لا تقل لي ما هو خطأ، بل قل لي كيف يمكنك إصلاحه!”. يُمكن لروبرتو مارتينيز أن يستوعب اليوم أن حياته الشخصية ومسيرته المهنية قد تم صقلهما بهذه الكلمات وبالرجل الذي نطق بها. فهذا التحدي، المتمثل في حل مشكلة تم تحديدها على أرض الملعب، ورثه عن والده، الذي كان أيضاً لاعباً ومدرباً ومهووساً بكرة القدم. وطرحه مراراً وتكراراً على روبرتو منذ سن التاسعة. ويتذكر مارتينيز بأنه، عندما كان صبياً، كان يواجه التحدي بأنظمة تكتيكية جديدة، وتعديلات على مستوى المراكز واللاعبين، “وكل ذلك لإبهاره حقاً”. ولغاية اليوم، وقد بات مدرباً في سنّ الـ47 ومديراً فنياً لأفضل منتخب في العالم، لا يزال يُواجه نفس النقاشات والأسئلة والتحديات من هذا الموجّه الصارم. بيد أن مدرب بلجيكا لم يكن ليودّ أن تسير الأمور بطريقة أخرى، ويستمتع بفرصة التحدث مع الرجل الذي جعله يرى اللعبة “ليس كرياضة فحسب، وإنما كنمط عيش.” واليوم، انضافت إلى تلك الدردشة الفنية بين الأب والابن مجموعة من الأدلة التي تؤكد أوراق اعتماده كمدرب كبير وقادر على حل الإشكاليات. وتشمل أحدث هذه المؤهلات قيادة منتخب بلجيكا إلى تحقيق أفضل إنجاز له على الإطلاق في كأس العالم FIFA، والحفاظ على مدى السنوات الثلاث الماضية على قمة التصنيف العالمي FIFA/Coca-Cola. وكل ما ينقص كتيبة الشياطين الحمر الفوز بلقب كبير. وفي هذه المقابلة، يتحدّث الرجل الذي يقود “الجيل الذهبي” مع موقع FIFA.com عن مدى استمتاعه بهذا التحدي.
أنت تشرف على تدريب منتخب بلجيكا منذ نحو خمس سنوات. فهل ما تزال تحدوك نفس روح المغامرة والتحدي؟
روبرتو مارتينيز: بالتأكيد! فالتحلي بروح التحدي جزء من طبيعة كرة القدم الدولية. إن وظيفة المدرب على مستوى المنتخبات مختلفة تماماً عن تدريب الأندية. ومع مرور الوقت، اكتشفت أنها تشكل مصدراً مفتوحا للفرص من حيث استقطاب المجموعة التالية من اللاعبين. بطبيعة الحال، يمكن للمرء أن يكتفي بالجلوس والانتظار ومتابعة اللاعبين المتألقين على مستوى الأندية ثم توجيه الدعوة لهم للإنضمام إلى المنتخب الوطني. لكنني أدركت مبكراً أنه في بلجيكا، التي لا يتعدى عدد سكانها 11 مليون نسمة، لا يمكننا اعتماد مثل هذه المقاربة. ولقد استمتعت حقاً بالتعامل مع المنتخب مثل أي ناد، وخلق نظام “استقطاب”، ووضع مشاريع لفئتي تحت 19 و21 سنة من خلال رسم مسار واضح لهم نحو منتخب الكبار. ثم بالطبع هناك متعة العمل إلى جانب أفضل جيل على الإطلاق في كرة القدم البلجيكية، وعندما يأتي موعد المباريات تكون المتعة مضاعفة.
ذكرت مؤخراً أن والدك كان يصطحبك لمشاهدة المباريات في سنّ مبكرة، ويطلب منك التفكير بمنطق تحليلي. هل تعتقد أنه فخور بك كمدرب أكثر مما كان عليه حين كنت لاعباً محترفاً؟
من المحتمل جداً! والدي لعب كرة القدم حتى سنّ الـ43 وكان يتمتع بقوة بدنية هائلة، وكلاعبين كنا دائماً نتنافس ضد بعضنا البعض. أما كمدرب فهو ينصحني أكثر…ويتحداني كثيراً! (يضحك) كان يقول لي دائماً: “لماذا تفعل هذا بهذا الشكل، بينما يُمكنك أن تفعل ذلك بتلك الطريقة؟” لكنني سأكون دائما ممتناً له لأنه أعطاني تلك النظرة الخاصة لمتابعة اللعبة. إذ يُمكننا جميعاً أن نشاهد مباراة ونفكر، على سبيل المثال، “إنهم يعانون لاختراق دفاع الخصم”. لكنه كان يقول لي: “لا تقل لي ذلك، بل قل لي ما الذي يُمكنك فعله لحل المشكلة”. وهذا هو مفتاح التدريب لأنه، في كرة القدم، لا يوجد صواب أو خطأ: فكلنا نسعى إلى وضع الكرة داخل المرمى، وكيفية فعل ذلك تعتمد على تجاربك وكيفية فهمك للعبة. ومنذ صغري، دفعني والدي إلى التفكير في ذلك. ولا يزال يفعل! لا نزال نتناقش كثيراً، وأقدر جداً محادثاتنا. ولكن من الجيد أنه لا يتم تسجيلها. (يضحك)
إذن فهو يجادلك وينتقدك؟
نعم، بالتأكيد! يفعل ذلك مع الكثير من الحب. لكنه لا يستوعب كيف أن اللعبة قد تطوّرت في بعض الجوانب. لا تحدّثه إطلاقاً عن الرقابة داخل المنطقة في الكرات الثابتة! (يضحك)
كلاعب، لم تتمكّن من الانضمام إلى المنتخب الوطني أو خوض كأس العالم. هل كان ذلك أحد الأسباب وراء قبولك تدريب منتخب بلجيكا. وإذا كان الأمر كذلك، كيف كانت التجربة مقارنة بتطلعاتك؟
إنه سؤال جيد جداً، وأعتقد أنه كان عاملاً في الاختيار. فعندما تنظر إلى الوراء حين كنت طفلاً، بصدد اكتشاف كرة القدم، واللعب في الشوارع، فإن أول شيء تفعله هو استعادة لحظات من كأس العالم. ومن ذكرياتي اللعب في الشوارع عام 1978 في محاولة لمحاكاة ما كان يفعله ماريو كيمبس. كان اللعب في كأس العالم هو الحلم الأكبر. لقد كان دائماً حاضراً في ذهني، وحتى عندما أصبحت مدرباً في الدوري الإنجليزي الممتاز، أردت أن أكون جزءًا من كأس العالم والتواجد في عين المكان. ولهذا السبب بدأت العمل مع قناة أمريكية وأمضيت 60 يوماً في كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا أتابع كيف تستعد المنتخبات الوطنية وكل ما يحدث حول البطولة. لقد كان الأمر رائعاً بالنسبة لي. وبالتالي، أعتقد أنه كان سبباً مباشراً لحرصي على قبول خوض التحدي مع منتخب بلجيكا. لقد كان أفضل خيار بالنسبة لي، إذ وضعني ذلك أمام اختبار جيد كمدرب. وكأس العالم في روسيا كانت أيضاً في مستوى تطلعاتي، بل وحتى تجاوزتها في حقيقة الأمر. من الواضح أنها كانت واحدة من أفضل نسخ كأس العالم من حيث التنظيم، وتمكنّا من خوض سبع مباريات هناك، وكان ذلك هو هدفنا. وأعتقد أيضاً أنه، في أي بطولة من بطولات كأس العالم، يكون من الرائع مواجهة البرازيل، وفي حالتنا كنا محظوظين لتحقيق فوز مذهل ضدهم. لقد كانت تلك تجربة رائعة.
شاركت في مباراتين من أبرز المباريات في روسيا 2018: المباراة ضد البرازيل، والريمونتادا ضد اليابان (3-2). أي من هذين الفوزين تفتخر به أكثر؟
كلاهما! من المستحيل بالنسبة لي أن أختار بين المباراتين. فعندما بدأنا مشوارنا في كأس العالم، كنا ندرك تماماً أن لدينا الموهبة لمقارعة أي خصم. ولكن غالباً ما يكون هناك ذلك التصور الزائف بخصوص البطل، والشعور بأنه عندما تنظر إلى فريق حائز على كأس العالم، أسبانيا في جنوب أفريقيا على سبيل المثال، فإنك تراه يسحق الخصوم ويشق طريقه للظفر بالكأس. ولكن إذا نظرت عن كثب، فإن ما ستراه هو أن الموهبة وحدها لا تكفي للفوز بالبطولات، بل ما يهم هو الطريقة التي تواجه بها الصعاب، كما تفعل تلك المنتخبات الناجحة. وكان هذا هو التحدي بالنسبة لنا: “كيف سيكون رد فعلنا عندما نواجه الصعاب؟” وفي تلك المباراة ضد اليابان، عندما كنا متأخرين بنتيجة 2-0 قبل نحو 20 دقيقة من نهاية المباراة، وجدنا الجواب على هذا السؤال. لم يكن الأمر سهلاً، إذ كانت تلك هي المرة الأولى في كأس العالم التي يسجل فيها بديلان، والمرة الأولى منذ عام 1966 التي يعود فيها منتخب متأخر بهدفين ليفوز بالمباراة في الوقت الأصلي. هنا تكمن أهمية تلك المباراة، وما يجعلنا فخورين بها. أما المباراة ضد البرازيل فقد كانت مُرضية بطريقة مختلفة لأننا قدّمنا، لمدة 60 دقيقة، أجمل أداء تكتيكي كفريق. كما أنه، عندما تواجه البرازيل، فإنك لا تواجه فقط مجموعة هائلة من اللاعبين، بل تواجه التاريخ أيضاً. وعلاوة على ذلك، فعندما تدخل إلى الملعب ترى اللون الأصفر في كل مكان، وكل شيء يذكرك بأن هذا المنتخب فاز بخمسة ألقاب عالمية.