تحدثنا في مواضيع سابقة بغير قليل من التفصيل عن آفة الفساد الذي بات ينخر جسم المجتمع ويعرقل جهود التنمية ويؤثر على الاستقرار العام، ويمضي قدما في ظل غياب استراتيجية وسياسة وإجراءات رادعة..
نعود مجددا للحديث عن ظاهرة الفساد بأشكاله وصوره المتعددة – المالي والإداري والسياسي، ونخلص إلى القول بأنه الوجه الآخر لفشل السياسات الحكومية وتعطيل جهود الإصلاح والتنمية والتحديث.. لايختلف اثنان في أن معضلة الفساد هو من أخطر الظواهر وأشدها فتكا بالمجتمع، فهو لايزيد في تعميق الاختلالات المجتمعية فحسب، بل ينخر الاقتصاد الوطني من الداخل، ويهدد أمن وسلامة المجتمع.. وحينما يكبر هذا الفساد ويتضخم، كما هو حاصل عندنا، يأخذ أشكالا أخطبوطية في اتجاهات مختلفة متشابكة ومعقدة.. فمعضلة الرشوة والارتشاء والمحسوبية والامتيازات اللامشروعة واقتصاد الريع والمعاملات السرية المشبوهة ماتزال قائمة إلى قيام الساعة..!! دعوني أقول لكم أن الحكومات المتعاقبة على الحكم بيمينها ويسارها ووسطها لم تكن لها استراتيجية واضحة لمحاربة الفساد، ولم يكن من اهتماماتها مكافحته ولا التصدي للفساد والمفسدين، فكل ما يرتبط بالفساد تم تغييبه من سياساتها لحاجة في نفس يعقوب، بل من الحكومات من ساهمت أو ساهم وزراءها في تشجيع هذا الفساد الذي كبر وترعرع واستفحل ثم أصبح عاديا ومألوفا بين السياسيين والمسؤولين في الدولة..!! فمن الذي منع رئيس الحكومة السابق من محاربة الفساد؟ هم العفاريت والتماسيح والديناصورات حقا؟ هذا كلام مبهم لرجل بوهيمي بدون منازع.. يوجه الناس إلى التساؤل والاستفسار والبحث عن من تكون هذه الديناصورات المنقرضة التي تعرقل عمل الحكومة وتضع العصا في عجلتها..؟ أليس الحزب الحاكم هو من رفع بالأمس في حملاته الانتخابية شعار «صوتك فرصتك لمحاربة الفساد والاستبداد؟ ودون الدخول في تفاصيل معترك التصدي للفساد والمفسدين -كيف ولماذا وما إلى ذلك من هذا الكلام.. نسجل للتاريخ أن حمار الشيخ لم يستطع السير فعمد إلى الوقوف في عقبة الحكومات الكأداء ..
فالسياسات والتوجهات العامة للحكومات السابقة والحالية كانت وماتزال ممنهجة على مستوى البرامج والمخططات والرؤى والسياسات العامة لاتستجيب للتطلعات والاختيارات الشعبية.. وكان على الحكومة الحالية، وهي التي تتمتع بضمانات دستورية وقانونية، من شأنها تحصين العمل الحكومي وتساعده على تنفيذ صلاحياته للتصدي لكل الاختلالات والتجاوزات والتعفن المستشري في الكثير من إدارات الدولة وسوء استعمال السلطة والضرب على أيدي الفاسدين المفسدين.. أليس رئيس الحكومة السابق هو من استبدل شعار محاربة الفساد بشعار آخر هو «عفا الله عما سلف»؟ ولعل العفو عن الظالمين والمفسدين ومهربي الأموال من أعلى المقامات..
ارتباطا بالموضوع أنقل إليكم، على سبيل التذكير فقط، ما قاله جلالة الملك في إحدى خطبه بمناسبة عيد العرش قبل ثلاث سنوات، متوعدا في تحذير شديد اللهجة وجهه إلى المسؤولين المفسدين الذين يعملون على عرقلة المشاريع التنموية والاستهتار بجهود الدولة وضمنهم مسؤولون لايقومون بواجبهم قائلا في خطابه: «أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول لا يقوم بواجبه أن يخرج من بيته ويستقل سيارته ويقف في الضوء الأحمر وينظر إلى الناس دون خجل ولا حياء وهو يعلم بأنهم يعرفون بأنه ليس له ضمير.. ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله والوطن والملك ولايقومون بواجبهم »؟؟ انتهى منطوق الخطاب الملكي. وفي واقع الأمر، فإن ثقافة وسلوك النهب والاختلاس الذي يسكن عقول الفاسدين الانتهازيين -من أي موقع كان- لايؤدون واجبهم بعيدا عن كل إخلاص للضمير والتزام بالمسؤولية واحترام للقانون.. هكذا يبذر ويهدر ويختلس المال العام، ولعل الرابح الأكبر في هذا المعترك الذي لامخرج له ولا منه هو رئيس الحكومة الأسبق المثير للجدل والذي سعى جاهدا للحصول على معاش مريح ومربح لايقل عن سبعين الف درهم -70.000- تؤدى له من أموال دافعي الضرائب عند متم كل شهر بنظام وانتظام.. هكذا تتحقق المكاسب والامتيازات الخاصة غير المشروعة في أجمل بلد في العالم..