النبش في السياسة المتبعة من طرف الحكومة على امتداد سنوات حكمها يستدعي الوقوف والتوقف وقراءة متأنية وموضوعية، بعيدا كما هي عادتنا عن لغة الخشب والتهليل والتطبيل. من المفيد القول أن الولاية الحالية للحكومة التي أشرفت على الانتهاء تستدعي استقراء وقراءة وتحليل الواقع دون انتقاص أو تبخيس لمسارها الحافل ببعض الإيجابيات، لكنها غير كافية بالقدر الذي يجعلنا نصفق لهذه الحكومة.. وبالتالي فإن غياب إرادة الإصلاح وضبابية الخطابات «واللاجدوى» والشعبوية كأسلوب بات يطبع عمل الحكومة، تشكل جزءا من اختيارات وتوجهات لاتنطلق من أسس سليمة ولا تستجيب على الإطلاق لطموحات وتطلعات المواطن المغربي، بل فوتت وأهدرت وأضاعت عليه الكثير من الفرص.. وضياع الفرص، أو بالاحرى تضييعها، تأسيسا على اختيارات لاشعبية متجاوزة، هي انتكاسة وفشل بحد ذاته على مستوى تدبير ملفات اقتصادية واجتماعية، كان من نتائجها المباشرة بروز اختلالات ومعضلات وأزمات قوية أصابت المواطن المغربي في مقتل، بما يؤشر على عجز الحكومة وعدم قدرتها على إيجاد مخرج للأزمة الحالية في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها أوسع فئات المجتمع بعد أن تفاقمت هذه الأزمة وأصبحت تستأثر باهتمامات الرأي العام!؟
دعوني أقول لكم بأن تشخيص ملامح الوضعية الحالية وتوصيف بعض الجوانب المرتبكة بانعكاساتها الوخيمة وآثارها الاقتصادية السلبية على المواطن لا تسمح بتقييم بعض الأرقام والمنجزات المحتشمة التي لم ترتق إلى مستوى الفعل، وبصيغة أخرى لم تسرق شيئا من أضواء الحكومة الخافتة، فيما تفاصيل المشهد التراجيدي والواقع المؤلم الذي تئن تحت وطأته فئات اجتماعية واسعة هشة، لاسيما في ظل قساوة الظروف الحالية وانتظارات الشارع، تساءل وباستمرار الحكومة عن سياستها المتبعة واختياراتها اللا شعبية..!؟ ونحن إذ نضع الأصبع على مكمن الداء نقدم توصيفا موضوعيا لمعاناة المجتمع، ونقف لحظة للتأمل في المشهد الحكومي من خلال سياسة وبرامج لم تعالج شيئا مما كان يتوقعه المغاربة.. وفي السياق نعرض لبعض تفاصيل سياسة حكومة الكفاءات.. لنتابع.. يوما بعد يوم تتسع دائرة التوتر والقلق والتنديد بتدهور الوضعية الاجتماعية الناتجة عن الصعوبات والمشاكل التي يتخبط فيها المغاربة بعد أن تراجعت أحوالهم إلى مستويات غير مطمئنة أصبح من المستحيل التعايش معها ولا حتى القبول بالأمر الواقع..!؟ وليس في الأفق مايوحي بتوقف أو انتهاء حالات من التردي الاجتماعي التي تشمل فئات واسعة من المواطنين قد تتحول، إذا لم يتم تدارك الوضع، إلى تفاقم الحالة بل وإلى احتقان اجتماعي في درجة متقدمة بما قد يشبه وضعية مرتبكة وميؤوس منها من شأنها أن تفضي مستقبلا إلى عواقب لاتستطيع الحكومة معالجة ماقد يترتب عنها..!؟
يوما عن يوم تتسع دائرة الأزمة التي بلغت مداها.. يوما عن يوم ترتفع مؤشرات الفقر.. والهشاشة.. والبطالة.. وتردي الخدمات الصحية.. والهدر المدرسي، الذي يؤدي إلى الانحراف والجريمة.. ومع تنامي هذه المؤشرات السلبية تتسع دائرة الفوارق الاجتماعية، تتحول معها المشاكل إلى إشكاليات وتصير معضلات يستعصي علاجها لعدم الاهتمام وانعدام الإرادة وسوء التدبير.. بالتأكيد هي أمور غير مطمئنة لكونها تحمل مؤشرات غير إيجابية، بل مقلقة، يواكبها نوع من الشعور بعدم الرضا والاستقرار وقبول الأمر الواقع..!! هي مشاكل اجتماعية بالدرجة الأولى، غير أن استفحالها في ظل الظروف الحالية، كما أسلفنا الذكر، قد يؤشر على المزيد من المعاناة والحرمان وسط مخاوف لاتنتهي بسبب سياسة حكومية مخجلة وبرامج غير واضحة المعالم لاتستجيب اطلاقا لتطلعات وانتظارات الشعب المغربي!!؟ بالجملة هناك إخلال بالتزامات الحكومة وعدم الوفاء بعهودها المضمنة بالتصريح الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة الحالي إبان توليه رئاسة الحكومة!!
من هذا المنطلق نتساءل عن ماهي إنجازات الحكومة الحالية التي تحمل من البوادر ما يعود بالنفع على المواطن المغربي، إن لم نقل أنها عجزت عن انتشاله من براثن الفقر والأمية والإقصاء والبطالة..!؟ ماهي مبادرات الحكومة على خلفية خطابات جلالة الملك التي ينتقد فيها صراحة الوضع الاقتصادي والاجتماعي، معترفا بـ «فشل النموذج التنموي» الذي أحدث له مجلس خاص مازال يترنح هو الآخر فيما لم يحقق أية نتائج على أرض الواقع..!! بناء على ما تقدم فإن صناعة النموذج التنموي هو من اختصاص الحكومة، بل من أولى أولوياتها، ومن أوجب واجباتها أن تحرص على إنجاح نموذج تنموي يرتقي بالمواطن المغربي إلى ما ينشده دونما الحاجة إلى إحداث مجالس تثقل كاهل الدولة من الناحية المالية..؟! هل استوعبت الحكومة المغربية إحدى الإشارات الملكية من خطاب سابق يقول بالحرف «إن ثروة البلاد لايستفيد منها جميع المواطنين» انتهى منطوق الخطاب الملكي.. أية سياسة للحكومة الحالية في تصحيح الأوضاع المتفاقمة والحد من التفاوتات الخطيرة في غياب كل المبادرات الإصلاحية وتجاوز الاختلالات القائمة؟ كما هو ملاحظ، لابد من الإشارة ولامناص عن ذلك من أن الفقر والجريمة والهشاشة والاحتقان الاجتماعي مؤشرات تنم، كما سلف الذكر، عن تدهور الوضع المعيشي للمواطن وتتولد عنه نتائج وخيمة تهدد الاستقرار والتوازن الاجتماعيين..!!
ولنتأمل جميعا «مخاطر الجريمة» ونسوقها كنموذج في سياق هذا الموضوع لملامسة جوانب الإشكالية لابد من التأكيد على ان الجريمة تتنامى بوتيرة تصاعدية في بعض المدن الكبرى وتبلغ حدا حدا لايمكن تصوره، وهي أفعال وسلوكات إجرامية يقوم بها أشخاص غير أسوياء لكنهم أيضا ضحايا سياسات حكومية فاشلة.. أليست هذه إحدى المعضلات الخطيرة التي تهدد حياة الناس وتقض مضاجعهم وتلحق أضرارا فادحة بالآخرين..؟! والحديث عن تنامي ظاهرة الجريمة واستفحالها، سواء في ظل الظروف الحالية أو قبلها، حولت المدن إلى سجن كبير ومسلسل الجرائم بصورها المتعددة، هي حلقات مستمرة لاتتوقف، فليس للجريمة في نهاية المطاف إلا وجه واحد.. هي نتاج وضعية مضطربة لأشخاص غير أسوياء يئنون تحت وطأة الفقر والبطالة والهشاشة!! وهي حالات تغذيها وتنشطها حبوب الهلوسة والمخدرات بكل أنواعها..!! من يتحمل إذن مآسي المجتمع وعدم شعور أفراده بالأمن والسكينة..؟! كيف السبيل إلى محاربة ظاهرة الجريمة أو التخفيف من حدتها، على الأقل، دون صرف النظر عن كون المسؤولية مشتركة..؟ ومهما حاولنا الحد من آثار الجريمة المقلقة في مجتمعنا المغربي، فإن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة، لانقاش في ذلك، واستمرار هذه الأخيرة في نهج سياستها اللاشعبية غير المنسجمة التي لاتستجيب لتطلعات المواطنين ستؤدي حتما إلى مزيد من التوتر والتشنج والاحتقان وإلى مزيد من العاطلين والهائمين على وجوههم، وإلى مزيد من المنحرفين والمهمشين والمتسولين وأطفال الشوارع المتخلى عنهم، والقائمة لاتتسع لذكر كل هذه المخلوقات..!؟ وسيتحول الوطن إلى ساحة كبيرة لاتتوقف فيها احتجاجات وانتفاضات المواطنين ضد ما آلت إليه الأوضاع على مختلف الأصعدة!؟ وبقراءة سريعة لمؤشرات أي قطاع من القطاعات الاجتماعية سنقف على حجم الاختلالات المسجلة على مستوى التدبير الحكومي والقولة المأثورة تهمس في آذاننا «الضغط يولد الانفجار»، الكلام موجه إلى «حكومة الكفاءات» التي يجب عليها أن تبتعد قليلا عن «الخطاب الشفوي غير المجدي» الذي لا طائل من وراءه، وأن تبادر ميدانيا باتخاذ إجراءات وتدابير ملموسة أكثر عملية وبأقصى سرعة ممكنة لمعالجة الأوضاع المقلقة قبل فوات الأوان.. وليس لنا بعد فوات الأوان إلا أن نكرر مابدأنا به الموضوع «الحكومة جملة اعتراضية لامحل لها من الإعراب»..