لست أدري كيف أني استرجعت صور احتجاجات أصحاب “السترات الصفراء” التي روعت شوارع باريس وكبريات العواصم الفرنسية، وأنا أتابع أخبار وأشرطة الاحتجاجات الأخيرة بالرباط، للأساتدة المتعاقدين !… لعله “زخم” المشاركة الشعبية، وأعداد المحتجين الذين كان “الغضب” يعبر عن تعبهم من المطالبة بما يعتبرونه حقا من حقوقهم المهنية والوطنية، وحدة الشعارات التي رفعوها أو رددوها ، وأيضا، ترصد الأمن لهم، ومنعهم من التقدمن سواء في اتجاه البرلمان أم وزارة التربية والتعليم أو جهات أخرى. مشاهد أصرار المحتجين على إيصال مطالبهم إلى من يهمهم الأمر عبر تظاهرهم الذي اعتبروا أنه تظاهر سلمي، مدني، يسنده التصفيق وترديد أناشيد “نضالية” ، قابلها “تدخل” أمني، وصف بالعنيف، وبالغير متناسب مع “خطورة” التظاهر، سواء من جهات سياسية مساندة أو من شعب “الفايسبوك” الذي انخرط، بقوة، في تتبع تحركات المتظاهرين وقوات الأمن على السواء،
بالمنقابل، نفت ولاية أمن الرباط “بشكل قاطع” ، “صحة الادعاءات التي تم الترويج لها بشكل مغلوط على مواقع التواصل الاجتماعي، والمتعلقة بلجوء قوات حفظ النظام التابعة للأمن الوطني إلى استخدام القوة والعنف أثناء تفريق تجمهرات نظمها أعضاء تنسيق مهني للأساتذة المتعاقدين بمجموعة من المحاور الطرقية بمدينة الرباط، وأن عناصر الشرطة قامت بتوجيه الإنذارات القانونية، قبل أن تباشر عملية تفريق تجمهر حاول تنظيمه المحتجون بالشارع العام، في خرق لإجراءات حالة الطوارئ الصحية، وذلك دون أن يتم تسجيل استعمال أي من الوسائل والمعدات النظامية للتدخل الموضوعة رهن إشارة عناصر الشرطة.
الأشرطة والصور المبثوثة على وسائط التواصل الاجتماعي والمنشورة على صفحات بعض الصحف، أظهرت جوانب من “التعامل” مع تظاهر الأساتذة أطر الأكاديميات المتعاقدين والأساتذة حاملي الشهادات العليا الأمر قوبلت باستنكار واضح من جهات حقوقية وإعلامية وأهلية، بالرغم من نفي ولاية أمن العاصمة ما راج من استعمال العنف أثناء تفريق المتظاهرين في حين بين بلاغ ولاية الأمن أن “عناصر قوات حفظ النظام باشرت تنفيذ ترتيبات أمنية بعين المكان، تروم تطبيق إجراءات الوقاية الصحية، فضلا عن ضمان حرية التنقل بمدينة الرباط،
عدد من المعلقين اعتبروا أن تعنيف نساء ورجال التعليم يحمل معاني الإهانة والتحقير للأساتذة الموكول إليهم أمر تربية أولادنا على قيم الخير والصلاح . فهل بعد كل ما جرى، وما جرى ليس هينا عليهم وعلينا، يوجد الأساتذة المعنفون في وضع نفسي يسمح لهم بزرع بذور الخير والسلم والإيثار في نفوس النشء الجديد ؟.
لقد أجمع متتبعو الإحتجاجات والتظاهرات التي شهدها العالم في الظروف المقلقة الحالية، على أن الكثير من حالات التشنج، بسبب مطالب مهنية أو سياسية أو أخلاقية، يمكن حلها عن طريق الحوار والتروي والإقناع وضبط النفس، والتركيز على المصلحة العامة في تناول القضايا الخلافية، دون التفريط في الحقوق الحياتية الأساسية للمحتجين، والاعتراف بأن العنف من الجانبين، ليس حلا، ولا يمكن أن يكون حلا للقضايا المطروحة التي يجب أن تعالج في جو من الثقة والهدوء والنية الحسنة.
العنف يورث الكراهية والعدوانية، ويدفع إلى المواقف المتطرفة، التي أثبتت أنها جحر الكوارث و وكر الآفات والنقم والقوارع ولأن المنصرف إلى العنف، من الخلق واهم .
ثم، ما ضرّ أن تؤطر المسيرات التي تختار أسلوب السلمية في استعراض قضاياها التي لو أنها عولجت باإنصاف وصدق وعدل، ما غامر منظموها بالنزول إلى الشارع وهم يعلمون، بتجرية المجرب، أن “العنف” ينتظرهم عند كل درب وزاوية.
إن الشعب يريد مغربا مستقرا آمنا، ومجتمعا مؤمّنا مسالما، فلتساعدوه على أن يظل كذلك……. !
عزيز كنوني