في موضوع سابق، تحدثنا عن معضلات اجتماعية عويصة تتمثل في ظواهر سلبية تستأثر باهتمامات المواطنين وتقض مضاجعهم.. بعض هذه الظواهر عمرت زمنا طويلا رغم التحولات التي شهدها المغرب منذ سنوات وعلى مستويات عدة.. وأشرنا في أكثر من موضوع إلى ضرورة معالجة الظواهر التي لها آثار سلبية من المؤكد أنها تحبط العزائم.. وتشل القدرات.. وتقف حجر عثرة في وجه التنمية.. وتعرقل الجهود المبذولة في مجالات مختلفة.. والأخطر من كل هذا تهدد استقرار وأمن المجتمع، وقد تنذر بكارثة مستقبلية في غياب استراتيجية وسياسة وبرامج إصلاحية واقعية ملموسة..!؟ هذه مسؤولية تقع بشكل أساسي على عاتق الحكومة التي تخلو برامجها من رؤى وتوجهات قابلة للتنفيذ العملي على أرض الواقع..
نعود مجددا لإثارة مشكلات المجتمع المستفحلة الناتجة عن الفقر والبطالة والهدر المدرسي والتشرذم الذي تعرفه الكثير من الأسر المغربية، الأمر الذي لايساعد بل يعقد عملية التنشئة الاجتماعية مع ما يترتب عن ذلك من مشاكل وصعوبات لاعد ولاحصر لها..!! المشكلات الاجتماعية العويصة نزيف مستمر لا ولن يتوقف في ظل السياسات الحكومية المتبعة.. ما السبيل إذن للقضاء على ظواهر مشينة أخلاقيا واجتماعيا ودينيا يتسع مجال انتشارها واستفحالها بشكل يثير القلق ويطرح أكثر من علامة استفهام؟! مشاهد وصور ونماذج تستفزنا.. تسائلنا.. وتسيء إلى سمعة بلدنا.. وإذا كان لابد من القول بأن المسؤولية مشتركة بين كثير من الأطراف التي يجب أن تتحمل مسؤولياتها بحكم التزاماتها تجاه المشاركة والإسهام الفعلي في مجالات التوعية والتنشئة والإصلاح وفق برامجها وإمكانياتها المتاحة، فإن الآثار السلبية والعواقب الوخيمة التي ترخي بظلالها على المجتمع هي مسؤولية حكومية صرفة تتطلب استراتيجية وبرامج إصلاحية وخطوات عملية وإرادة حقيقية وفعالة لمواجهة صعوبات ومشاكل المجتمع في أفق القضاء النهائي على ظواهر سلبية تحط من كرامة الإنسان الذي خلقه الله وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا.. فإلى متى يظل المجتمع المغربي غارقا في مستنقع من المشاكل والصور القاتمة والأوضاع السلبية تئن تحت وطأتها مخلوقات آدمية لاحول لها ولا قوة.. إرتمت في أحضان الرذيلة والبؤس والانحراف والضياع، فيما الحكومة تتفرج على هكذا مشاهد وتنتج سياسة وبرامج بمضامين فارغة لاتسمن ولا تغني..؟! عاجزة عن مواجهة مشكلات ومآسي المجتمع، بل لاتحقق شيئا من طموحاته وتطلعاته ؟
نعود لنكمل الحديث في سياق بما أشرنا إليه ضمن مواضيع متفرقة نشرت ذات أيام بخصوص آفات مقلقة تزداد استفحالا يوما عن يوم، لاتستقيم مع تحولات وتطورات المجتمع ومبادئ الدين السمح الذي يكرم الإنسان ويامر بالعدل والإنصاف..؟! لانختلف في أن آفة المخدرات هي أم الموبقات.. تنخر جسم المجتمع.. وتؤثر على القدرات العقلية والبدنية للشباب.. وتحولهم إلى أشباح بلا حركة.. يهيمون على وجوههم.. يعيشون على الهامش.. ثم ينتهي بهم المطاف إلى الضياع وفي أحسن الحالات إلى مراكز إدمان العلاج وهلم جرا..!؟ من المؤكد أن تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات في أوساط الشباب والمراهقين واستهلاكها بشكل مفرط وعلى نطاق واسع ليس في المقاهي والأماكن العامة فحسب، بل طالت هذه الآفة الخطيرة فضاءات المؤسسات التعليمية، إذ لم تعد مقصورة على الذكور فقط بل انتشر الإدمان بين فئات الإناث من مختلف الأعمار في ظل غياب تام لمراقبة بعض الآباء لسلوكات أبنائهم، وهذا أمر خطير للغاية..!
الموضوع الذي نحن بصدد ملامسة جوانبه، سبق إثارته في مناسبات عدة، اعتبارا لما له من آثار وخيمة على فئات واسعة من الأطفال والشباب المدمنين على المخدرات آناء الليل وأطراف النهار..!! هذه المعضلة وما أكثر المعضلات ببلادنا تناولتها بحوث أكاديمية عدة وطالها نقاش بالطول والعرض لكونها آفة امتدت إلى سائر المجتمعات.. وإذا كان الأمر كذلك لكون ظاهرة انتشار المخدرات عالمية، فإن دواعي وأسباب ملامسة جوانب هذه الإشكالية تفرضها الوضعية المرتبكة للمجتمع المغربي اقتصاديا واجتماعيا، وبهذا الحجم المقلق فإن أخوف ما نخاف هو أن تسير الأمور في اتجاه قد يهدد سلامة واستقرار المجتمع!!؟ ولعل الوضع الذي يعرفه الشارع المغربي بسبب انتشار آفة المخدرات بكل أنواعها لايبعث على الارتياح والاطمئنان.. ولايمكن أمام هذه الحالة التغاضي عن الأمر أو إعتباره ظاهرة صحية مهما تعددت الأسباب في ظل غياب إيجاد حلول استعجالية لاحتواء الوضع وإنقاذ الشباب من هذا المستنقع الجارف.. واذا كانت المخاطر التي تهدد استقرار المجتمع لا تتجزأ، فإن الانتشار المرعب لتعاطي المخدرات هو من المشكلات بل من الآفات التي لها مضاعفات على الفرد والمجتمع معا، وتنتج وضعا مقلقا وخطيرا للغاية!!
إدريس كردود