجتماعي، ارتفع تدريجيا تعاطف المواطنين مع الأساتذة، بالرغم من الأضرار التي تلحق بهم وبأولادهم المتمدرسين، بسبب الإضرابات المتكررة للأساتذة وخوضهم لـ “نضالات” مستمرة تدعو إليها “تنسيقية وطنية” تتولى تنظيم المسيرات الاحتجاجية ”.
وبالرغم من قرار المنع الذي قوبل به الإعلان عن منع التظاهرات والتجمعات بالشارع العام حرصا على احترام حالة الطوارئ الصحية المفروضة بالبلاد فقد “تحدى” الآلاف من الأساتذة المتعاقدين قرار ولاية الرباط، ونزلوا إلى الشارع في مسيرة احتجاجية بشارع الحسن الثاني في اتجاه البرلمان ووزارة التربية الوطنية، إلا أن القوات العمومية “تصدت” لهم ومنعتهم من التوجه إلى بناية البرلمان، مستعملة الإمكانات التي بين يديها لتفريق المحتجين ومحاصرتهم بباب الحد، حيث رددوا شعارات تندد بمنعهم من التظاهر السلمي، كما رددوا نشيد فريق الرجاء البيضاوي الشهير “في بلادي ظلموني” !…
إلا أن المسيرة المحاصرة، شهدت “مناوشات” مع القوات العمومية رصدت بعضها عدسات كاميرات المواقع، وهي تظهر أستاذات أحاط بهن بعض رجال الأمن، مدنيين وعسكرا، وقد رفعوهن كل من طرف، في وضع مجحف بكرامتهن الإنسانية، ووضعهن كمربيات، في محاولة لسحبهن خارج الميدان أو اقتيادهن إلى المخفر, ولم يكن الرجال أحسن حالا من النساء, فقد شملتهم أيضا “بركة” التعنيف والتوقيف، حسب “التنسيقية الوطنية للمتعاقدين“، وهو ما زاد من حالات الاحتقان والتوتر بين المتظاهرين والقوات العمومية.
ومعلوم أن ملف التعاقد يعود إلى سنة 2016، على عهد حكومة بنكيران التي اختارت إطلاق نظام التعاقد أمام حاملي الشهادات العليا، مبررة هذا الاختيار بدعوى “إرساء الجهوية” واللامركزية في قطاع التعليم.
إلا أن الأساتذة المعنيين يرفضون عقود “التعاقد” لكونها كانت، كما يدعون، “إذعانيه” و “مفروضة” بسبب حسابات إدارية، وحاجة أصحاب الشهادات العليا إلى العمل.
ومن غرائب وعجائب بلد الغرائب والعجائب أن يطلع قيادي في “العدالة والتنمية“، بتصريحات يقول فيها إن خروج “أطر الأكاديميات ” (هكذا)، للاحتجاج، أمر يدخل في إطار ممارسة حقهم الدستوري في الاحتجاج والتظاهر، وعبر عن أسفه لتعنيف الأساتذة ، وهو الحزب نفسه الذي صنع هذه الكارثة
حين وضع قانون التعاقد، واعتبره مفخرة من مفاخر إنجازاته، إلى جانب “إصلاح صندوق التقاعد” وصندوق المقاصة، وتحرير المحروقات، ومراجعة الأجور، ومنجزات أخرى، افتخر بها، علنا، دولة الرئيس، في أكثر من مناسبة، قبل أن “يغادر“، وبعد أن “تصيد” الملايين التسعة، يدسها في جيبه عند رأس كل شهر، “حراما طيبا” إلى يوم يبعثون… !
عزيز كنوني