هل لا زال لـ “حركة 20 فبراير” حضور في المجتمع المغربي كشكل من أشكال النضال الشعبي من أجل التغيير، أم إنها أصبحت رمزا وخلفية لـ “حراكات” أعقبتها في مختلف جهات المغرب للمطالبة بسياسات شعبية تحمي الحريات العامة والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتفتح آفاق العيش الكريم في وجه فئات واسعة ممن يصنفون في خانة “المهمشين“.
سؤال يتردد عند إطلالة “20 فبراير” من كل عام، ليعود الحديث عن دور هذه الحركة في تشكيل الوعي المجتمعي ورصد الاختلالات التي عرقلت نمو البلاد وضاعفت من هموم المواطنين ومآسيهم الاجتماعية المتمثلة في الفقر، والجوع، وضعف الخدمات الاجتماعية الأساس، من شغل وتعليم وصحة، و“حكرة” أمام البذخ الفاضح الذي يطبع عيش فئات نافذة، كثيرا ما يكون حلى حساب الشعب.
“حركة 20 فبراير” انتظمت في جموع آلاف الشباب انطلقوا من مبادرات، ببعد وطني، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي لتكتسح البلاد طولا وعرضا، وترفع شعارات وطنية تطالب بإصلاحات أساسية، أمام ما تعرفه الساحة الوطنية من ردة فيما يخص الحريات العامة و التعبير السياسي، وتأزم الظرف الاقتصادي، وسوء إنتاج وتوزيع الثروة التي تستفيد منها أقلية من النافذين ، وتفشي الفساد والرشوة والمحسوبية الأمر الذي عجزت الحكومات المتعاقبة على مقاومته.، في غياب مراقبة صارمة للمال العام، وتفشي ظاهرة الإفلات من العقاب بالنسبة لمستغلي هذا الوضع الشاذ.
ثمّ، هل يجوز اعتبار أن “حركة 20 فبراير” تندرج فيما سمي بـ “الربيع العربي” أم إنها، فقط، استلهمت منه روحه، كحركة نضال من أجل تغيير ما يجب تغييره، في مواجهة السياسات التي اعتبرها شباب 20″ فبراير” “لا شعبية” ولا تستجيب لحق الشعب في الحرية والكرامة.
قد تكون” حركة 20 فبراير” استلهمت من الربيع العربي عفويته الإبداعية وتلقائيته التنظيمية ، لكنها اختلفت عنه في جوهر مطالبه، حيث إن مواقف الحركة اتسمت ببعد النظر، و“الواقعية” و “الاتزان” السياسي والمحافظة على التوازنات المجتمعية، و التمسك بالثوابت، حرصا على صالح البلاد في الحاضر والمستقبل، بعيدا عن “الشعارات العنترية” التي تزج بالأوطان في متاهات المغامرة والفوضى المدمرة.
وهذا، بالطبع، ما أعطى لـ “حركة 20 فبراير” المغربية بعدا وطنيا عميقا، ورمزية مؤثرة لتحركاتها عبر ربوع الوطن، . حيث إنها لم تكن “ثورة” حسب مفهوم شعارات “الربيع العربي” الذي نعرف إيجابياته وسلبياته، بل إنها خرجت من رحم الشعب، كـ “حركة إصلاح شامل” من أجل “تصحيح” مسارات المغرب والقطع مع “الفساد” المستشري، الذي كان حجر الزاوية في التحرك القوي والشجاع لشباب 20″ فبراير“.
ونظرا للصدى الواسع الذي كان لـ “حركة 20 فبراير” في مختلف الأقاليم والجهات، والتجاوب الكامل لمختلف شرائح المجتمع المغربي مع المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أعلنتها، فقد حظيت تلك المطالب بتجاوب شامل من طرف جلالة الملك الذي حدد في خطاب تاريخي، يوم 9 مارس 2011، معالم إصلاح سياسي واجتماعي وقضائي واقتصادي من أجل بناء مغرب ديمقراطي وحديث.
وكان من أهم ما ورد في هذا الخطاب، الإعلان عن دستور جديد يتجاوب ومطالب الشعب التي رفعتها حركة 20 فبراي، ويقترن بإطلاق مخطط الجهوية المتقدمة، كخطوة فعالة تؤسس لإصلاح شامل، وكألية فعالة لدعم التنمية الشاملة، وتطوير المنظومة الحقوقية وترسيخ الديمقراطية المحلية، بمبادرات محلية وجهوية ، تروم تدبيرا فعالا للشأن المحلي.
ومن بين أهم التدابير التي تم الإعلان عنها بهذه المناسبة، ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات، وتعزيز منظومة حقوق الأنسان، وتحقيق استقلالية القضاء، وتوطيد مبدأ سيادة القانون والمساواة، وتوطيد مبدأ فصل السلطات وتحديث المؤسسات عبر انتخاب برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتمتع بصلاحيات واسعة على مستوى التشريع والرقابة.
كما وضع الخطاب الملكي أسس سلطة تنفيذية منبثقة من إرادة الشعب، يتولى رئيس الحكومة المختار من الحزب السياسي المتصدر للانتخابات التشريعية، “المسؤولية الكاملة” عن عمل الحكومة والإدارة العمومية ومسؤولية تنفيذ البرنامج الحكومي، كما تم التأكيد على دور الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين في نطاق تعددية سياسية حقيقية تكرس مكانة المعارضة البرلمانية ودور المجتمع المدني، و“تربط المسؤولية بالمحاسبة.”
ولو تمعنا النظر في مضامين هذه الإصلاحات ، لوجدنا أنها تستجيب بصفة عامة، لمطالب شباب “حركة 20 فبراير“، الذين أشار إليهم الخطاب الملكي، ضمنيا، في فقرتين، الأولى في الفقرة المخصصة لمراجعة الدستور حيث طالب بالإصغاء والتشاور مع المنظمات الحزبية والنقابية، ومع الفعاليات الشبابية والجمعوية، و الإشارة الثانية، حين عبر جلالته عن اعتزازه بوفاء الشعب بكل فئاته وأحزابه ونقاباته “وشبابه الطموح“.
ويبقى السؤال . هل يمكن القول بأن هذه الإصلاحات، قد وجدت طريقها إلى التنفيذ ، بنفس الروح التي أعلنت بها . إن الجواب عن هذا السؤال يتطلب مناظرة وطنية، من حلقات، من أجل رصد جوانب السلبيات والإيجابيات، لا مناص من الإعتراف بأن إصلاحات جيدة تم تنفيذها على مستوى المؤسسات، حكومة وبرلمانا وقضاء بينما لا تزال ملفات أخرى تنتظر دينامية أكبر، لتحقق النتائج المرجوة، كالتعليم والصحة والشغل وتخليق الإدارة العمومية والحياة السياسية، في مواجهة مد الفساد الذي لا زال يستعصي على المقاومة، بل، إن إطلاق رئيس الحكومة السابق، بنكيران شعار “عفا الله عما سلف“، اعتبر بمثابة “إقرار” بفشل سياسة الإصلاح في مجال الفساد ، بالرغم من وجود محاولات “خجولة” لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
ولكن هذا لا يمنع من أن نتقمص روح “20 فبراير” ونتفاءل….. ونتغنى ببيتين من “لامية العجم” لمؤيد الدين الطغرائي …
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
لم أرتض العيش والأيام مقبلة فكيف أرضى وقد ولت على عجل
عزيز كنوني