فاجعة لا كالفواجع، أصابت طنجة وأهاليها، بل وأذهلتهم وأحزنتهم , بدلت أمنهم خوفا، وطمأنينيتهم قلقا وحزنا، بعد أن ودّعوا زمرة من ذويهم، ضحايا التهاون واللامبالاة ورافقوهم، ليلا، إلى مثواهم الأخير، تغمرهم مشاعر الحسرة والحرقة والغم الكثير.
الذي جرى في دهليز فيلا بحي الإناس، منطقة المرس.لا شرح له ولا وصف، ولا تبرير ولا عذر ولا ذريعة. ولا يمكن القبول به في مدينة كمدينة طنجة، وفي بداية العشرية الثالثة للقرن الواحد والعشرين، حيث بلغ المغرب شأوا من التقدم كبيرا وقدرا من الانضباط السياسي والاقتصادي وفيرا، ليعيدنا حدث المصنع “الشبح” إلى واقع لفظناه ورفضناه مند زمان، كنا نعتقد أنه انتهى، وإلى الأبد.
نحن نعلم، والكل يعلم، أن مصانع “الكاراجات” والدهاليز، “تؤثث” جل مدننا بالمغرب الناهض، وأنها تعتبر “خزانا” مهما لفرص الشغل، في زمان شحت فيه فرص الشغل، بينما يستمر تدفق الشباب بالالاف، عل سوق الشغل بالمغرب، وبسبب ذلك، يقع أحيانا “غضّ الطرف” عن بعض النقائص و “التجاوزات” والإشكاليات ، خدمة لمصلحة التشغيل، وتسهيلا لمبادرات إنعاش الشغل، في انتظار أن يمتد ويتسع المخطط الوطني للتصنيع إلى كل جهات المغرب ليستوعب القوى العاملة الشاغرة.
وطنجة لم تكن استثناء في هذا الوضع، حيث انتشرت، ومنذ عشرات السنين، مصانع تستقر في دهاليز الفيلات والعمارات، وتنشط في مجالات “المناولة” لفائدة مصانع كبرى خاصة في مجال النسيج الذي يعتبر المغرب من رواده على المستوى العالمي.
وطبيعي أن تتعرض مدينة طنجة، كغيرها من المدن الكبرى كالدار البيضاءـ مثلا، إلى فياضانات مروعة بسبب الأمطار التي تهاطلت على المغرب خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي تسببت في كوارث بشرية، وبيئية خطيرة.
معمل طنجة، الذي غمرته الفيضانات الجارفة، هو واحد من تلك المعامل التي تعتبر “عشوائية” في نظر االعموم، والتي لها من المبررات مع يشفع لها في الوجود، إلا أن ذلك لا يشفع للمسؤوليين الوطنيين والمحليين في أن يغضوا الطرف عن واجب المراقبة والتتبع المستمر، خاصة من جانب مفتشي الشغل الذين يتكلفون بفرض احترام قانون الشغل الذي يشترط وجود التجهيزات الضرورية لحماية سلامة العمل و العمال.
وبالتالي فلا معنى لوصف “السرية” التي تلحق بهذه المعامل، والتي يراد بها، كما يلاحظ،، إبعاد المسؤولية عما حدث، وما حدث يجب أن يكون موضوع تقارير مفصلة، تحدد المسؤوليات وترتب الجزاءات، وتقدر التعويضات لأسر الموتي رحمهم الله جميعا، وللناجين بفضل الله ورحمته.
كما أن وضع هذه “المعامل” الاستثنائي يلزم الولاية بوضع جرد شامل لها، كما يلزم وزارة التشغيل بوضعها تحت المراقبة الدائمة، سواء من حيث ظروف العمل أو الأجور التي لا ترقي حتى للسميك، في أغلب الحالات.
وقد علمنا أن لجنة مركزية تم إيفادها لطنجة، للتحقيق في ظروف الفاجعة بمساعدة والي الجهة محمد مهيدية الذي كان أول الواصلين من المسؤولين المحليين إلى مكان الفاجعة، واطلع بل وقاد عمليات الإنقاد التي يقال إنها تعثرت بعض الوقت في انتظار وصول الوقاية المدنية حيث سارع متطوعون من شباب الحي إلى بدء عمليات الإنقاذ بوسائلهم الخاصة.
والخلاصة أن هذا ‘النوع‘ من المعامل موجود ومنذ عشرات السنين، بكافة مدن المغرب الكبرى، وأنها “معلومة” لدى الجهات المختصة، التي ترى فيها رافدا مهما للتشغيل، وتشغيل الشباب بوجه خاص، إلا أن هذا الأمر يلزم الجهات المختصة بضرورة المراقبة والتتبع، كما هو الشأن بالمصانع الكبرى، حماية لحق الشغيلة في ظروف عمل مناسبة وأجور عادلة وفق ما قررته الحكومة وحماية صحية وضمان اجتماعي يقيهم شظف العيش، عند تقاعدهم.
وسيكون ذلك عدلا لهم وتنفيذا للقانون في دولة الحق والقانون.
ولكم هو قاس علينا في جريدة طنجة أن نسجل تفاصيل هذا الحدث المؤلم، بتفاصيله، ولذا ارتأينا أن نضعه في إطاره المتوارد، وننتظر نتائج التقارير الرسمية في الموضوع.
ومع الإعراب لأسر الضحايا عن حزننا وآلامنا في هذه الجريدة، لفقدان أرواح بريئة، لمواطنين دفعوا حياتهم، ثما لسعيهم من أجل العيش الكريم، نتقدم إلى أسرهم جميعا بصادق عبارات التعازي والمواساة، وخالص الدعاء لهم في أن يتقبلهم الله سبحانه وتعالى القبول الحسن، ويحسن مثواهم في جنان الخلد،مع النبيئين والشهداء والصالحين، ويلهم دويهم الصبر والثبات، ولله ما أعطى وله ما أخذ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ج.ط