تتابع الحركات النسائية بالمغرب، نضالها من أجل إحداث تغيير جذري في العقليات السائدة، المتمسكة بأحكام “تراثية” متزمتة، في كل ما يمس بالمرأة وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية.
ومؤخرا، أطلقت فعاليات حقوقية للنساء بالمغرب مبادرة إعداد ملتمس تشريعي يهدف إلى تعديل المادة 49 من مدونة الأسرة المتعلقة بحقوق المرأة في الأموال المكتسبة خلال قيام الزوجية.
هذه المادة تنص على أن لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر غير انه يجوز في اطار تدبير الأموال التي تكتسب أثناء قيام الزوجية، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها, ويضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج، وفي حالة عدم وجود اتفاق يتم الرجوع إلى القواعد العامة للإثبات، مع مراعاة عمل كل واحد من الزوجين من أجل تنمية أموال الأسرة.
وبالرغم مما سعى إليه البعض من اعتبار مضمون المادة 49 من “المدونة“، إنصافا للمرأة وتأكيدا لشرعية حقوقها عبر الاعتراف لها بذمتها المالية المستقلة، إلا أن هذه المادة أخضعت الاستفادة من مساهمتها في بناء الثروة الأسرية، إلى اتفاق خارج عقد النكاح، موثق بعدلين “أملحين” وإلا تم الاحتكام إلى شرع الإثبات، وهومن “سابع” المستحيلات داخل بيئتنا المغربية حيث ينفرد الزوج، عادة، بتدبير الشأن المالي للأسرة وتسجيل كل مكتسبات الأسرة من أموال ومنقولات باسمه حتى وإن كانت مساهمة الزوجة تفوق مساهمة الزوج…. !.
وفي حالة الطلاق، لا تستحق المرأة إلا ما كان لها أو ما هو مضمن بعقد الزواج من أثاث البيت أو ما هو معتاد للنساء فقط. وتختفي كليا، حقوق الأرملة في حالة وفاة الزوج، فيما يخص مساهمتها في بناء ثروة الأسرة، إلا ما ثبت لها من نصيب في ميراث زوجها الهالك، وهو الربع إن لم يكن له فرع وارث أو الثمن إن وجد هذا الفرع.
المبادرة الأخيرة للحركات النسائية المغربية بزعامة “منتدى الزهراء” تسعى إلى إثارة الانتباه إلى هذا الموضوع، عبر تقديم ملتمس للجهات المشرعة، من أجل تعديل المادة 49 من “المدونة” بهدف رفع المعاناة عن النساء وإنصافهن في تقدير مساهمتهن في تنمية أموال الأسرة عند الطلاق أو الترمل، ومواجهة عقليات التزمت والتحجر التي تعترض على كل ما يخص إنصاف المرأة بالاعتراف بمساهماتها في تنمية أموال الأسرة إلى جانب زوجها، وعدم التفريط في حقوقها المشروعة من الاستفادة مما هو لها من حقوق مكتسبة عبر مبدأ “الكد والسعاية” (السعاية من السعي. قال تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم. وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف يرى) وذلك وفق فتوى الإمام أبي العباس أحمد بن الحسين بن عرضون، شيخ المذهب المالكي بالمغرب، الذي انتصر فيها للمرأة قبل أربعة قرون حين أفتى بأن “يوضع في الحسبان، كفاح المرأة وكدها بعد الطلاق أو الوفاة، بحيث إن لها أن تحصل على نصف ثروة الأسرة التي حققتها مع زوجها أثناء ارتباطها به ثم لها أن تأخذ نصيبها من الميراث في حالة وفاة الزوج“.
هذا الفتوي اعتبرت “ثورة” في فقه الأسرة أيدها بعض العلماء المتنورين وعارضها آخرون ممن لا يرون ظلما وإجحافا في أن تضيع حقوق الزوجة في ثروة الأسرة حتى وإن كانت قد ساهمت “بكدها وسعيها” في بناء تلك الثروة، لمجرد أن الثروة كتبت باسم الزوج المطلق أو الهالك، ولم يكن لها أبدا حق التعرض أو الممانعة.
على أي، فإن “المدونة” التي تعود إلى سنة 2004، تحتاج إلى تعديل وتحيين وملاءمة مع تطور الأوضاع الاجتماعية ، إذ لا شيء ثابت مع حركية التغيير التي تشهدها المجتمعات البشرية والتي تفرض تطورا مدهشا في العديد من الظواهر والنظريات والمفاهيم.
سمية أمغار