استكمالا لمواضيع سابقة حول أزمة الإدارة المغربية، وكيف السبيل إلى معالجة اختلالاتها وتصحيح أخطائها، نعود مجددا للكشف عن بعض الجوانب السلوكية السلبية والطباع السيئة لنماذج من موظفي الإدارات العمومية.. ونحن بذلك لانسعى إلى تقويم أو تصحيح هذه السلوكات الخاطئة، باعتبارها جزءا متصلا بالوهن الذي أصاب وظائف الجسم الإداري فبات عاجزا عن القيام بما يجب القيام به من أدوار ومسؤوليات تتماشى ومتطلبات المرحلة الراهنة.. هي محاولة فقط لرصد وتبيين بعض العتمات التي مازالت مظلمة، ولاتساعد مع الأسف على تخليق المرفق العام.. أعود لأكمل الحديث في سياق متصل بالملاحظات والانتقادات التي أشرت إليها ضمن مواضيع سابقة..
لايسعني بداية إلا أن أسجل بغير قليل من الأسف (أي بأسف شديد وزيادة) مايجري في الإدارات العمومية، وأود أن أشير هنا تحديدا، إلى بعض القطاعات الاجتماعية كنموذج.. وبصيغة أكثر وضوحا، فإن الأمر يستوجب تشخيصا للحالة في بعدها الأخلاقي مع علاج صارم وتتبع منتظم لاستنتاج الخلاصات والنتائج السلبية، مصدرها عينة من بعض أشباه الموظفين العموميين، ذلك أن مايسترعي الانتباه داخل بعض المرافق الاجتماعية يعود بالأساس إلى بعض التصرفات الغريبة والسلوكات الشاذة المنسوبة لبعض المخلوقات الآدمية ؟! من طبيعة الحال هم أشخاص يحملون صفة «موظفين» يبرعون في أمور لاصلة لها باختصاصاتهم ولاعلاقة لها إطلاقا بشيء اسمه المهنة، ولارابط بينها وبين ما قد نسميه مبادرات أو اجتهادات أو أشياء من هذا القبيل.. وقد تنتهي إلى خلاصة على وجه الاحتمال، مفادها أن الأمر قد يكتسي صبغة ظرفية استثنائية (عابرة)، في انتظار أن تتبدل الأحوال قد يعجل الله فيها برحيل هذا المسوؤل أو ذاك إلى غير رجعة..
والظاهرة التي نعرض لها في سياق هذا الموضوع ليست غريبة على المؤسسات العمومية، لكن الأمر يستفزنا ويدفعنا إلى التساءل وبامتعاض شديد عن ممارسات بعض هؤلاء الموظفين الذين لايتقنون من جلائل الأعمال وعظيم المنجزات سوى تلك التي تضعف كرامتهم وتمرغ شخصيتهم في الوحل وتحدث ندوبا عميقة في دواخلهم فيتحول المشهد إلى حالة من المعاناة والقلق والاضطراب النفسي.. ولاعتبارات إنسانية تأخذك الرأفة والاشفاق من حال هؤلاء.. وقد لاتتردد في طرح سؤال فوري باعتبار هذه السلوكات خارجة عن منظومة القيم والمثل والمبادئ المتعارف عليها داخل إدارات الدولة العمومية وشبه العمومية..! ولا تملك إلا أن تسأل أو تتساءل في قرارة نفسك حول من جاء بهذه المخلوقات إلى قطاع الوظيفة العمومية…؟ وهم في ذلك يسعون جاهدين بكل الأساليب الحاطة بكرامتهم إلى تحقيق مصالحهم الذاتية باعتماد أسلوب النفاق والمحاباة والتقرب بشتى الوسائل.. فاهتمامهم الأكبر وانشغالهم اليومي هو الوصول إلى إرضاء المسوؤل أو الرئيس الواحد (الاوحد) مايرضيه وما يغضبه؟ مايريحه وما يقلقه؟؟ مايضحكه وما يزعجه؟ مايسره وما يحزنه؟ وبالجملة ما يعجبه وما لايعجبه؟؟ وقد تجد هذا المسوؤل (الاستثنائي) الذي يشغل بال هؤلاء الموظفين من ضعاف النفوس غارقا في الفساد -الإداري والمالي-حتى أذنيه بسبب تجاوزاته المنافية للقانون وممارساته الخاطئة وسوء تصرفاته وسلوكاته غير المنضبطة، وأنانيته وعدم احترامه للآخرين من زملائه الموظفين وهو عديم الكفاءة والتجربة والأخلاق متنكرا لماضيه وهجره لأصدقائه.. وقد تجد هذا الماضي في أسوأ الحالات حافلا بسجل من السوابق والملفات التي تستوجب بالضرورة المساءلة القانونية..!؟-ومع كل هذا يستجوفه الكبرياء والجهل والأنانية الزائدة عن اللزوم، والعنجهية الفارغة، مسكونا بهاجس المزيد من الاختلاس ومراكمة الأموال والقائمة أطول مما تتصورون..!؟ وهو في كل هذا يعجز عن كتابة جملة مفيدة.. ربما لأنه لم يألف في السابق كتابة الجمل المفيدة.. ولم تكن لتفيده في شيء على الإطلاق طالما أنه لم يكن يحلم بأن يصبح ذات صباح مسؤولا..!؟ على قاعدة «كيف تصبح مديرا في خمسة أيام».. وقد انتهى المطاف ببعض هؤلاء النماذج على الهامش منفردين في تجاهل كلي من زملائهم يبكون ماضيهم ويجترون مآسيهم، لايلتفت إليهم أحد بعد أن توقف زعيقهم وصراخهم، وقد استسلموا لنزواتهم وأهوائهم وانتهوا في وضعية لايحسد عليها..!! صدقوني وليس في الأمر مبالغة – هذا نموذج من بين نماذج كثيرة ابتليت بها الإدارة المغربية – كيف يمكن إذن والحالة هذه تفسير تصرفات بعض أشباه الموظفين (المنبطحين) أمام أشباه مسوؤلين فاسدين مفسدين..!؟ من المؤكد أن النماذج البشرية من هذا النمط القابلة لكل أشكال التمطيط والتنميط والتحول السريع في التوجهات والمواقف لاتؤمن بقيم السلوك وأخلاقيات المهنة التي تعلم الإنسان كيف يتحلى بفضيلة المروءة والاعتزاز بالنفس والعفة والترفع عن الدناءة في ممارسته وسلوكه اليومي..!؟- كيف لايخجل المرئ من نفسه وهو يقدم تنازلات بالجملة على حساب الكرامة وشموخ النفس وكبرياء الذات..!؟ ولا يألو جهدا في تكريس سلوك المحاباة والنفاق والانبطاح أرضا ابتغاء مرضاة الرئيس الهمام (المرجع الأعلى في كل شيء ولي النعم والفضائل..!!). هل في قاموس التحليلات البسيكولوجية ما يفيد من تفسير لسلوك هذه المخلوقات الآدمية والمومياآات الغريبة..؟ هل المنظومة الأخلاقية بأدبياتها الواسعة في قانون الوظيفة العمومية تلزم الموظف -أيا كان هذا الموظف- بالتقيد بسلوك غير حضاري، بل وغير أخلاقي يصنف ضمن ثقافة الخنوع والاستسلام والامتثال الأعمى.. هل هي سلوكات تفرضها بالضرورة سلطة الإدارة..؟ أم أنها تربية خاطئة واضطراب في السلوك وعدم التوازن في الشخصية..؟؟ إلى متى تظل الإدارة المغربية مجالا يكرس فيه بعض المسوؤلين المصابين في عقولهم سياسة الترهيب وفرض قرارات مزاجية عشوائية ما أنزل الله بها من سلطان ونهج أسلوب مزاجي أناني صادر عن عقلية سادية مريضة، وإنشاء أحلاف من ضعاف النفوس وعديمي الضمائر، ومن ثمة إشهار ورقة من يقف معنا ومن هو ضدنا..!؟ كل هذا يتم خارج مقتضيات القانون، وأعني به من طبيعة الحال النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.. ألاترون بأن هذه الممارسات تمثل أزمة أخلاق بكل المقاييس داخل الإدارة المغربية..!؟ كيف السبيل إلى تجاوز إشكاليات ومعضلات أخلاقية من هذا القبيل..!؟
ولعل من الإشكاليات التي تعيق سير الإدارات على مستوى التدبير والممارسة تتمثل في تعطيل أو تعطل لغة الكلام، لأنك لاتجد داخل إدارتك مخاطبا مسوؤلا من العيار الثقيل يملك من الوعي بالمسوؤلية والقدرات المهنية والتواصلية مايجعله قادرا على التدبير والتسيير والتحكم في زمام الأمور بحكمة وعقلانية واقتدار وحسن تصرف عن جدارة واستحقاق.. -والمؤكد أن ما بني على باطل فهو باطل!! من المسوؤل إذن عن اللخبطة في عقلية وممارسات المسوؤلين الإداريين..؟ ما السبيل إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه من عيوب واختلالات والحفاظ على الأخلاقيات سعيا إلى صون كرامة البشر..؟
دعوني أقول لكم أن الاختلالات مصدرها المركز الذي لايعير وزنا للمعايير المعتمدة في تعيينات مشبوهة لبعض المسوؤلين الإقليميين، بل هو فعل متعمد تحكمه نية مقصودة لغرض في نفس يعقوب بصيغة أوضح لهم في هذه التعيينات مآرب أخرى..!! هذا عمل دنيء وسيء مازال العمل جاريا به إلى الآن..! الفاسدون في (البنية الفوقية) للإدارات المعنية -مركزيا- يعرفون جيدا من أين تؤكل الكتف لذلك فهم يصنعون أو يختارون نماذج فاسدة في (البنية التحتية- إقليميا وجهويا )، وهؤلاء يسعون جاهدين لرد الجميل وإرضاء أولياء الفضل والنعمة بالهدايا والعطايا والمكافآت -ثم زده ألف دينار!! وهكذا دواليك- بنية فوقية فاسدة وأخرى تحتية لاتقل فسادا عن الأولى.. وبين البنيتين روايات وشخوص وحكايات يطول شرحها..!! ولا أجد في ختام كلامي المستوحى من مشاهد واقعية ملموسة وحقائق معاشة داخل بعض القطاعات الحكومية كانت وما تزال مرتعا للفساد والمفسدين لنماذج من مسؤولي الدولة «ياحسرة» يتملكهم الجشع وتستجوفهم النوايا السيئة سعيا إلى اختلاس ميزانيات الدولة والسطو على مداخيل مؤسساتهم وأكل أموال الناس بالباطل!! ويبدو واضحا لكل من تمرس بالعمل الإداري أن ضعف أداء الإدارة المغربية في ممارستها لمختلف وظائفها هو ناتج بالدرجة الأولى عن ضعف الكفاءات ومحدوديتها دون الحديث عن الاستقامة والنزاهة والمثابرة وروح الجدية وبعض القطاعات الاجتماعية -نموذجا- فكيف السبيل يا ترى إلى رفع مستوى أداء الإدارة لتحقيق الكفاءة والفعالية المطلوبتين بعيدا عن أجواء البهرجة والاحتفاليات المظهرية وسياسة تلميع الصورة من أجل الشهرة أو ما يسمى «بالبوز» في لغة الحاضر..؟! وعلى الجانب الآخر حتى نكون أكثر إنصافا، لابد من التنويه والإشادة بخصال ومميزات وعطاءات مبهرة لكثير من المسؤولين الجادين والفاعلين داخل القطاعات الحكومية والذين أبانوا على أرض الميدان عن جديتهم ومثابرتهم وجميل أدائهم وحسن نواياهم..
نتمنى صادقين أن نكون قد وفقنا في نقل بعض الصور بالأبيض والأسود والكشف عن بعض المظاهر والاختلالات السلبية التي مازالت تهيمن على الكثير من إدارات الدولة!! ولا أجد أبلغ من قوله تعالى: «فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الارض» صدق الله العظيم.
إدريس كردود