وفاة الراحلة الدكتورة المصرية نوال السعداوي أطلق طوفانا من السبّ والحقد والشماتة بالراحلة، التي لحقت بها أحقاد الجهل والظلم والبهتان، حتى بعد أن غادرت هذه الدنيا الفانية ، وأخلت الجو لفقهاء الادعاء والجهل والشماتة والكراهية والعداء.
ومع أن المرأة تعتبر مفخرة لنساء العالم، والأكثر شهرة و تأثيرا في العالم، شرقه وغربه، فإن ذلك لم يعفها من سفاهة السفهاء ورداءة الأردياء، والمتقولين على الحق سبحانه، ممن يعتقدون أن مفاتيح الجنة والنار بأيديهم، يرسلون من يختارون إلى النعيم، و من ينكرون، إلى السعير. تبا لهم وما يدعون !
المرأة المفكرة والطبيبة والروائية والكاتبة، اختارت العقل طريقها للمعرفة، ولم تكن تملك سوى قلمها وأفكارها، سخرتهما معا للدفاع عن الإنسان، ذكرا وأنثى، ومكانتهما في الحياة، وحقوقهما الطبيعية التي يخولها لهما حقهما في الحياة، بكرامة وأمن وكبرياء. كما سخرت قلمها وفكرها لمواجهة أنظمة الظلم والاضطهاد والاستبداد في بلاد العرب والمسلمين، بلا كذب أو مداهنة أو رياء، وهو “الشرك الأصغر” كما وصفه الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أقلام انطلقت، بعد وفاة الراحلة نوال السعداوي، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، تصفها بأقبح الصفات، وتتوعدا بالنار وبئس القرار، وأنها غادرت لمزبلة التاريخ، وابلٌ من السبّ والشتم والاغتياب، في حق امرأة كرست حياتها للدفاع عن حقوق المرأة والمطالبة باحترامها كإنسانة، كاملة الإنسية، ورفع الحجر الممارس عليها باسم الدين تارة، والعادات والتقاليد تارة أخرى، وتمتيعها بحقوقها الاقتصادية حتى لا تعتبر “عالة” على الأسرة أو الزوج، وتحق بشأنها مقولة “القوامة” الزائفة المتهالكة التي أفرغها العلم والعمل والتطور الطبيعي للإنسان، من مفهومها القديم التي انتفت، اليوم، أسبابه وأحكامه.
الراحلة نوال السعداوي، ككل المفكرين العرب والمسلمين القدماء، جعلت العقل وسيلتها للمعرفة، وحاولت أن تخضع العلم للعقل هذه هي قوتها التي أسست عليها نضالها فوق نصف قرن، عاملة بقولة الكندي: “العقل جوهرُ التقرب من الله“. وهل في ذلك مما يغضب الله؟
وكالعديد من علماء الإسلام وفلاسفته، تعرضت لما تعرضوا له في أزمنتهم، من اتهام بالكفر والردة والزندقة ، وأنهم “يقدمون العقل عن النقل” وهم من
أعظم علماء الإنسانية في علوم الطب والرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة والفلسفة الانسانية ، ومن بينهم: الفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وأبو حيان، وأبو العلاء المعري والكندي وابن طفيل والجاحظ وغيرهم كثير ممن ألصقت بهم تهم الزندقة، والشرك، والردة، والضلالة، والكفر، والبدع، الأمر الذي عرضهم للإهانة والعنف والتنكيل، وحرق كتبهم، والقتل أحيانا.
الراحلة نوال السعداوي أفرغت أطروحاتها في مجالات تفكيرها في أزيد من أربعين مؤلفا فكريا وعلميا، وأدبيا، ترجمت إلى أزيد من عشرين لغة، فضلا عن قصص قصيرة وروايات منها “مذكرات طبيبة“، و“مذكراتي في سجن النساء“،. ومن أعمالها “المرأة والجنس“، “الرجل والجنس“، “الأنثى هي الأصل“، “كانت هي الأضعف“، “امرأة عند نقطة الصفر“، “امرأتان في امرأة“، “المرأة والدين والأخلاق“، “سقوط الإمام” ، “معركة جديدة في قضية المرأة” وجل مؤلفاتها تترجم انشغالها بالمرأة وسعيها إلى إثبات ذاتها وحقوقها ورفع الحجر الذكوري عنها وتمكينها من كافة حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والاعتبارية.
ومن المؤسف، بل والمؤلم أيضا أن نجد من بين المدونين والمدونات على الفايسبوك، نساءٌ توجهن بالسب والشتم والإهانة للراحلة السعداوي متنكرات، لجهود العالمة الراحلة، ، من أجل تحرير المرأة ورد الاعتبار المستحق لها وحمايتها ضد العقليات التراثية المتجمدة، وتحقيق انطلاقتها في المجتمع، كأنثى، متحررة من قيود الذكورية المتجبرة، فاعلة لا مفعول بها، قوية بحضورها الوازن داخل المجتمع واندفاعها من أجل كسر قيود العادات والتقاليد وتغيير العقليات المجتمعية البائدة.
نوال السعداوي رحلت، وتركت وراءها ذخيرة من المؤلفات تخلد أفكارها التي جعلت من الصدح بها سببا من أسباب وجودها، وسر رسالتها للإنسانية التي افتقدتها عالمة متنورة، قدمت العقل لفهم الكون وبلوغ بعض الحقائق عن الإنسان والوجود والحياة والمآل، وغادرت، لم تحمل معها سوى فكرها المسالم وقلمها العنيد. رحمها الله.
سمية أمغار