بقدرة الألطاف الربانية لم يخلف الحريق الذي اندلع يوم الأحد الماضي بمعمل كائن بحي”علي باي” أي خسائرفي الأرواح، ما عدا خسائر وصفت بالكبيرة، استهدفت آلات ومعدات تستعمل في الخياطة، قبل أن تتدخل فرقة للوقاية المدنية التي نجحت في إخماد النيران وتحضرمختلف السلطات والأجهزة الأمنية إلى عين المكان، للإحاطة بملابسات وحيثيات الحادث الذي يقع، بعد مرورأسبوعين، تقريبا، على حادث معمل حي “البرانص” الذي كان أودى بحياة ما مجموعه 28 شخصا، من ضمنهم 19 فتاة و9 شاب، نتيجة السيول القوية للأمطار التي تهاطلت في وقت سابق وباغتت العاملات والعمال وهم منكبون على عملهم في مجال خياطة الملابس، بداخل معمل تحت ـ أرضي لفيلا كائنة بحي “الإيناس” بمنطقة “البرانص”.هذا المعمل الذي اطلق عليه ب:”السري” حسب الصحافة الورقية الوطنية والمواقع الإلكترونية التي تتبع بعضها البعض مثل سرعة البرق في توزيعها للأوصاف والنعوت، بهدف السبق الإعلامي، دون التحري الدقيق، لأنها تحتسب السرعة في النشر، لاغير.ونفس الأمرعرفه معمل حي “علي باي” أوما يعرف ب:”موح باكو” حينما نعتته الصحافة الورقية الوطنية بكونه معملا “سريا”.بيد أن المعمل الذي يرتاده عشرات العمال والعاملات، بشكل يومي، بالإضافة إلى النقل المزدوج الذي يقصده، صباح مساء، فضلا عن عيون أعوان السلطة ورؤسائهم والتي لاتنام، بشهادة الجميع، بل وتراقب سكنات وحركات حتى تلك النملة السوداء في الليلة الظلماء، من باب المجاز، لايمكن بأي حال من الأحوال أن يوصف أو ينعت بكونه معملا “سريا”.وواضح أن تسريب هذه اللفظة عند بداية كل حادث مماثل، ربما الغرض منه تخليط الأوراق، لإبعاد تهمة ما عن مسؤول وإلصاقها بمسؤول أقل منه مرتبة إدارية او بموظف بسيط، غالبا ما يكون هو ذلك السورالقصيرالذي يسهل هدمه أو القفز عليه، فعندما “تسقط البقرة تكثر السكاكين…”.
صحيح أنه قد تكون هذه المستودعات جميعها لاتتوفرعلى الشروط التي تخول لها فتح أبوابها لتشغيل اليد العاملة، لكنها ليست “سرية” بالنظر إلى المبررات السالفة. وبالمناسبة لايمكن نكران الدورالكبيرالذي تقوم به جميع المعامل وهي تنتشل مئات من الشابات والشبان من براثن الفراغ والانحراف والضياع وتمنح لهم فرص عمل في ظرفية، ربما كانوا، خلالها، شبه ميتين، قبل أن تمدهم هذه المعامل بجرعة من حب الحياة التي لاتستقيم وتحلو، إلا بالعمل والمشاركة في بناء ذواتهم ومجتمعهم.ويمكن القول أن جميع المعامل والشركات التي تناسلت في طنجة الكبرى هي في الحقيقة أحوج ما تكون إلى “الأخذ بيدها” من طرف الجهات المسؤولة، سواء بدعمها ماديا أو بتسهيل عملها معنويا، شريطة أن لا تتساهل معها فقط في الشروط الواجب توفيرها على مستوى ضمان السلامة والأمان، لفائدة حياة العمال والعاملات.أما وقد سقطت “البقرة” وما قد يتبعها من “قيامة” وإغلاق ومحاسبة، فهذا مشكل أكبرقد يواجهه المجتمع، عند أول منعطف، يسمى فاجعة أخرى بلباس من الجوع والخوف، أمام مواجهة المصيرالمجهول، إثرتسريح مرتقب لمئات من العاملات والعمال، والبقية معروفة….”بنادم ياكل بعضو”، في الوقت الذي يكون المجتمع في غنى عن كل ما من شأنه أن يجعل معيشة أفراده ضنكا، خاصة أن تداعيات “كورونا” القاسية لازالت تلقي بظلالها حتى على الفئات التي لم تحرم من مزاولة عملها في العديد من القطاعات.
محمد إمغران