ماأشد قساوة الزمان، وما اصعب تنمره! عندما تدور الدائرة بتلاثمئة وستون درجة، بسرعة الضوء!
يتغير الحال ،ويصير محالا! تغيب الشمس من غير موعد، ويستمر الظلام لأجل غير معلوم. يصعب التمييز بين الرأس والقدم، بين العين والفم، فيختل التوازن والكل يهوي أرضا…ربما هي الأرض!!!
فعلا هي قصة سميحة الفتاة المليحة، ذات القامة القصيرة، والعقل الكبير.سميحة تربت في بيت زوج أمها التي تطلقت من أبيها وهي في مهدها.إلى حين الرابعة من عمرها لم تعرف والدها ولم تحظ برأيته ولا حنانه…بعدها أصبحت تذهب مرغمة لزيارته في بيته حيث يعيش إخوانها وأخواتها. كرهها لهذه الزيارة سببه ما تلاقيه عند كل زيارة من سوء تعامل ،بل وطرد مغلف بأعذار من طرف زوجة أبيها، مما يجعلها تندم على مجيئها…ولن تنسى سميحة،أبدا ذاك اليوم الذي قدم فيه والدها لإخوتها وأخواتها هدايا العيد عبارة عن ساعات يدوية غالية الثمن،أعجبت بها كثيرا،وبقيت تنتظر دورها لتأخذ هديتها كابنة كذلك!!! ولكن الوالد لم يفعل! وعندما سألته بكل هدوء وشوق ،وحاجة:” وأنا يا أبي، أين ساعتي؟”، فأجابها قائلا:” عندك أمك ، اذهبي عندها لتشتريها لك.”
أمها التي لا حول لها ولاقوة، وزوجها لا يستطيع شراء الساعة!!!
سميحة، اليوم سيدة في السبعينات،أم، وجدة…لو فتحت صدرها تجد خرائط لصدمات، آثارا حفرت داخل العضلات، لم يستطيع الزمان، ولا حلاوة الدماء السعيدة التي عاشتها ،أن يمحوها…
تتذكر، وتتذكر، ما عانته في بيت زوج أمها! إلى أين المفر؟ من زوج أم يتحرش بها، وزوجة أب تطردها ولا ترغب في حضورها؟
الملاذ؟ الملاذ؟
شاب يأويها، على شرع الله في بيت يجمعها، الرؤية الآن واضحة لسميحة. تتخلى عن الدراسة وتتزوج في سن السادسة عشرة !
“ارحموا شبابنا، ارحموا مستقبلنا، لا تقتلوا حماسنا! …”
هو ما تقوله سميحة، وكل من عاش ظروف القهر والظلم، كل من اضطهد في طفولته، بكى والناس نيام، تقبل الضرب،والقساوة،والتحرش…فقط ليضمن بيتا يأويه…ولكن اليوم صرختهم جميعا تسائل الجميع، صرختهم الصامتة وصلتنا اليوم،وصار من الضروري التوقف من أجل الإنصات إليهم.هم كثيرو العدد، مختلفو الجنس والأعمار، ولكنهم جميعهم يحلمون بنفس الحلم، ويستفيقون بالليل ليشربوا جرعة ماء، ويبكون!
في الحلقتين الماضيتين، تحدثنا،عن الكرسي الفارغ، واقترحنا من يمكنه ملأه.اليوم نعيد نفس التساؤل بصيغة أخرى: “مادور الأسرة؟”
ما مهمة الأب، وماهي مهمة الأم؟
ماذا يعني وجود طفل في بيتي؟ كيف نبني العلاقات الأسرية؟ …
بالفعل إذا لم نجب على هذه الأسئلة وغيرها بأجوبة واعية مؤمنة بدورها بواجباتها، وحقوقها،فلنعلم أننا سنستمر في إنجاب سميحات أخرى! سميحات يشكلن هشاشة الأسر، أمراضا فتاكة تهدد صحة وسلامة وأمن المجتمع.
الزواج علاقة ربانية بين زوج وزوجة يحكمها ويؤطرها الشرع والقانون. ينتج عنه إنجاب أطفال يكتمل بهم سعادة الزوجين.
شراء سيارة والرغبة في سياقتها تؤكد أننا نتوفر على رخصة سياقة، عند شراء جهاز إلكتروني نحتاج لدليل تفسيري لكي نحسن الإستعمال، ولكن قيادة السفينة، ألا تحتاج لرخصة..؟
أنت تقود أسرة،مؤسسة أسرية بمواردها البشرية،ومواردها المالية، أنت مسؤول عن نجاح الجميع، وضمان استقرار وأمن وإيجابية أفراد الأسرة…فهل لديك دليل؟ هل حصلت على رخصة قيادة الأسرة؟ كيف ستتعامل مع أول مشكل؟ مع أول ولادة؟ ….نزاع اليوم، مشاكل المستقبل! والخطير في الأمر أن شركتك رأسمالها ثمين جدا إنه الإنسان! إنه من تعده للصلاح و الإصلاح، أو تطرحه بجرح ملوث يهدد مرضه كل المجتمع.
لم يعد من المقبول السماح بمنطق الغالب،واعتبار الواقع قضاء وقدرا، إنما علينا أن نعقلها ونتوكل على الله. الإعداد والإستعداد يقتضي التكوين والتأهيل ومعرفة أننا نربي لجيل غير جيلنا، وزمان غير زماننا،وكفانا دروسا،وعظات منذ مارس 2020!!!
ألم نتعظ بعد؟ ألم نتعلم؟ مستقبل أسرنا،مستقبل أبناء الوطن أمانة، لنجعلهم يعيشون السعادة،السعادة الصافية الشفافة، بدون جروح ولا لكدات،ولاآثار…
انت أيتها الأم وانت أيها الأب مسؤوليتكما جسيمة، فالطفل الذي بين أيديكما اليوم ، هو رجل الغد. اليوم هو تلميذكما، يحبكما، ينصت إليكما،فكونا قدوة له، وساعداه في رسم حلمه بكل أمان .
الأستاذة وفاء بن عبد القادر : رئيسة جمعية كرامة لتنمية المرأة
مدربة،مرشدة،ووسيطة أسرية