منذ مدة ونحن نعيش على وقع جرائم مأساوية يذهب ضحيتها كل يوم أطفال أبرياء، في مس صارخ بالقيم الدينية والأخلاقية التي فطمنا عليها في مجتمع مسلم، كل يوم تطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات وسائل الإعلام المختلفة بخبر خطف واغتصاب وقتل طفل هنا وهناك، فهذه الجرائم الوحشية، التي تعصف بمستقبل وحياة فلذات أكبادنا، أصبحت كابوسا يؤرق كل الأسر المغربية، لذا وجب الضرب بيد من حديد على يدي من سولت له نفسه العبث بأجساد وأرواح أطفالنا، كيف لا، والله سبحانه وتعالى أولى اهتماما بالغا للأطفال، هم من أجل النعم التي أنعم الله بها على عباده خاصة الآباء، وهذا ما يتضح جليا في قوله تعالى )المال والبنون زينة الحياة الدنيا( سورة الكهف الآية 46، كما اعتبر مسألة حماية الأبناء والحرص على تربيتهم وتنشئتهم أحسن تنشئة مسؤولية جماعية تبتدئ من الأسرة والمجتمع، مصداقا لقوله تعالى ) يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة( سورة التحريم الآية 6، ثم يأتي دور المؤسسات التربوية والقضائية التي تعمل على توعية الطفل والدفاع عن حقوقه وحماية شرفه، فعلى الجميع إذن أن يتحمل مسؤوليته تجاه أبناء مجتمعه، كل حسب موقعه ودائرة اختصاصه، وهذا ما دعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) .
ومع الأسف فمجتمعنا أصبح يعج بأصحاب النفوس الخبيثة التي لم تعد تفرق بين الحلال والحرام، الطيب والخبيث، الصالح والطالح، الممكن والغير الممكن…كما أن الشخص الذي لا يفكر في العواقب ولا يعير اهتماما للعقوبات الزجرية يكون أكثر استعدادا لارتكاب الجرائم، فمن الذي يدفع بعض هؤلاء لارتكاب مثل هذه الجرائم البشعة التي يندى لها الجبين وتدمي القلب؟ من المسؤول عن تحويل النفس البشرية إلى نفس حاقدة منتقمة ؟
إن ظاهرة اختطاف الأطفال واغتصابهم وقتلهم في آخر المطاف قد تعود بالدرجة الأولى إلى الظروف الاجتماعية التي عاشها بعض الأشخاص منذ طفولتهم، والتي تكون حاسمة في تغيير مسارهم الحياتي من أشخاص أسوياء إلى أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية، فمن بين هذه الظروف، على سبيل المثال لا الحصر، نجد الصراع الذي ينشب بين الزوجين والمفضي في كثير من الأحيان إلى التشقق الأسري، الذي تكون نتائجه جد وخيمة على نفسية الأطفال، لأن مثل هذه الهزات الأسرية تقذف ببعض الأطفال والمراهقين إلى الشارع، حيث يعج هذا الأخير بالعديد من المتناقضات، الشيء الذي يفرض على المراهقين التكيف مع واقع شاذ غير مألوف بالنسبة إليهم، فسرعان ما يصيرون عرضة للاستغلال الجنسي من طرف بعض الذئاب البشرية ، أو يسقطون في براثين الإدمان والانحراف بكل أشكاله، وحتى إن ترعرع الطفل داخل وسط أسري مستقر، فهناك بعض الآباء لا يقدرون المسؤولية الملقاة على عاتقهم المتمثلة في تربية الأبناء والحفاظ على سلامتهم الصحية والنفسية، إذ نجدهم يعرضون أطفالهم للخطر باللامبالاة وانعدام المراقبة، أو تحميلهم مسؤوليات لا تناسب سنهم، كدفعهم لقضاء حاجيات الأسرة خارج المنزل في أوقات غير مناسبة، وقس على ذلك…وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه للذئاب البشرية والمكبوتين لينقضوا على فرائسهم في غفلة من الوالدين وأولياء الأمور.
فأسباب الانحراف الأخلاقي والسلوكي عند المراهقين عديدة لا يسع المجال لذكرها والخوض فيها، لأن غرضنا في هذا الموضوع هوالتنبيه لخطورة هذه الظاهرة التي يجب أن يتجند الجميع لمحاصرتها والقضاء عليها، فجرائم الاختطاف والاغتصاب والقتل والتمثيل بالجثث سواء بالنسبة للأطفال أو غيرهم فهي جرائم وحشية تهدد أمن واستقرار البلد والمجتمع، وتخلف ضحايا ومرضى حاملين لعقد نفسية، ومجرمين فارين من العدالة أو متابعين في قضايا جنحية.
فمما لاشك أن الأطفال هم أكثر عرضة لأشكال الاعتداء بمختلف أنواعه ، ولا سيما الجنسي منه، من طرف الكبار، فبما أن هذا النوع من الاعتداء يعتبر فعلا إجراميا خطيرا، وجب على الدولة بكل مؤسساتها، التشريعية والتنفيذية والأمنية أن تحارب هذه الظاهرة بكل حزم ومسؤولية، وتسن قوانين جريئة وصارمة على الذين يفتكون بالعرض والنفس، لأن أي تساهل مع مرتكبي هذه الجرائم البشعة سيدفع المجرم لتكرارها بكل جرأة وثقة في النفس ، بالإضافة إلى أنها تخلف عاهات داخل المجتمع وتهدد أمنه واستقراره كما سلف ذكره، فعلينا معالجة المجتمع من بعض المظاهر السلبية، والتي نجد على رأسها الإدمان على استعمال المخدرات بكل أصنافها، لأن المدمنين يضحون بكل شيء من أجل أن يحصلوا على الموارد المالية، وهذا في حد ذاته دافع لارتكاب بعض الجرائم كالاختطاف مثلا… أي الاختطاف مقابل الفدية، كما على الأسر أن تقوم بواجباتها ومسؤولياتها تجاه أبنائها، وذلك برعايتهم والحفاظ على سلامتهم من أي إساءة جنسية.
وخلاصة القول أن الحد من ظاهرة اختطاف واغتصاب وقتل الأطفال مسؤولية ملقاة على عاتقنا جميعا، فعلى الجميع أن يقوم بالدورالمنوط به للتعريف بخطورة هذه الظاهرة بدءا بالأسرة، خاصة أهل الضحية، والمجتمع، والمؤسسة التعليمية، والحكومة، وعلى الإعلام هو الآخر أن يلعب دورا رياديا في التحسيس بخطورة ونتائج هذه الظواهر المشينة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت في زمننا الحالي أنجع وسيلة لكشف الحقائق وتمرير الخطابات التوجيهية التحسيسية، ولاسيما في مثل هكذا مواضيع.
ذ. رضوان بنصار