في غضون الشهور القليلة القادمة سيطوي المغاربة صفحة الحكومة في انتظار ما سيجود به الزمان..في انتظار موعد انتخابات المجالس التشريعية والجماعية والجهوية ..في انتظار مسلسل انتخابي في حلقات كوميدية حيث الشعارات الطنانة والوعود الخرافية التي عودتنا عليها أحزاب في كل موسم انتخابي ممتع قريب الى الفرجة منه إلى الواقع الذي يتطلع إليه المغاربة.. ستنتهي الحكومة كما انتهت من قبل سالفتها التي رحلت في صمت دون ان يلتفت إليها ولا أن يحاسبها أحد ؟؟ في الشهور القليلة القادمةستنطفئ شمعة الحكومة التي أضاءت ماحولها “عملا بسياسة القرب” وفي ارجاءها عتمات وظلمة حالكة.. سيتلاشى كل شيئ مع حكومة عجزت عن تحقيق آمال وتطلعات المغاربة..سيتبخر ما يسمى بسياسة وبرامج ومخططات الحكومة بعد أن أبانت هذه الأخيرة عن فشل لايقاوم .. جزء من هذه الانتقادات جاءت من قبل فئة واسعة من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي .. والوعود الخرافية التي التزمت بها الحكومة طيلة مدة ولايتها تبخرت في الهواء ودفعت بالشباب الى مزيد من التهميش والبؤس والإقصاء بسبب إنعدام فرص الشغل..وعدم تكافئ الفرص.. والتراجع في سياسة التوظيفات في مؤسسات الدولة.. والتلكئ في الحوار مع المركزيات النقابية وهلم جرا .. إجمالا هذه حكومة تراجعات كبرى قد لا يتسع المجال لتشخيص مكامن الداء والنقائص وإلاختلالات.. لن نغوص ايضا في المعترك الانتخابي الممتع والعجيب قبل أوانه ..لكن دعونا نلقي إطلالة سريعة نميط فيها اللثام عن بعض أوجه عجز الحكومة وهي على وشك الرحيل إلى غير رجعة.. بات من المؤكد ان حكومة سعد الدين العثماني في مفترق طرق وفي سياق مرحلة معينة يصعب تشخيصها لكنها تحتاج إلى استراتيجية أمثل وإلى خطة للتعامل مع الازمة وهذا أمر لم يكن واردا في حسابات الحكومة مما أفقدها السيطرة والتحكم بزمام الامور… الى ذلك فإن الوقوف امام مفترق الطرق لم يعد يسمح بإعادة ترتيب الأوراق وإعادة صياغة المنطلقات والتوجهات لإصلاح ما يمكن إصلاحه.. والبحث عن حلول للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية بعيدا عن جيوب البسطاء من المواطنين الفقراء المثقلين بالديون وبهموم المعيش اليومي ..هي الآن-اي الحكومة- تجتاز مرحلة صعبة تبخرت فيها الكثير من الوعود وامام إنفلات الوضع وخروجه عن السيطرة .. فيما يمكن اعتبار الاختيارات التي لاتصب في صلب الاهتمامات الشعبية والسياسات المتبعة التي لا تضع في حساباتها التوجهات المرحلية بما يعني أن العنصر البشري كان وسيظل هو المرتكز الأساسي لكل عمل تنموي.. فالنتيجة كما نستشعرها ويحس بها القاصي والداني لامزايدة عليها ويمكن اختزال الامر في ازمة حكومة.. وحكومة أزمة.. وليس للأزمة إلا وجه واحد مهما تعددت صيغها.. حكومة غير قادرة على معالجة مشاكل وهموم المغاربة وتحقيق تطلعاتهم إلى ماهو أفضل باعتمادها سياسة عرجاء غير واضحة المعالم وغير شجاعة ولعه بيت القصيد.. حكومة لم تحقق شيئا مما كان منتظرا من آمال وطموحات وتطلعات المغاربة!
فهل تناهى الى سمع رئيس الحكومة أن تراجعات خطيرة تمثلت في ضرب المكتسبات وتوسيع الفوارق بين الفئات المجتمعية مع إجماع على الادانة للسياسة “اللاشعبية” التي بصمت حضورها الملفت في عهده كما في عهد سلفه بن كيران؟؟ ومن حقنا ان نطرح السؤال مجددا هل يصح القول ان حكومتنا الحالية على اختلاف مكوناتها وتوجهاتها السياسية تمتلك رؤية حقيقية للاصلاح ؟؟ يبدو واضحا ان حكومة العثماني تفتقد لمقومات الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي لمواجهة المعضلات الاجتماعية والخروج من الازمة !؟ في هذا السياق لابد من التذكير بتصريح مقتضب لسعد الدين العثماني عقب تشكيل الحكومة “الجديدة القديمة” استقيته من بعض المراجع -يقول فيه بالحرف ان حكومته ستواصل مسلسل الاصلاحات الذي بدأته الحكومات السابقة واضعة مصلحة المواطن المغربي فوق كل اعتبار.. إنه التجسيد الأمثل لمعنى ومفهوم الهراء والضحك على الذقون.. عن اي مسلسل اصلاحي يتحدث العثماني ان لم يكن جزءا من مسلسل أفرغ من الفراغ الحكومي ذاته اللهم أذا كان يقصد المسلسل المكسيكي بجرعاته الزائدة في الحميمية والمغامرات العاطفية وحواراته الموغلة في التفاهة والمراهقة التي أهدرت بدورها الكثير من وقت المغاربة؟؟ الصراحة تقتضي القول ولكل غاية مفيدة كما يقال بأن مسلسل “رئيس الحكومة” لايرتكز على أسس معقولة كفيلة بإخراج البلاد مما تتخبط فيه من المعضلات والأزمات..وما أكثر الأزمات حين تعدها- أزمة شغل..أزمة تعليم..أزمة صحة او إستشفاء.. أزمة ثقافة.. أزمة فساد واستفحاله في دواليب ومرافق الدولة .. أزمة استراتيجية لإنقاذ أطفال الشوارع والقضاء على التسول وهلم جرا.. فاالمسلسل الإصلاحي كما يتصوره رئيس الحكومة عديم الصلاحية لا يستجيب لآمال وانتظارات وطموحات المواطن المغربي ؟! بالمجمل يبدو واضحا من حيث الشكل والظاهر هي حكومة كفاءات تتحدث كثيرا وتلغو كثيرا يغلب على خطابها الطابع الشفوي المحض الذي لا يخطئ لكنه بدون مضمون عملي وبنتائج ملموسة.. والواقع أن الحلقة المفقودة في المسلسل المفترى عليه يسائل الحكومة من موقع مسؤوليتها الدستورية عن الإصلاحات والانجازات التي قامت بها لصالح البلاد والعباد !؟ هو نفس الواقع الذي يستفز الحكومة بضرورة البحث عن الحلول العملية لأزمات المجتمع والاسراع نحو تصحيح الرؤى والتصورات قبل فوات الأوان !؟ والحكومة تعلم قبل غيرها أن معظم الإنجازات التي أعادت شيئا من الثقة إلى النفوس هي إنجازات تتأسس على رعاية واهتمامات ملكية رائدة.. هذه حكومة من المفروض دستوريا ان تكون حكومة لكل المغاربة من دون إستثناء حكومة يجب ان تكون لها ارادة قوية وسياسة شجاعة واستراتيجية عملية محكمة ومخططات تنموية قابلة للتنفيذ على ارض الواقع تستجيب لانتظارات وتطلعات الشعب المغربي كما هو الشأن لدى بلدان العالم المتحضر او السائر في هذا الطريق !!؟ كم من الوقت يلزم هذه الحكومة لاعادة صياغة منطلقاتها وتوجهاتها ان كانت لديها فعلا توجهات ورؤى وتصورات؟؟ على الجانب الاخر نتوجه الى احزابنا السياسية الغائبة عن المشهد السياسي لنسائلها عن دورها في التأطير والتعبئة ؟؟ هل تقوم فعلا بما يجب ان تقوم به من منطلق مبادئها واهدافها وتوجهاتها ورصيدها النضالي والتاريخي ؟؟ هل الاحزاب التي تسمي نفسها “مناضلة” ادركت بحسها النضالي انها ساهمت من الموقع الحكومي الذي تدبر شأنه اليوم في تحقيق تطلعات وآمال المواطنين والسعي الى تحسين احوالهم وظروفهم المعيشية ؟؟ كثيرة هي الاسئلة التي نطرحها للتأمل والتدبر واستقراء واقع حكومة إستنفذت الكثير من الوقت في غياب النتائج التي لم يتحقق منها شيئ على أرض الواقع؟؟
مهما يكن من أمر فإن المواطن المغربي في الحاجة الى حكومة والى حكومات قوية منسجمة لها من القدرات والطاقات والكفاءات مايؤهلها لمعالجة الاشكاليات والازمات الاجتماعية وتأمين العيش الكريم للفئات الاجتماعية الهشة من الفقراء والمعوزين والعاطلين عن العمل !! هذا مايريده الشعب اما الخطابات والتصريحات والشعارات غير المنسجمة مع تطلعات وانتظارات المواطنين فإنها قطعا ويقينا لن تؤدي سوى الى تأجيج الوضع المؤدي الى مزيد من الغليان والتوتر والاحتقان !! فعلى الحكومة التي تقف امام مفترق الطرق ان تضع في حساباتها التطورات المتسارعة في ظل الظروف الحالية البالغة الصعوبة وان تبادر بما يقتضيه الامر من حزم وجدية ومسؤولية الى تصحيح الاختلالات وإيجاد حلول سريعة للأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد قبل فوات الأوان.
إدريس كردود