الإعلام له دائما علاقة بالتاريخ، فمنذ العصر الحجري عندما كان الزوج يخرج للصيد، يترك رسم للسهم على جدار الغار إعلاما لزوجته مكان توجهه أي للصيد.
تطور الإنسان حضاريا، فبنى حضارات، فرسم على جدران الأهرام رسومات ملونة، تخبر اللاحقين بأطوار الحياة الاجتماعية لتلك الحقبة، كما أن اتساع الإمبراطوريات الإسلامية. عند رؤية هلال رمضان في بغداد، أو دمشق، كان العالم الإسلامي يعلن عن طريق إشعال النار فوق قمم الجبال، حتى يصل خبر حلول شهر رمضان إلى كافة الأقطار الإسلامية، وقبل استعمال المنبه، كان الطبال يطوف بين الأحياء في المدن ينقر طبله، يوقظ النائمين لتناول سحورهم في الشهر الكريم، وظلت العادة سارية كإحدى طقوس رمضان.
وفي كافة الحروب كانت الطلائع الأولى للجيوش تستطلع قوة الخصم، وعدد أفراد الجيش المقابل وتجهيزه.
إذن ظل الإعلام لصيقا بالبشرية، لتعرف الإنسان على ما يجري حوله ويصبح تحريكا آليا تلقائيا للأسر والمجتمعات وكذا اطلاع اللاحقين من بني الإنسان من طرف السابقين بمذكرات وحوليات ومخطوطات ظلت السبيل إلى قراءات استكشافيه للتمعن والإدراك والاستنتاج بين طياتها وبالإضافة إلى مكنوناتها فتقدمت العلوم والفلسفة والآداب واكتشف الإنسان بموجبه المنهج.
هكذا بنت أمم حضارات تلو الأخرى وصولا إلى ظهور الورق فالمطبعة إلى صدر الجريدة، وتداول المذياع، فالتلفزة، وكافة المرئيات بالتعامل مع الوسائط الاجتماعية للإطلاع على الخبر من أقصى جهات العالم إلى أقصاه، مما حول العالم إلى قرية، نتابع بواسطة أجهزة الإعلام المكتوبة، والمسموعة والمرئية في حيله ونتفاعل مع الأحداث ألما أو فرحا، تعجبا كان، أو توقعا.
التعامل مع تلقي الخبر في مجرى الأحداث، يختلف بين الشرائح الاجتماعية واهتماماتها، ومستوى ثقافتها، ودرجة وعيها.
تعود أنواع تلقف الخبر إلى جنس صدوره، ومصدر إذاعته، فهناك الخبر الطائر من الإذاعة والوسائط الاجتماعية يصاحبه الاستطلاع المصور عبر التلفزة، وهنا نقف عند نشر الخبر من مصدره، فإن كان من جهة رسمية يخالفه من جهات في المعارضة إذ يكون الخبر واحد لكن بصيغ مختلفة.
كانت الإذاعة الوطنية في الستينيات تتحف السامع في ختام إذاعتها للأخبار بالتعليق على الخبر مجملا أو تناول قضايا وطنية.
تفردت «قناة الجزيرة» كسبق صحفي بلقطة «خبر عاجل» من أي منطقة في العالم، لتأتي تفاصله بعد ذلك.
تأتي الجريدة إلى صياغة نفس الخبر لكن حسب حنكة محرريه انطلاقا من تصدر العنوان، ومكان حيزه في مساحة الجريدة.
مدينة طنجة لها سبق في الخبر والتعليق
جريدة طنجة نموذجا
بحكم موقع طنجة الاستراتيجي وتساكن الأجناس بها من مختلف الأعراق والقارات وملتقى البحرين عاش في كنفها أقوام متنافسة خارج حدودها وبحكم نظامها الدولي في التاريخ الحديث تنوعت العمارة بها من ألمانية إلى فرنسية فإسبانية وبرتغالية وإيطالية مما أضفى على مدينة طنجة طابعا خاصا من الجمال وتفردت بين أقطار العالم بنكهتها الخاصة وأريجها المميز.
في إطار تفرد مدينة طنجة بخصوصيتها أصدرت منذ 115 سنة جريدتها «جريدة طنجة» فعالجتها أقلام بمختلف اللغات الحية وتلقفتها أجناس، وما زالت في انضباطها الأسبوعي يطلع على محتواها كل من قطن بها و كانت مسقط رأسه من اليهود الطنجويين في البرازيل والأرجنتين بواسطة الشبكات الإلكترونية والوسائط الاجتماعية للإطلاع على أحوال مدينتهم.
كان الجدل حاضرا في إطار الإعلام المكتوب منذ استقلال المغرب عام 1956، فتم التحكم في الحقل الإعلامي من طرف وزارة الداخلية، فخضعت صحف المعارضة للرقابة المنهجية، وصار حظر الصحف واعتقال الصحفيين ممارسة متكررة.
خصوصية تميز بها الحقل الإعلامي المغربي «احتكار الأحزاب للصحافة المكتوبة مقابل احتكار الإدارة للمجال السمعي البصري» مما أدى لظهور صحافة مستقلة، تلقفها الجمهور بشكل واسع هروبا من الصراعات الإيديولوجيا عند البعض وتظل الجريدة وثيقة يحتفظ بها حسب الميول.
ظاهرة مميزة حظي بها المغرب في عدد إصداراته، فهناك 618 صحيفة وطنية «الرقم الرسمي لسنة 2004» من بينها 26 جريدة يومية و13 أسبوعية تسعى في اتجاه ديمقراطية بنيوية للدولة والمجتمع.
نسمو ونسمق ونفتخر بالنسبة باقي الشعوب والأوطان مشرقا وجنوبا كما نسجل التعاطي مع القراء كل حسب تعوده على جريدته رغم ما سجل مع جائحة كورونا من فتور نسبي، كما نحيي بحرارة الجنود المجهولين في مزاولة المهنة إداريا وتقنيا وتصحيحا وتحريرا كما أن توقعات محررينا يصل صداها خارج الحدود وهذا مكسب إعلامي.
ونحن مقبلون على استحقاقاتنا الانتخابية نسجل ما سجله القراء والمتتبعين من ركود تعاني منه الصحافة الحزبية وهذا راجع بالأساس إلى قيادة هذه الأحزاب، والتي جعلت من ركوضها الموت السياسي لها، أو مازال حيا منها يجعل من أحزابه موسمية ولا يتضرع أي حزب بجائحة كورونا، فالأحزاب خارج حدودنا وفي العالم المتقدم تعيش أنشطتها العادية بالمسيرات والتجمعات والندوات والمحاضرات كما نطالب أحزابنا باقتناء الأطر في الاستحقاقات المقبلة من أطر متخصصة ومن مفكرين.
أما نساءنا ممن يجهدن حول «المناصفة» وهن وراء مكاتبهن نقول: كل الاحترام والتقدير لكن، لكن في الميدان.
كل ما وصلنا إليه من نتائج إلا بواسطة الإعلام بأنواعه وخصوصا المكتوب لذا فسح لنا مجال الجدل.
راهن العديد على انتهاء عهد الجريدة، بظهور الوسائط الاجتماعية والجرائد الإلكترونية، والكل ينتسب إلى الإعلام دون الورق، ودامت الجريدة.
السر يكمن في عدة مميزات الجريدة بكونها متعددة الأبواب، تنافس أخواتها في العرض والسبق والتحليل، ومصدرا لبعض المرئيات ثم امتلاكها في الأخير عند شرائها، تقرأ موادها حسب زمن اختيارك بالنسبة للإعلام المرئي والمسموع.
عموما فالمتتبع في حاجة إلى جميع منابع المعرفة لتطوير مداركه إذ أصبح العالم بموجبه قرية، لذا يجب أن نحسن من أدائنا.
عبد العزيز الحليمي